إعداد: أحمد البشير

يُعد إيفان جي غرينبرغ واحداً من أبرز الأسماء في عالم التأمين والمال على مستوى العالم، إذ تمكن من قيادة شركة تشب المحدودة (Chubb Limited)، ومقرها في زيورخ بسويسرا، لتصبح واحدة من كبرى شركات التأمين العالمية من حيث القيمة السوقية والنفوذ. ورغم أنه لم يكمل دراسته الجامعية، فإن غرينبرغ استطاع أن يشق طريقه بثبات من الوظائف البسيطة إلى قمة الهرم التنفيذي في واحدة من أكثر الصناعات تعقيداً وتنافساً.

ولد إيفان غرينبرغ في الأول من إبريل/نيسان من عام 1955 في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ينتمي إلى عائلة بارزة في قطاع التأمين، فوالده موريس آر غرينبرغ، كان الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركة «أمريكان إنترناشونال غروب» العملاقة، بينما شغل شقيقه الأكبر جيفري دبليو غرينبرغ منصب الرئيس التنفيذي لشركة «مارش آند ماكلينان».

ورغم خلفيته العائلية الغنية في عالم المال، اختار إيفان أن يسلك طريقاً مملوءاً بالتجارب الذاتية منذ صغره. وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية في سن السابعة عشرة، جاب البلاد متنقلاً بين وظائف بسيطة، من بينها العمل طاهياً في دار للمسنين. ولاحقاً، التحق بجامعة نيويورك و«كلية التأمين»، لكنه لم يحصل على شهادة من أي منهما، مفضلاً التعلم العملي على التعليم الأكاديمي.

بدأ غرينبرغ مسيرته المهنية في عام 1975 بالعمل في شركة «نيوهامشير أنشورانس» في قسم التأمين على السيارات. وفي العام نفسه، انضم إلى شركة «أيه آي جي»، حيث بدأ ككاتب بوليصات تأمين بسيط، لكنه سرعان ما أظهر موهبة قيادية وتنظيمية متميزة جعلته يرتقي بسرعة في المناصب الإدارية.

وخلال 25 عاماً قضاها في «أيه آي جي»، تولّى العديد من المناصب الرفيعة. وأدار عمليات الشركة في اليابان وكوريا بين عامي 1991 و1994، ثم انتقل إلى نيويورك ليتولى الإشراف على أنشطة التأمين الدولي في الشركة. وفي عام 1997، عُيّن رئيساً ومديراً تنفيذياً للعمليات، وكان يُنظر إليه آنذاك بوصفه الوريث المنتظر لخلافة والده في رئاسة المجموعة.

إلا أن الأمور لم تسر كما هو متوقع، ففي سبتمبر 2000، استقال غرينبرغ من منصبه بشكل مفاجئ، مفضلاً التفرغ لعائلته بعد سنوات من العمل المكثف. وبعد عام من التوقف، جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 التي هزت قطاع التأمين الأمريكي، فقرر العودة إلى الميدان من خلال عرض قدّمه له براين دوبيرو، الرئيس التنفيذي لشركة «أيس ليميتد»، لينضم إليها ويبدأ فصلاً جديداً من مسيرته المهنية.

التحق غرينبرغ بشركة «أيس» في نوفمبر 2001، ليتولى قيادة عملياتها الخارجية. وبفضل قدراته القيادية الواضحة، تمت ترقيته في عام 2003 إلى منصب الرئيس ومدير العمليات، ثم أصبح الرئيس التنفيذي للشركة في مايو 2004، وبعدها بثلاث سنوات انتُخب رئيساً لمجلس إدارتها.

قاد غرينبرغ استراتيجية توسعية طموحة، اعتمدت على النمو العضوي والاستحواذات الذكية، فقام بشراء 15 شركة بين عامي 2004 و2015. وكانت أبرز محطاته في يوليو 2015، حين قاد صفقة تاريخية استحوذت بموجبها شركة «أيس» على شركة «تشب» (Chubb) في مقابل 28.3 مليار دولار وهي أكبر صفقة اندماج في تاريخ التأمين على الممتلكات والمسؤولية.

وعندما اكتمل الاندماج في يناير 2016، غيّرت الشركة اسمها رسمياً إلى«تشب ليميتد»، ليصبح غرينبرغ رئيسها ومديرها التنفيذي.

وتحت قيادته، تحولت «تشب» إلى ثاني أكبر شركة تأمين مدرجة في الولايات المتحدة، والأكبر من حيث القيمة السوقية في مجال التأمين على الممتلكات والحوادث. كما حاول غرينبرغ في عام 2021 الاستحواذ على شركة «ذا هارتفورد»، مقدماً ثلاثة عروض متتالية قوبلت جميعها بالرفض، ليعلن بعدها توقف المفاوضات.

ركز غرينبرغ بعد الاندماج على التوسع في الأسواق الآسيوية، وخاصة في الصين. فقد سعى إلى زيادة حصة شركته في شركة “Huatai Insurance” الصينية من خلال الدفع نحو تعديل القوانين التنظيمية في بكين للسماح بالملكية الأجنبية الكاملة.

من خلال مسيرة مهنية تمتد لنحو خمسة عقود، استطاع غرينبرغ أن يثبت أن القيادة ليست نتاج الشهادات، بل ثمرة الرؤية والانضباط والقدرة على التكيف. فقد نجح في تحويل شركة متوسطة الحجم إلى عملاق تأميني عالمي، مع الحفاظ على مبادئ النزاهة والشفافية والانفتاح الدولي.

واليوم، يُنظر إلى غرينبرغ على أنه أحد أكثر الرؤساء التنفيذيين تأثيراً في صناعة التأمين الحديثة، وقائد يجمع بين الحنكة التجارية والبصيرة الاستراتيجية، وشغف لا ينضب ببناء شركات أكثر مرونة واستدامة في عالم متغير.