اقتصاد / ارقام

بين الإعلانات التقليدية والرقمية .. هل يلبي التسويق العقاري الحديث تطلعات المشترين؟

  • 1/4
  • 2/4
  • 3/4
  • 4/4

في مساء هادئ، جلس "أولفير كولنز" موظف سابق في إحدى الدوائر الحكومية يتابع ابنه وهو يتنقّل بين الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي باحثًا عن منزل جديد يناسب احتياجاته المستقبلية.

 

وبمجرد بضع نقرات فقط، ظهرت له عشرات الخيارات مصحوبة بصور ثلاثية الأبعاد، ومقاطع تفاعلية، وحتى تقييمات من سكان الأحياء ذاتها.

 

 

عندها ابتسم "كولنز" متذكرًا تجربته قبل أكثر من عقدين حين اشترى منزله الحالي، واضطر حينها لإجراء عشرات المكالمات الهاتفية، وزيارة مكاتب السماسرة، والتنقل بين الأحياء واحدًا تلو الآخر حتى وصل إلى اختياره.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

الفارق بين الأمس واليوم بدا واضحًا؛ ففي حين كان التسويق العقاري يعتمد على الإعلانات الصحفية واللوحات الطرقية والزيارات الميدانية، صار اليوم أكثر سرعة، وشفافية، وتفاعلية بفضل الأدوات الرقمية.

 

فمع دخول العصر الرقمي، شهد القطاع العقاري تحولًا جذريًا، حيث تبنى أساليب تسويق مبتكرة تعد بقدرة أكبر على الوصول، وكفاءة أعلى، وتوافق أفضل مع تغير سلوك المستهلك.

 

لكن السؤال الأساسي يبقى: هل هذه الأساليب الجديدة تلبي حقًا احتياجات السوق، أم أن السوق في حاجة لمزيد من الأساليب التي لا تقتصر على التكنولوجيا وحدها، بل تجمع بين الموثوقية الشخصية والمرونة التفاعلية، بما يخلق مزيجًا أكثر توازنًا بين الابتكار والثقة؟

 

تغير سلوك المشترين

 

لم يعد المشترون اليوم متلقين سلبيين للإعلانات العقارية، فهم يبحثون بأنفسهم على الإنترنت، يقارنون الخيارات عبر منصات متعددة، ويتوقعون شفافية أكبر قبل اتخاذ قرار الشراء.

 

ووفقًا لتقرير الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين لعام 2024، فإن 97% من مشتري المنازل في الولايات المتحدة استخدموا الإنترنت في عملية البحث.

 

أما في المملكة المتحدة، أظهرت دراسة أجريت في 2024 أن حوالي 93% من مشتري المنازل يستخدمون القنوات الرقمية في البحث عن العقارات، وهي نسبة تفوق المتوسط العالمي.

 

كما تظهر أنماط مشابهة عالميًا مع بروز منصات مثل رايت موف في المملكة المتحدة، وبروبرتي فايندر في منطقة الشرق الأوسط كأدوات رئيسية في الوساطة العقارية.

 

وتزايد استخدام الإنترنت في البحث عن العقارات، ففي الولايات المتحدة، أوضح التقرير ذاته أن 76% من المشترين بدأوا رحلتهم عبر هواتفهم الذكية، مقارنةً بـ36% فقط قبل عشر سنوات.

 

 

وهو ما يظهر أن الهاتف المحمول أصبح الأداة الأولى في اكتشاف الخيارات العقارية بدلًا من مكاتب الوسطاء أو الصحف.

 

هذا التحول أجبر المسوّقين العقاريين على تجاوز الإعلانات التقليدية الثابتة، والاتجاه إلى حلول رقمية مثل الحملات الموجّهة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحسين محركات البحث، والإعلانات المعتمدة على البيانات.

 

وعلى عكس اللوحات الطرقية أو الصحف، تسمح هذه الأدوات باستهداف الجمهور وفقًا للديموغرافيا، والموقع، ومستويات الدخل، وحتى السلوك الرقمي، ما يعزز الكفاءة والدقة.

 

الأدوات الرقمية تعيد تشكيل السوق

 

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام، وتيك توك، وفيسبوك منصات قوية للتسويق العقاري.

 

فمقاطع الفيديو القصيرة، والبث المباشر، وحتى التعاون مع المؤثرين، تتيح تجارب تفاعلية تجذب المشترين الشباب من جيل الألفية و"زد"، وفي الوقت نفسه، تساعد إعلانات والإعلانات المبرمجة الوكالات على استهداف الباحثين عن العقارات في لحظة البحث الفعلي.

 

ففي الولايات المتحدة، تشير البيانات عن عام 2024 أن 86% من مشتري المنازل استعانوا بوكيل عقاري، بينما استخدم 69% أجهزة محمول أو لوحية أثناء بحثهم عن منزل.

 

كما غيّرت تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزّز قواعد اللعبة، فبدلًا من حضور جولات ميدانية متعددة، يمكن للمشترين القيام بجولات ثلاثية الأبعاد وهم في منازلهم.

 

وأظهر تقرير لشركة برايس ووترهاوس كوبرز أن العقارات التي جرى الترويج لها بجولات ثري دي تلقت طلبات استفسار أعلى بنسبة 40% مقارنة بالعقارات ذات الصور الثابتة فقط،  كذلك ساهمت صور الطائرات المسيّرة في منح المشترين رؤية أشمل للموقع والمحيط.

 

كما أصبح استخدام أنظمة إدارة علاقات العملاء والمساعدات الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي عنصرًا أساسيًا في متابعة العملاء، فهي تتيح الدعم على مدار الساعة، وتقديم توصيات شخصية، وأتمتة عمليات المتابعة لضمان عدم فقدان أي فرصة.

 

 

وتشير بيانات ديلويت إلى أن 56% من المشترين يتوقعون الحصول على معلومات دقيقة عن الحي مثل الخدمات، والمدارس، والمواصلات بشكل مباشر من المنصات العقارية الرقمية، وليس من خلال زيارة ميدانية.

 

هل تلبي هذه الأساليب احتياجات السوق؟

 

على الرغم من أن التسويق الرقمي حسّن من الكفاءة وساهم في توسيع نطاق الانتشار، فإن قدرته على تلبية احتياجات السوق لا تزال مرتبطة بثلاثة عوامل أساسية هي: الوصول، والثقة، والتخصيص.

 

فعلى مستوى الوصول، أتاحت المنصات الرقمية المعلومات العقارية بشكل غير مسبوق على الصعيد العالمي.

 

فالمشتري في لندن بات قادرًا على تصفح فيلا في دبي خلال ثوانٍ معدودة، وهو ما منح المستثمرين الدوليين والوافدين فرصًا أكبر للاستفادة من هذا الانفتاح وسهولة الاطلاع على الخيارات المتاحة.

 

أما الثقة والشفافية، فتبقى أحد أبرز التحديات في هذا المجال، فالإعلانات الرقمية التي تبالغ في عرض المزايا قد تثير الشكوك حول مدى تطابق الواقع مع ما يتم تسويقه.

 

وللتغلب على هذا التحدي، بدأت المنصات العقارية بالتركيز على القوائم المدعمة بالبيانات، وإبراز تقييمات العملاء، وتقديم بيانات دقيقة عن الأحياء السكنية، ما يساعد على بناء الثقة لدى المشترين.

 

ومع ذلك، يظل القلق بشأن خصوصية البيانات حاضرًا بقوة، ولا سيما مع القوانين الأوروبية والأمريكية الصارمة التي تفرض قيودًا على كيفية جمع واستخدام بيانات المستهلك.

 

الموازنة بين التقليدي والرقمي

 

رغم تصدر الأدوات الرقمية، إلا أن التسويق التقليدي لا يزال يحتفظ بقيمته، خاصةً في القطاعات الفاخرة أو في الأسواق التي يعتمد فيها المشترون على الثقة المباشرة.

 

 

وغالبًا ما يفضل الأثرياء الراغبون في شراء عقارات الجولات الحصرية، ومعارض العقارات الفاخرة، والكتيّبات المطبوعة، لذلك، يبقى النموذج الهجين الذي يجمع بين مصداقية التقليدي وسرعة الرقمي هو الأكثر فعالية.

 

في نهاية المطاف يواصل القطاع العقاري تبني التسويق الرقمي بسرعة مذهلة، ما أعاد تشكيل أسلوب عرض وبيع العقارات.

 

فمن الحملات الموجهة بالذكاء الاصطناعي إلى الجولات الافتراضية، تلبي هذه الأدوات احتياجات المشترين العصريين من حيث الراحة، الشفافية، والوصول العالمي.

 

لكنها تظل ليست الحل الأمثل للجميع، إذ يعتمد النجاح على مدى قدرة الشركات على الموازنة بين الابتكار الرقمي واحتياجات السوق الواقعية، مع الحفاظ على الثقة كمبدأ أساسي.

 

باختصار، لم يعد السؤال اليوم ما إذا كان التسويق الرقمي سيحل محل التقليدي، بل كيف يمكن دمجهما معًا في صيغة أكثر توازنًا تضمن الكفاءة والشفافية والموثوقية.

 

فالمستقبل لن يكون لمن يملك أدوات رقمية فحسب، بل لمن يعرف كيف يوظفها في بناء جسور ثقة حقيقية مع العملاء.

 

المصادر: أرقام - الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين- برايس ووترهاوس كوبرز- ديلويت- مجلة هارفارد للأعمال- فايننشال تايمز

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا