الارشيف / منوعات / صحيفة الخليج

«دامسل».. مشاهدة تقطع الأنفاس

مارلين سلوم

من قلب قصص الخيال التقليدية يجد بعض الكتّاب طريقاً لخلق روايات وحكايات لا تقل خيالاً عن القديمة، لكنها في نفس الوقت تتفوق عليها من حيث كسر النمطية والتجديد في ابتكار أحداث مشوقة، ويعتبر المؤلف دان مازو من هؤلاء المجددين المتجددين بتأليفه قصة «دامسل» أي «آنسة» الذي بدأت منصة «نتفليكس» بعرضه حديثاً، ويعتبر من الأفلام المبهرة من حيث الإثارة وسرعة الإيقاع والأحداث والإخراج والتمثيل.. ويضمن للجمهور مشاهدة تقطع الأنفاس لما يقرب من الساعتين.

مجحف بحق هذا الفيلم التعريف عنه بأنّه خيال أمريكي، دون الاسترسال في توضيح أهم النقاط فيه، لأنّك تشعر وأنت تشاهده أنّه عصارة إبداع أفلام الخيال الأمريكية والبريطانية وغيرها من روائع السينما العالمية، فتارة يأخذك إلى حكايات ديزني الأسطورية مثل «السندريلا»، وتارة أخرى يسحبك إلى عالم «هاري بوتر» الساحر بأشكال الوحوش والمطاردات وخطر الموت والدفاع عن النفس بشراسة، وتارة يذكرك بأفلام شرلوك هولمز وشقيقته إنولا هولمز والتي جسدتها بنجاح كبير بطلة هذا الفيلم ميلي بوبي براون، من حيث فك الرموز والخرائط وتتبع الأثر وحل الألغاز، خصوصاً أنّ بطلة «آنسة» إيلودي (ميلي بوبي براون) تهوى ابتكار المتاهات ورسمها.

«هناك العديد من قصص الفروسية، حيث ينقذ الفارس البطل الفتاة من محنتها، هذه ليست واحدة من تلك القصص» هكذا يبدأ الفيلم التعريف عن نفسه، وكأنّه ينذرنا منذ اللحظة الأولى أنّنا سنشاهد عملاً غير تقليدي، وقصة أحداثها غير متوقعة إلى حد كبير، ونفهم أنّ البطلة ستواجه محنة ولن ينقذها فارس الأحلام؛ بداية مبشرة تشجعك على المضي قدماً.

المخرج (ومنتج الأفلام الإسباني) خوان كارلوس فريسناديو رفع من سقف التشويق، سار مع القصة بشكل تصاعدي، لم يترك للجمهور أي مجال للالتفات أو الانشغال عن ، لم يكرر مشاهده ولم يسمح لنا بالتقاط أنفاسنا، هدوء البدايات يلح عليك بأنّ هناك مفاجآت غير سارة آتية، ينذر بهبوب عواصف تقلب الرومانسية التي تحلم بها البطلة وشقيقتها إلى كابوس ورعب.

نعود لأول مشهد، حيث نرى ملكاً يدخل كهفاً مع فرسانه وبعض الجنود، يأمرهم بقتل «الوحشة» أي أنثى التنين التي تقيم في الكهف، لكن المعركة تنتهي بانتصارها عليهم جميعاً دون أن نفهم تفاصيل غضبها والذي انعكس سواداً على المدينة التي قتلت ملكها وما زالت تسيطر على كهفها والجبل، تمر عدة قرون، فنرى شابة اسمها إيلودي وينادونها إيلي (ميلي) تقطع الأخشاب مع أختها الصغيرة فلوريا (بروك كارتر)، ونفهم أنّهما ابنتا اللورد بايفورد (راي وينستون) الذي يحاول إيجاد حلول لإنقاذ شعبه من الجوع وفي بلد ثلجي نائي، يتلقى الأب رسالة من ملكة أوريا (روبين رايت) تطلب فيها ابنته إيلودي للزواج من ابنها الأمير هنري (نك روبنسون) لقاء مبلغ ضخم، فيوافق اللورد بايفورد فوراً متوجهاً لابنته بكلمة تكون كفيلة بإقناعها: «شعبك بحاجة إليك». ككل الأفلام الخيالية حيث يطلب الأمير يد فتاة للزواج، تبدأ إيلودي رحلتها نحو البلد الجديد البعيد في سفينة والدها، وبرفقتها طبعاً الأسرة المكونة من الأب وزوجته (لأنّ والدة إيلودي وفلوريا متوفاة) لايدي بايفورد (أنجيلا باسيت) والابنة الصغرى فلوريا؛ الكل متفائل لكن إيلودي ليست ككل الفتيات، فهي قوية وشديدة الذكاء وتُعمل العقل أكثر من انجرافها خلف المشاعر، بينما شقيقتها مرهفة الإحساس طيبة ولم يشتد عودها بعد، تتسلح العروس بالتفاؤل، العربة التي تقلها وعائلتها إلى القصر تشبه عربة سندريلا التي شاهدناها في معظم أفلام الخيال لكنها هنا مطلية بالذهب، تكون الملكة إيزابيل وزوجها الملك رودريك (ميلو توماي) والأمير هنري في استقبال العروس وأهلها، لقاء يبدو مبشراً، تطلب الملكة من الأب الجلوس للتحدث في التفاصيل وحدهما فقط، بينما يخرج العروسان في نزهة وجولة تتعرف من خلالها إيلودي إلى القصر والمنطقة، وتتحدث مع هنري عن حلمها في السفر حول العالم، وتصارحه بأنّها وافقت على الزواج لإنقاذ شعبها.

مفاجأة آتية

حتى الآن تسير الأمور بشكل عادي، لكن ميزة الفيلم أنّه يمنحك إحساساً دائماً بأنّ هناك مفاجأة آتية، وأنّ الأحداث تبدو عادية ولكنها غير ذلك، وأنّ السعادة المنشودة لن تتحقق ولن تعيش الأميرة الجديدة مع الأمير في «ثبات ونبات».. تحاول زوجة الأب اللايدي بايفورد التودد للملكة والتحدث معها باعتبارهم سيصبحون عائلة واحدة، فتصدها هذه الأخيرة بعبارة تخيف المرأة: «نحن بحاجة لعروس وأنتم بحاجة للنقود، ولا نحتاج لأفراد عائلة»، تسرع اللايدي بايفورد إلى زوجها فيحذرها من نقل مخاوفها أو التحدث عنها، ورغم ذلك تسرع لتحذير إيلودي من هذه الصفقة وتطلب منها التراجع عنها، فترفض فلوريا تصديقها، مدعيةً أنّ زوجة الأب تريد إفساد هذه الفرحة لأنّها «زوجة أب».

مراسم الزفاف سريعة وغريبة، تليها طقوس أغرب حيث يأخذ العريس زوجته إلى كهف فيجد الملكة وزوجها والحاشية في انتظارهما، فتخبرها الملكة أنّ هناك وَحشة - والتي رأيناها في بداية الفيلم-(تؤدي صوتها شهره اغداشلو) أكلت 3 بنات وحاربها الملك لكنها ما زالت تشكل خطراً على الجميع، وبخنجر تجرح يد الأمير ويد عروسه وتضعهما على بعضهما لتصبح إيلودي «من دماء ملكية»، ثم يطلب منها الأمير أن تغمض عينيها ليحملها ويخرجا، لكنّه يقوم برميها في هوّة عميقة ويتركونها وحيدة في مواجهة الوَحشة.

مغامرة وإبهار

الإتقان في كتابة هذه المغامرة والإبهار في الإخراج ينسيانك أنّك أمام خيال بعيد كل البعد عن الواقع، تتفاعل مع كل ما تواجهه إيلودي في معركتها، تخاف عليها وتتأثر وتحاول حل الألغاز مثلها وتتحمس وتتأمل وتنتظر وكأنّك تشد من عزيمتها، وكلما اجتازت مرحلة تفاءلت معها ثم جاء ما يخيب آمالك وآمالها.. استخدام المخرج للإضاءة داخل الكهف يزيد من جمال المشاهد، لون النار ولون عيني التنين، ثم النور الآتي من الحشرات المضيئة وسط الظلام، وكأنّها عناقيد من نور، الهياكل العظمية التي تراها إيلودي فتوحي لها بقصة أصحابها، كلهن فتيات مارست عليهن الملكة نفس الحيلة كي تشبع الوَحشة فينقضي الأمر وتتحرر المملكة والأمير من تهديدها المستمر منذ قرون، ومن أسماء الأميرات أو الفتيات المدونة بأيديهن على جدار في الكهف تكتشف أنّهن من جنسيات مختلفة، ومن بينهن الهندية والعربية «زينب، فاطمة، رانيا، فيكتوريا..»، الفتيات رسمن خريطة للمكان ساعدت إيلودي في وضع خطة والانطلاق نحو الحرية، فهل تنجح؟

الباقي من العمل أكثر تشويقاً ومفاجأة للجمهور مما ذكرناه، والباقي من العمل أكثر إبهاراً وجمالاً في التصوير والجرافيك والإخراج.. عليك الانتباه إلى كل التفاصيل وأدقها، فكل تفصيلة لها أهميتها ويوظفها صناع العمل في مشهد لاحق، خذ مثلاً مشهد الزفاف وما سبقه من استعدادات له فهو مذهل، ومشهد تلقي البطلة المساعدة في ارتداء فستان زفافها، حيث تبدو مستسلمة هادئة على غير عادتها، ومع الفستان يتم تزويد العروس بما يشبه البلورة وفيها ما نعتقد أنّه عطر، وخنجر مذهب، نعتقد أنّه من ضمن الطقوس.

أداء الممثلين

ينتهي الفيلم والمتعة لا تنتهي، تشاهده بلا أي ذرة ملل، أداء الممثلين رائع وميلي بوبي براون تزداد تألقاً وترسخ قدميها أكثر فأكثر في مجال المغامرات والتشويق، وتحمل مجدداً مسؤولية فيلم وهي في العشرين من عمرها، فيه نجوم أكبر منها سناً وخبرة، واللافت في هذا العمل أنّ العنصر النسائي يتولى قيادة الأحداث أكثر من الذكور، فالتنين أنثى، والملكة هي التي تدير أمور مملكتها وتخطط لزواج ابنها الأمير بينما زوجها الملك صامت طوال الوقت وتابع لها، الأمير ينفذ الأوامر، إيلودي تقود معركتها باسمها وباسم كل اللواتي سبقنها.

[email protected]

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا