الارشيف / اقتصاد / صحيفة الخليج

الاتحاد الأوروبي.. بين الإبداع والتنظيم

جيسون أوكسمان *

وضع الاتحاد الأوروبي اللمسات الأخيرة على أول قانون في العالم ينظم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لينضم إلى اللائحة العامة لحماية البيانات التي صدرت منذ خمس سنوات، وهي القانون الأول والأبرز لحماية الخصوصية الرقمية.

وبينما تعد الخطوة مثالاً على كيفية قيادة أوروبا تنظيم التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى تخطيط مسؤوليها لعملهم المستقبلي في إطار السياسة الرقمية، إلا أن القارة تقف على خط التماس بمواجهة تحديات وصراعات دولية كبيرة، بما في ذلك الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط وإفريقيا، والتي تفرض ضغوطاً على اقتصاد الاتحاد الأوروبي وتزيد من كلفة التحول الأخضر. ولدرء ذلك، يتعين على أوروبا دعم إمكاناتها التنافسية وقدرتها على الصمود من خلال «الإبداع» وليس «التنظيم» فحسب، وهو ما يُعد ضرورة حتمية لتجاوز هذه الفترة الصعبة.

وبما أن عام 2024 يتخلله مطبات مهمة للسياسة الرقمية في أوروبا، وفي مقدمتها انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/ حزيران، فلا بد أن يترافق ذلك مع التفكير في هدف الاتحاد المتمثل في أن يصبح الوجهة الأفضل للشركات لتنمية تقنياتها المتطورة.

وفي أعقاب الموجة غير المسبوقة من القواعد التي فرضتها الولاية الحالية للبرلمان الأوروبي، والتي أثرت تقريباً على جميع جوانب الاقتصاد الرقمي، سيتعين على الأعضاء الجدد تحديد الحلول السياسية التي يمكن أن تساعد القارة على الوصول إلى التوازن المنشود بين الاستدامة والقدرة التنافسية من خلال جني فوائد الابتكار التكنولوجي وسط التحديات العالمية الحادة. ولابد أن يضمن التفويض التالي قدرة الشركات التي تعتمد على التكنولوجيا على الازدهار في أوروبا مع الحفاظ على القيم الأساسية للاتحاد.

وبُغية أن يصبح مكاناً جذاباً لشركات التكنولوجيا، يتعين على صناع السياسات في الاتحاد الأوروبي تعزيز الحوار والعمل في سوق موحدة متكاملة، والتركيز في الوقت نفسه على تقليل عبء الامتثال على الشركات التي تسعى إلى الاستثمار في أراضيها مع ضمان التزامها بالقواعد القائمة. ولكي يتسنى للجيل المقبل الاستفادة من الاختراقات التقنية المراد تحقيقها، من الضروري أن تعمل سياسات الكتلة المقبلة على تحفيز الإبداع والقدرة التنافسية للأعمال.

وينبغي للتقارير التي يكتبها إنريكو ليتا وماريو دراجي لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، حول السوق الموحدة والقدرة التنافسية لأوروبا، أن تطرح أساليب جريئة، وتتضمن تقييمات منهجية ومتعمقة لتأثير المقترحات التشريعية في الظروف التنافسية للسوق.

ومن خلال دفع العمل إلى الأمام بشأن سوق موحدة مفتوحة واعدة، يتمتع الاتحاد الأوروبي بالفرصة لضمان حماية قيمه ومصالحه مع دعم قدرته التنافسية العالمية وتعزيز دوره الرائد على المستوى الدولي. وهذا أمر مهم بالنسبة للأمن الاقتصادي للاتحاد، وخاصة في السياق الجيوسياسي الحالي. وقد شددت استراتيجية الأمن الاقتصادي للمفوضية الأوروبية لعام على أن القدرة التنافسية للسوق الموحدة والشراكات الدولية بمنزلة أدوات حاسمة للمرونة الاقتصادية.

وعند تطوير أطر تنظيمية جديدة في الاتحاد الأوروبي، يتعين على صناع السياسات أن يتجنبوا التشرذم، الذي لا يؤدي إلا إلى زيادة التعقيد بالنسبة للشركات العاملة داخله. كما يتعين عليهم التركيز أكثر على آلية تنفيذ التشريعات، وتقديم المزيد من التوجيه للشركات حول كيفية الامتثال مع دعم التنفيذ الوطني أيضاً لضمان موحد للقوانين المعقدة مثل تلك المتعلقة بإدارة البيانات والأمن السيبراني والاستدامة.

ومع الاتحاد الأوروبي قانون الذكاء الاصطناعي التاريخي، فإن الوضوح في التعاطي بات يشكل أهمية خاصة. فمنذ إقراره، أصبحت سياسة الذكاء الاصطناعي معقدة بشكل متزايد، مع تعدد المتطلبات والسلطات بموجب قانون الاتحاد، بما في ذلك قانون الذكاء الاصطناعي نفسه، والمسؤوليات عن المنتج، واللوائح العامة لحماية البيانات. وهناك أيضاً هيئات جديدة وأدوات تطوعية تم إنشاؤها ضمن المبادرات الدولية متعددة الأطراف، مثل مدونة قواعد سلوك مجموعة السبع وقمة سلامة الذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة.

وسيؤدي الفشل في ضمان التنفيذ المنسق إلى تعقيد قانوني من شأنه أن يفرمل تطوير نظام بيئي قوي للذكاء الاصطناعي، ويحد من استخدام حلوله المبتكرة في أوروبا.

وفي حين أن السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي تشكل أصلاً تنافسياً واضحاً، فإن الكتلة تصبح أقوى عندما تعمل مع الحلفاء والشركاء التجاريين. ولجذب الاستثمار والاحتفاظ به، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى رفد السوق بمشاركة دولية أعمق مع الشركاء القادرين على المساعدة في صياغة المعايير الدولية، ووضع قواعد الاقتصاد العالمي، وتعزيز فرص تحقيق الأهداف الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية المشتركة.

وينبغي للاتحاد الأوروبي أن يعطي الأولوية لتطوير المعايير الدولية الطوعية التي تقودها الصناعة والاعتراف بها على نطاق أوسع بموجب القانون. بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي لعمليات توحيد المعايير فيه أن تميز ضد الشركات التي يقع مقرها الرئيسي خارج الكتلة، ويجب أن تتجنب إنشاء حواجز تجارية دولية.

ويتعين على الاتحاد الأوروبي أيضاً انتهاج قواعد أساسها الثقة والتعاون مع الحلفاء بطرق تتوافق مع التزامه الطويل الأمد بالتجارة الحرة، ما يسمح له بتشكيل التكنولوجيات الناشئة في المحافل الدولية.

وفي ضوء ذلك، ستظل السياسة الرقمية أولوية حاسمة للسنوات المقبلة، وأمام الاتحاد الأوروبي فرصة سانحة لقيادة أجندة عالمية مؤيدة للابتكار، وصناعة التكنولوجيا مع الالتزام الراسخ ببناء الثقة، وتعزيز التعاون الدولي كعناصر أساسية للقدرة التنافسية والمرونة في أوروبا.

* الرئيس والمدير التنفيذي لمجلس صناعة تكنولوجيا المعلومات (يوروآكتيف)

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا