الارشيف / عرب وعالم / الامارات / صحيفة الخليج

الدكتور سلطان القاسمي يكتب: مشروع الألبان في الشارقة عام 1970

الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي

عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة

قبل التخرج في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، قمت بدراسة تحسين الأبقار في ، لإنتاج الألبان.

​كان ترددي على الأستاذ الدكتور محمد توفيق رجب أستاذ علوم الأغذية والإنتاج الحيواني، وأساتذة قسم الألبان، وكان من بينهم من درسوا في الجامعات الأجنبية، وخرجت من مقابلة ذوي الاختصاص بالآتي:

  1. سلالة «الفريزيان» «Friesian»: سلالة من أبقار الحليب موطنها شمال غرب ألمانيا، أصبحت هذه السلالة الرئيسية في مزارع إنتاج الحليب في العالم؛ نظراً لغزارة إنتاجها من الحليب، فكان إنتاجها السنوي للحليب من 7500 إلى 11000 لتر.
  2. أبقار «الجيرسي» «Jersey» هي سلالة أصغر، ذات شعر بني ناعم وعيون كبيرة وجميلة، وتنتج حليباً من أغنى أنواع الحليب، وغالباً ما يستخدم لإنتاج الزبدة والجبن، تعود أصول أبقار جيرسي إلى . ينتج القطيع نحو 4500 لتر من الحليب في 300 يوم من فترة الرضاعة.

​لكن أبقار «الفريزيان» و«الجيرسي»، تتطلب درجات حرارة معينة، والتي لا نجدها في الإمارات، حيث في صيف الإمارات مرتفعة جداً.

كنت قد قررت أن أحسّن من أبقار الإمارات، حيث كان إنتاج البقرة الواحدة في السنة 1000 لتر، وإذا ما هجّنّاها بالذكور من «الفريزيان» أو «الجيرسي» فإن البقرة ستنفق حسب اعتقادي، حيث العجل أكبر من أحشاء البقرة المحلية، فعدلت عن ذلك.

من بين أساتذة قسم الألبان، قد ذكر لي أنه قرأ دراسة إنجليزية تتحدث عن نوع آخر من الأبقار وهي: أبقار «ساهيوال» «Sahiwal»، سلالة هندية، تنتج نحو 1600 لتر إلى 2650 لتراً سنوياً.

قررت الذهاب إلى الهند، لدراسة أبقار «ساهيوال»، وفي تلك الفترة، من نهاية شهر سنة 1390ه، الموافق شهر أكتوبر عام 1970م، حيث ستأتي إجازة المبارك لسنة 1390ه.

ركبت الطائرة من مطار القاهرة إلى مطار بومبي، ومن هناك أخذني سائق سيارة الأجرة والذي امتدح فندق «تاج محل»، لكنه نصحني بأن ذلك الفندق أسعاره غالية، فقلت له: لا بأس.

في فندق «تاج محل» تعرفت على مدير الفندق وشرحت له سبب زيارتي للهند، فرد عليّ مدير الفندق قائلاً: أنا أعرف شركة تأسست في منطقة «بونا» «Pune»، وأعرف مدير فندق «بونا»، حيث كثير من السائحين والذين ينزلون في فندق «تاج محل»، يطلبون الحجز في فندق «بونا».

وأضاف قائلاً: هل ترغب أن أحجز لك هناك؟، فوافقته على أن أرحل إلى مدينة «بونا» في اليوم التالي.

في صباح اليوم التالي، كان مدير فندق «تاج محل» ينتظرني عند مكتب الاستقبال لدفع مصاريف الفندق، وقال: لقد أرسلت برقية إلى مدير فندق «بونا» وبيّنت له طلب نوع الإقامة حسب ما كانت في فندق «تاج محل»، وبيّنت له الغرض من تلك الزيارة.

ثم التفت إليّ وقال: لقد أحضرت لك تذكرة السفر على القطار السريع المخصص للسائحين ورجال الأعمال، فقلت له: ما هي مدة السفر إلى «بونا»؟

قال: ثلاث ساعات.

قلت: أدفع لك قيمة التذكرة.

قال: احتسبناها مع مصاريف الفندق.

توجهت من فندق «تاج محل» إلى محطة القطارات وركبت القطار السريع الذي انطلق بنا إلى مدينة «بونا»، وهو يقطع تلك المساحات، حيث وضع الله تعالى أجمل ما في الطبيعة، والقطار ينسرب في أنفاق في الجبال بين تلك المساحة الجميلة، وكان عددها خمسة أنفاق.

بعد ثلاث ساعات، وصلت إلى مدينة «بونا»، وأخذت طريقي إلى فندق «بونا»، وعند مدخل الفندق، كان مدير الفندق في استقبالي ومرحّباً بقدومي وهو يقول: مرحباً بك في فندق «كتن بونا» «Ketan Pune»، مع مدير الفندق المكون من دورين فقط، وهو يقول: هذا الفندق جديد ومحدود الغرف.

سألت مدير الفندق عن مزرعة الألبان فقال: تقع شركة الألبان في قرية «ساتارا» «Satara»، والتي تبعد عن «بونا» قرابة الساعتين، وبالطريق السريع ثلاثة أرباع الساعة، واسمها «كاتيراج، شركة الألبان في ساتارا- بونا» «Kateraj, Dairy Farm Company in Satara Village-Pune».

في اليوم التالي من وصولي إلى فندق «بونا» أحضر مدير الفندق سيارة تقلني إلى قرية «ساتارا» وسلّم السائق رسالة منه بها تعريف عني قال فيها: سلطان بن محمد القاسمي، طالب من جامعة القاهرة يدرس أبقار «ساهيوال»، وهو نزيل بالفندق في «بونا».

انطلقت بي السيارة إلى قرية «ساتارا» بالطريق السريع حيث وصلنا إلى القرية في أقل من ساعة، بين المزارع التي انتشر بها العاملون في الزراعة، وإذا بذلك المبنى الأبيض عند نهاية طريق «بونا» كتب عليه: طريق «ساتارا».

تمّ استقبالي من قبل مدير الشركة والباحثين في الشركة، ودار بيننا الحديث على مدى ثلاثة أيام من الصباح إلى المساء، وقد شرحوا لي أعمال الشركة والدراسات التي قاموا بها، ثم ذكروا أن إنتاج اللبن من أبقار «ساهيوال» التي ذكرتها لهم وهي 1600 لتر في السنة غير صحيحة، لأن ذلك في الأبقار العادية، أما الأبقار المنتقاة والمحسّنة النسل تصل كمية اللبن بها إلى 2650 لتراً من البقرة الواحدة في السنة.

أما أنك تستعمل ذكر «الجيرسي» في تلقيح أبقار «ساهيوال»، فقد فكرت الشركة في ذلك. ومن الدراسة التي قامت بها الشركة تبيّن أن أستراليا قد هجّنت أبقار «ساهيوال» بثور «جيرسي»، فقد أعطت النتيجة التالية:

1- الجيل الأول: جيد.

2- الجيل الثاني: جيد.

3- الجيل الثالث: ينحل ويضعف، يقال لها باللغة الإنجليزية: «Decay»، ويتدهور القطيع.

ونصحوني أن أتعاون معهم في تكوين قطيع من أبقار «ساهيوال» المحسّنة.

في أحد الأيام من تلك الأيام التي قضيتها في مبنى شركة «كاتيراج» طلبت أن أزور قرية «ساتارا» حتى إذا وصلنا إلى وسط القرية، قال مرافقي: سآخذك إلى «دبا»، قلت في نفسي: هل هو ساحر؟، أين نحن من دبا؟!.

توقفت السيارة عند مقهى شعبي، وطلب مني أن أنزل، نزلت وأنا أقول لمرافقي: أين دبا؟، فرد عليّ قائلاً: هذا دبا، المقهى يقال له: دبا باللغة الهندية.

سافرت من مدينة «بونا» إلى بومبي ومنها إلى القاهرة؛ لألتحق بكُليتِي كلية الزراعة بجامعة القاهرة؛ لأتخرج فيها مهندساً زراعياً.

في الشارقة وبعد أن عدت من القاهرة، عُينت مدير مكتب الحاكم في حكومة الشارقة، ومن بعد ذلك وزيراً للتربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تأسست في تلك الفترة. وما هي إلا أشهر قليلة حتى أصبحت بعدها حاكماً للشارقة، وانشغلت عن الزراعة.

بعد سنتين من بداية استلام الحكم في الشارقة، قررت الشروع في مشروع الألبان في الشارقة، وكلفت شركة إنجليزية أن تشترك مع شركة متخصصة في بناء محطة للأبقار في منطقة الذيد، حتى إذا ما أتت تلك الشركات لمناقشة المشروع، حضر مندوبون عن شركة أسترالية وعرضوا أن يقوموا ببناء المحطة كاملة وتزويدها بالأبقار.

قلت: ما نوع الأبقار؟

قالوا: «ساهيوال» هندي، مهجّن ب«الجيرسي» الإنجليزي.

قلت: أيّ جيل؟

قالوا: الجيل الثاني، والأبقار عشراوات.

قلت: الذي في بطنها سيصبح الجيل الثالث!!

قالوا: نعم.

قلت: إذن سنحضر الشرطة، لضبط عملية الغش والاحتيال.

قالوا: لماذا؟

قلت: إن الجيل الثالث من الهجين «ساهيوال» و«الجيرسي» سيخرج وجيناته قد تدهورت وانحلّت، وهي عملية يقال لها باللغة الإنجليزية: «Decay».

قالوا: نحن لا ذنب علينا، فقد تلقينا هذا العرض من شركة الأبقار الأسترالية.

قلت: اذهبوا، لا أريد مشروعكم.

ولم يكتب لذلك المشروع التنفيذ.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا