اقتصاد / ارقام

التنين الرقمي: كيف تشيّد بكين إمبراطورية بيانات لقلب موازين القوى العالمية؟

  • 1/2
  • 2/2

- على مرأى ومسمع من العالم الذي يقف على أعتاب الثورة الصناعية الرابعة، لم تعد تكتفي بدورها كأكبر منتج للبيانات على الكوكب، مستفيدة من جيش قوامه مليار مستخدم للإنترنت وشبكة مراقبة عنكبوتية كثيفة.

 

- بل تمضي اليوم في تشييد صرح تاريخي أكثر جرأة وطموحًا: إمبراطورية بيانات متكاملة، حيث للمعلومات قيمة الذهب والنفط، لتصبح الركيزة الأساسية للقوة الاقتصادية والأمن القومي.

 

- والشاهد هنا أن هذه الرؤية، التي يقودها الرئيس الصيني شي جين بينغ، تتجاوز حدود التطوير التقني لتؤسس لنموذج حكم سلطوي جديد، يطرح تحديًا وجوديًا على الديمقراطيات، ويعيد رسم خريطة القوة في القرن الحادي والعشرين.

 

البيانات: وقود النهضة الصينية

 

 

- لم يعد الحديث في بكين عن البيانات باعتبارها مجرد أداة ثانوية، فقد أعلنتها خطط الدولة رسميًا "عنصر إنتاج" جوهرياً، تتساوى أهميته مع العمالة ورأس المال والأرض.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

- منح الرئيس شي جين بينغ البيانات صفة "المورد الاستراتيجي ذي التأثير الثوري"، مؤكدًا أن الهيمنة عليها هي مفتاح حسم المنافسة الدولية.

 

- ومن الملاحظ أن هذه الفلسفة لم تعد حبيسة التنظير، بل امتدت خيوطها لتتحكم في كل شيء؛ بدءًا من الحريات المدنية، مرورًا بأرباح عمالقة التكنولوجيا، وصولًا إلى طموح الصين الأكبر بالتربع على عرش الذكاء الاصطناعي العالمي.

 

- وتسير بكين بخطى محمومة لتجسيد هذه الرؤية على أرض الواقع؛ فبعد أن استلهمت في عام 2021 بعض القواعد التنظيمية من اللائحة الأوروبية لحماية البيانات، سرعان ما بدأت تبتعد عن المعايير الغربية لتؤسس نموذجها الخاص والفريد.

 

- واليوم، تعمل أجهزة الدولة على كافة المستويات على "تسييل" البيانات التي تمتلكها، أي تحويلها إلى أصول مالية ملموسة.

 

- إذ يجري تقييم كنوز المعلومات لدى الشركات الحكومية بهدف إدراجها في ميزانياتها أو تداولها في بورصات بيانات متخصصة.

 

- وفي خطوة مفصلية، أصدر مجلس الدولة في الثالث من يونيو الماضي، قواعد تُلزم جميع الهيئات الحكومية بتبادل بياناتها، في سعي لإنشاء "محيط بيانات وطني موحد".

 

الهوية الرقمية الموحدة: عين الدولة الساهرة أم قبضة "الأخ الأكبر"؟

 

- لعل الخطوة الأكثر جرأة وإثارة للجدل، هي إطلاق نظام "الهوية الرقمية" الموحدة في الخامس عشر من يوليو الجاري.

 

- بموجب هذا النظام، ستُحكِم السلطات المركزية قبضتها على سجل موحد يوثّق كل موقع وتطبيق يرتاده أي مواطن.

 

- وهنا سيصبح من المستحيل تقريبًا بالنسبة لشركات التكنولوجيا، ربط هوية المستخدم بنشاطه الرقمي، فلن يصلها سوى رموز مشفرة مبهمة.

 

- أما الدولة، فستمتلك بفضل هذا السجل عينًا لا تنام ترصد كل حركة وسكنة لمواطنيها، محققةً بذلك جنة "الأخ الأكبر"، ومانحةً نفسها قدرة غير مسبوقة على التتبع والرصد.

 

- بات الهدف الاستراتيجي النهائي واضحًا: إنشاء محيط بيانات وطني لا يقتصر على بيانات المستهلكين، بل يضم البيانات الصناعية والحكومية.

 

- سيمنح هذا التكامل الصين ميزة ساحقة، أهمها "وفورات الحجم" التي ستتيح لها تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بوتيرة أسرع وأكثر كفاءة من أي منافس عالمي، فضلًا عن تمكين الشركات الصغيرة من الاستفادة من هذا الكنز المعلوماتي الهائل.

 

سلاح ذو حدين: بين الهيمنة التقنية ووأد الابتكار

 

 

- لكن لهذا النموذج وجهه المظلم؛ إذ إن سجل الدولة الصينية في حماية البيانات سيئ السمعة، وخير دليل على ذلك فضيحة تسريب بيانات مليار مواطن من قاعدة بيانات شرطة شنغهاي.

 

- وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن تجريد الشركات الخاصة من ملكية البيانات التي تنتجها قد يؤدي إلى خنق روح المبادرة وقتل حوافز الابتكار والتأثير سلبًا على أرباحها.

 

- أما على صعيد الحريات، فمع أن نظام الهوية الرقمية قد يحل محل آليات رقابية قائمة أقل تنظيمًا، إلا أنه في جوهره يرسّخ نظامًا رقابيًا مركزيًا مرعبًا في كفاءته، ويقضي على آخر ما تبقى من مساحات الخصوصية الهشة في الفضاء الرقمي.

 

تحدٍ عالمي: هل يصبح النموذج الصيني إغراءً لا يُقاوم؟

 

- في الوقت الذي تتخبط فيه معظم دول العالم في كيفية إدارة ثورة البيانات، تقدم الصين نموذجًا جاهزًا، وإن كان ثمنه باهظًا من الحريات.

 

- فبينما تفكر الولايات المتحدة في الاستعانة بشركات خاصة مثل "بالانتير" لدمج بياناتها الحكومية، ويسعى الاتحاد الأوروبي لتحديث قوانينه، وترجح الهند في نظامها "آدهار" كفة الخصوصية على النمو، تضع الصين الكفاءة والسيطرة المطلقة فوق كل اعتبار.

 

- ويكمن جوهر التحدي في أن الديمقراطيات تجد نفسها مقيّدة بضرورة إقامة ضوابط وتوازنات لحماية حقوق الملكية والخصوصية والحريات، وهو ما يجعل مهمتها أصعب وأبطأ. في المقابل، تندفع الصين في تجربتها العملاقة دون الالتفات لهذه "القيود".

 

- والشاهد هنا أنه على مدى عقود، كانت الصين "التلميذ النجيب" الذي يقلّد الابتكارات الغربية، لكنها اليوم تطمح لدور "المعلّم" الذي يُظهر للعالم القيمة الاقتصادية الفائقة لمحيط البيانات الوطني.

 

- وإذا ما نجحت في ذلك، فإن نموذجها المركزي لن يمثل تحديًا اقتصاديًا فحسب، بل سيصبح تحديًا سياسيًا وأيديولوجيًا مباشرًا للنظام الديمقراطي العالمي.

 

المصدر: إيكونيميست

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا