كلايد راسل*
على الرغم من أنّ الذهب يخطف الأضواء عادة في أسواق المعادن الثمينة، فإنّ الفضّة، التي تُعامل كوصيف شرف أقل بريقاً، تقدّم أداءً تتفوق به على منافسها الشهير بهدوء ومن دون ضجيج إعلامي. فالمعدن الأبيض لا يكتفي بتسجيل عوائد أفضل للمستثمرين، بل يبدو أيضاً أكثر جاذبية على المدى الطويل، مدعوماً بعجز هيكلي في الإمدادات وطفرة غير مسبوقة في الطلب الصناعي، لاسيّما من قطاع الطاقة المتجددة وألواح الطاقة الشمسية.
ومنذ أكتوبر 2023، تسير أسعار الفضة في مسار صعودي قوي، إذ قفز السعر الفوري بنسبة 163% من أدنى مستوى له عند 20.67 دولار للأونصة في 3 أكتوبر، ليبلغ مستوى قياسياً عند 54.38 دولار في 13 نوفمبر. ورغم تراجعها الطفيف لاحقاً بنسبة 5.6% إلى 51.33 دولار للأونصة، فإنّ الفضة لا تزال تحتفظ بقسم كبير من مكاسبها.
في المقابل، ارتفع الذهب بنسبة 142% خلال الفترة ذاتها، من 1813.9 دولار إلى مستوى قياسي جديد بلغ 4381.21 دولار في 20 أكتوبر، قبل أن يتراجع بنسبة 5% إلى 4163.51 دولار للأونصة. ورغم أن أسعار الفضة لم تتفوق بشكل كبير على الذهب، من حيث نسبة الصعود، إلا أن مكاسبها القوية جاءت من دون الزخم الإعلامي المعتاد الذي يرافق المعدن النفيس.
والتاريخ أيضاً يقف في صفّ الفضّة، ففي الفترة من أكتوبر 2008 حتى ارتفاعها القياسي السابق في إبريل 2011، سجّلت أسعار المعدن قفزة ضخمة بلغت 431%، مقابل ارتفاع أكثر تواضعاً للذهب بلغ 168% في الفترة نفسها.
يرتبط اهتمام الإعلام عادةً بالذهب باعتباره مخزناً للقيمة وزينة ثمينة، لكن اتجاهه الصعودي الحالي تلقّى دفعة إضافية بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، معزّزاً بتوقعات تخفيف السياسات النقدية أكثر، إلى جانب مخاوف من تراجع الثقة بالأصول الأمريكية مثل سندات الخزانة، مع سعي الإدارة الجديدة لفرض مزيد من السيطرة على الاحتياطي الفيدرالي. كذلك، أدّت مشتريات البنوك المركزية وتزايد الإقبال على صناديق الذهب المتداولة والعملات إلى دعم موجة الارتفاع.
في المقابل، تستفيد الفضة جزئياً من حركة الذهب، لكن قيمته المنخفضة تجعل كلفة تخزينه المادية أعلى نسبياً، ما يحدّ من جاذبيته للمستثمرين. ومع ذلك، فإنّ الحجة الأكثر إقناعاً لارتفاع السعر لا تكمن في الاستثمار التقليدي، بل في الطلب الصناعي المتسارع، ومحدودية إنتاج المناجم.
قفز الطلب الصناعي على الفضة إلى 689.1 مليون أونصة في 2024 مقارنةً ب644 مليوناً في العام السابق. منها 243.7 مليون أونصة ذهبت إلى تصنيع الألواح الشمسية في العام نفسه، ارتفاعاً من 191.8 مليون في 2023، وبزيادة مذهلة قدرها 158% مقارنةً ب94.4 مليون أونصة في 2020، بحسب بيانات مجموعة بورصة لندن.
وقدّرت وكالة الطاقة الدولية إضافة نحو 600 غيغاواط سنوياً من الطاقة الشمسية إلى قدرات التوليد العالمية، ومن المتوقع أن تقترب الأحجام من 1000 غيغاواط بحلول 2030. وهذا يعني ببساطة أنّ الطلب السنوي على الفضة لأغراض الطاقة الشمسية وحدها قد يرتفع بنحو 150 مليون أونصة سنوياً بحلول 2030.
تأتي معظم إمدادات الفضة كمنتج ثانوي على حساب استخراج معادن أخرى مثل النحاس والرصاص والزنك والذهب. وهذا يعني أن ارتفاع إنتاج الفضة يتوقف أساساً على ديناميات العرض والطلب في تلك المعادن، وليس على أساسيات سوق الفضة نفسها.
وعلى الرغم من احتمال زيادة المعروض خلال السنوات المقبلة، مدفوعاً بالتوقعات الإيجابية لأسواق النحاس والذهب، فإنّ توسعة المناجم القائمة أو تطوير مشاريع جديدة يتطلب وقتاً طويلاً، وقد لا يتحقق إلا على المدى المتوسط أو الطويل.
إلى جانب ذلك، قد يواجه السوق انخفاضاً في الإنتاج العالمي بحلول نهاية العقد، مدفوعاً بالإغلاق المتوقع لبعض المناجم، إذ تشير تقديرات صادرة عن موقع «ماينينغ تكنولوجي» في يوليو، إلى أنّ الإنتاج العالمي قد يتراجع إلى 901 مليون أونصة بحلول 2030 مقارنةً ب944 مليوناً متوقعة هذا العام.
ورغم أن الأسعار المرتفعة قد تجذب المزيد من الاستثمارات، فإنّ فجوة العرض المستمرة تعزّز صورة الفضة كمعدن صناعي واستثماري مرشح لطلب قوي ومستدام، وربما أداء يفوق الذهب في العقد المقبل.
* كاتب متخصص في أسواق السلع والطاقة الآسيوية (رويترز)
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
