عرب وعالم / السعودية / صحيفة سبق الإلكترونية

"هروب الممرضات".. أزمة

تم النشر في: 

19 يوليو 2025, 3:19 مساءً

تبرز قيمة الإنسان ومعنى الحياة، وتتجسد أسمى معاني الإنسانية في مهنةٍ مقدسة وهي التمريض، وأبطال تلك المهنة اللاتي يراقبن بصبرٍ ويقظة كل نبضة، كل نفس، وكل إشارة حياة، يواجهن المرض والموت بشجاعةٍ وصمود، ليقدمن العناية التي قد تكون الفارق بين الحياة والفناء.

هنا تعد وحدات العناية المركزة (ICUs)، حصن الأمان الأخير للمرضى ذوي الحالات الحرجة، إنها المساحة التي تُحتضن فيها الأرواح الضعيفة، وتُصارع الأمراض الفتاكة بأجهزةٍ دقيقة وفريقٍ طبيٍّ مدربٍ على أعلى المستويات، وتقديم الرعاية الحيوية التي لا تحتمل التأجيل أو التهاون، وتُتخذ القرارات المصيرية في ثوانٍ معدودة لإنقاذ حياةٍ تُعلق عليها آمالٌ عريضة، هذه الأقسام هي فعلاً قلب المستشفيات النابض، حيث تتجسد فيها أقصى درجات التحدي والمسؤولية في مهنة الطب والتمريض.

ولكن، خلف الأبواب المغلقة لتلك الوحدات الحيوية، تتكشف ظاهرةٌ مقلقةٌ تُهدد استمرارية وجودة الرعاية، المتمثلة في "هروب الممرضات" من مهام العناية المركزة، هذه المشكلة لا تقتصر آثارها على نقص الكوادر فحسب، بل تُلقي بظلالها على جودة الرعاية المقدمة للمرضى وسلامتهم، حيث تستنزف طاقات الممرضات، وتُفقدهن الرغبة في الاستمرار في بيئةٍ تتطلب قوةً نفسيةً لا تُضاهى.

وتتعدد الأسباب الكامنة وراء هذا الهروب، وتتصدرها الضغوط النفسية المستمرة وحالات التوتر الهائلة التي تعيشها الممرضات داخل هذه المراكز، فبيئة العمل تتسم بترقبٍ مستمر لحالات المرضى الحرجة، ومشاهدة الألم والمعاناة اليومية، مما يؤدي إلى استنزافٍ عاطفي هائل، هذا الاستنزاف يُفضي إلى شعورٍ عميق بالإرهاق العاطفي والعقلي، يجعل الاستمرار في هذه أمرًا بالغ الصعوبة ويؤثر على صحتهن النفسية والجسدية.

ولا يقل الخوف من الأخطاء المهنية أهميةً كسببٍ رئيسي، فالعناية المركزة تحوي عددًا كبيرًا من الأجهزة الطبية المعقدة التي تتعلق حياة المريض بها بشكل مباشر، وأي خطأ، مهما كان بسيطًا، قد يسبب وفاة المريض أو انتكاس حالته الصحية بشكل خطير.

وتتراكم هذه الضغوط لتُسفر عن ظاهرةٍ تُعرف بـ”الاحتراق الوظيفي”، بمعنى أن الممرضات قد لا يرغبن في الاستمرار في مهنة التمريض بشكل عام، أو يفضلن الانتقال إلى أقسامٍ أقل ضغطًا، الإرهاق البدني والنفسي والعقلي الناجم عن بيئة العمل في العناية المركزة، ومن ثم يمكن أن يدفع الممرضة إلى ترك المهنة بالكامل، مما يُمثل خسارةً كبيرة للمنظومة الصحية.

ويستلزم العمل في العناية المركزة من الممرضة أن يكون لديها القدرة على اتخاذ القرار السريع والدقيق في اللحظات الحرجة، وكثيرٌ منهن لا يملكن هذه المهارة بشكلٍ كافٍ، سواءً بسبب نقص التدريب أو عدم الخبرة الكافية، مما يجعلهن يشعرن بعدم الكفاءة أو القلق عند مواجهة المواقف الطارئة التي تتطلب رد فعل فوريًّا وحاسمًا لإنقاذ حياة. هذا النقص في المهارات يُضاف إلى قائمة التحديات التي تواجهها الممرضات في هذه الأقسام الحيوية.

في تقديري .. لمواجهة هذه الظاهرة المقلقة، يتطلب الأمر تبني حلولٍ شاملة ومتعددة الأوجه تركز على دعم الممرضات وتمكينهن، فيجب توفير الدعم النفسي المستمر للممرضات طوال الوقت، من خلال جلسات تفريغ نفسي منتظمة يقودها أخصائيون متخصصون، هذه الجلسات تُساعد الممرضات على معالجة المشاعر السلبية المرتبطة بالضغط والتوتر، وتُقلل من خطر الاحتراق الوظيفي، إضافة إلى ذلك، من الضروري توفير تدريباتٍ مكثفة على التعامل مع الضغوط المهنية، وتعزيز مهارات إدارة التوتر، واتخاذ القرار السريع والفعال في المواقف الحرجة، هذا التدريب يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من المناهج الدراسية للتمريض، وأن يستمر كبرامج تطوير مهني أثناء الخدمة، كما يجب أن تكون بيئة العمل مشجعة ماديًّا ومهنيًّا، بتوفير حوافز مالية مجزية تتناسب مع طبيعة العمل الشاقة والمسؤوليات الكبيرة، بالإضافة إلى فرص للنمو المهني والترقي.

ما نشهده اليوم هو جرس إنذار، يجب الإصغاء له، فدعم الممرضة في العناية المركزة ليس ترفًا، بل ضرورة لحماية منظومة صحية بأكملها.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا