هذه المراجعة خالية من الحرق للمسلسل المحدود The Beast In Me. أعتبر نفسي من محبي المسلسلات المحدودة التي تسرد قصة مكثفة ومكتملة يمكن إنهاؤها بجلسة أو اثنتين، ونتفليكس تبرع بهذا النوع من المسلسلات، ولم تخيب أملي في أحدث مسلسلاتها وهو The Beast In Me. منذ اللحظة الأولى يقدّم المسلسل أجواءً مشحونة بالتوتر العاطفي والغموض النفسي، مما يربط مباشرة بين قوة أداء النجوم وطبيعة الغموض النفسي، ليجعل المسلسل جذاباً حتى لمن لا يهتم بحبكة الجريمة. لكن ما يميّزه حقاً ليس فقط حبكته أو أجواؤه القاتمة، بل الأداء الاستثنائي لثنائي البطولة: كلير دينز وماثيو رايس. في الحقيقة، وحده هذا الثنائي يكفي ليجعل المسلسل يستحق المشاهدة، حتى لو تجاهلنا كل عناصره الأخرى. فدينز ورايس يقدّمان أداءً يقترب من الكمال ويستحق الجوائز، أداءً متفجراً بالمشاعر المتضاربة والمظلمة. يروي المسلسل قصة الكاتبة الحائزة على الجوائز أغي ويغز (كلير دينز)، التي تعيش وحيدة في منزلها أسيرة الحزن على ابنها الذي توفي قبل بضعة سنوات نتيجة لحادث سيارة. إنها وحيدة وبائسة ومفلسة وعالقة في مكانها، غير قادرة على كتابة كتابها التالي الذي ماطلت لسنوات طويلة لكتابته رغم أنها تلقت عدة دفعات مسبقة ثمناً له من ناشرتها. تعيش في منزل يتداعى وغير قادرة حتى على سداد فواتيرها. لكن كل ذلك يتغير عندما ينتقل إلى حيها الملياردير الشهير نايل جارفيس (ماثيو رايس)، وهو قطب عقاري ثري يحيط به الغموض بسبب ماضيه المظلم وشبهة تورطه في اختفاء زوجته السابقة. بعد عدة لقاءات بينهما لسبب يتعلق برغبة نايل بإنشاء ممر مخصص للجري في الحي، يتشكل نوع من الصداقة الغريبة بينهما. إنها أقرب إلى لعبة قط وفأر، والفضول لمعرفة ما إذا كان حقاً قتل زوجته أم لا. وتنتقل صداقتهما إلى المرحلة التالية عندما يقترح عليها مازحاً كتابة سيرته الذاتية بدلاً من كتابها المعلق. وهنا يمكن القول أن الأحداث الفعلية بالمسلسل تبدأ. من هنا ينطلق المسلسل بوتيرة جيدة خالية من الملل، ويتركنا في تأرجح وحيرة عن الحقيقة، خاصة مع ظهور شخصية الضابط الفيدرالي براين أبوت (ديفيد ليونز) الذي يدق بابها في منتصف الليل، محذراً إياها من نايل، بعدما كان الضابط المسؤول عن قضية اختفاء زوجته السابقة. ويتخلل كل ذلك مشاهد فلاش باك تكشف لنا الأحداث التي أودت بحياة ابنها. لكن كل هذا الغموض الذي هيمن على الأجواء في البداية ينتهي في وقت أبكر من اللازم بعض الشيء، حيث نكتشف حقيقة بعض الشخصيات التي لن أذكرها هنا في الثلث الأخير من الموسم، يكلله الكشف الكامل لكل ما حدث مع نايل وزوجته في الحلقة السابعة وما قبل الأخيرة التي هي بأكملها عبارة عن فلاش باك. وفي حين أن هذه الكشوفات ليست سيئة إطلاقاً، إلا أنها تقلل من التشويق والغموض لمن كان ينتظر بناءً تصاعدياً بالأحداث حتى النهاية. إنها ليست قصة جريمة بالضبط بقدر ما هي قصة إثارة نفسية وتحليل عميق للشخصيات. هناك سلبية صغيرة أخرى تتمثل بأن بعض الشخصيات تتخذ قرارات غير منطقية بين الحين والآخر، خاصة شخصية الضابط براين أبوت، التي من الواضح أنها موجودة فقط لدفع الحبكة للأمام رغم أنها تتعارض مع طابع الشخصية. حيث يقوم بتصرف غير منطقي يؤدي إلى نتيجة حاسمة، رغم أنها في الواقع لا تترك أثراً كبيراً على سير الأحداث بعدها. كما يتضمن المسلسل بعض الأحداث الجانبية خارج الحبكة الرئيسية التي تبدو باهتة بالمقارنة، مثل قصة عضوة الكونغرس أوليفيا بينيتيز (أليسي شانون) التي تحارب عائلة جارفيس علناً في سعيها لتوفير مساكن ذات تكلفة منخفضة للشعب، والتي رغم أهميتها إلا أنني لم أشعر بالاهتمام كثيراً لقصتها مع تركيزي على الأحداث الرئيسية. كما لم أهتم كثيراً لشخصية مارتن والد نايل، والذي يؤديه النجم الرائع جوناثان بانكس، رغم أن حضوره على الشاشة دائماً ما يخطف الأضواء، كنت أتمنى لو حصلنا على المزيد من قصة خلفيته لنشعر بالاهتمام لما يجري معه حقاً. لكن عدا عن ذلك، يقدم المسلسل تجربة رائعة، مع أجواء تعطي شعوراً مستمراً بالقلق الكامن تحت السطح، وأسلوب نفسي أكثر مما هو "بوليسي"، وقصة حول التعامل مع الألم وأسرار الماضي، والاعتراف بحقيقة أن لكل منا وحش يختبئ في داخله بطريقة أو بأخرى. نصل الآن إلى الأداء. يمكن القول أن كلير دينز تقدم أداءً من أفضل ما قدمت خلال مسيرتها المهنية، مع شخصية متعددة الطبقات ومشاعر متغيرة ومتبدلة بسرعة تتكيف مع تسارع الأحداث من حولها، فتتأرجح من السوداوية والحزن الكاسر إلى الخوف والقلق، إلى لحظات خاطفة من الأمل والرضا النفسي. إنها كاتبة عالقة غير قادرة على أداء مهنتها، فقدت شغفها واستسلمت للحزن على موت ابنها، خسرت عائلتها التي كانت يوماً سعيدة وبقيت وحيدة بمفردها. قبل أن تجد شغفها مرة أخرى عندما تلتقي نايل ويبدآن باللقاء سوية بهدف كتابة قصته. وتبرع دينز بأداء كل هذه الأطياف من المشاعر والتي تتقلب أحياناً بلحظات سريعة تترك أثرها على المشاهد. أما ماثيو رايس فهو الوجه الآخر للعملة، والذي ينجح بأن يكون متألقاً على قدر المساواة مع أداء دينز الرائع. حيث يقدم لنا شخصية مركبة ومتقلبة ومقلقة، وربما حتى مخيفة في بعض اللحظات. يظهر رايس على الشاشة كقوة لا يمكن التنبؤ بها، شخص نشعر تارة أنه شخص مختل عقلياً قتل زوجته حقاً، وفي تارة أخرى نشعر بأنه مجرد شخص ثري مغرور تم تحميله بشكل بديهي مسؤولية اختفاء زوجته من دون أي دليل. هذا المزيج يجعل الشخصية متعددة الطبقات، ورايس يبرع تماماً في أداء هذا الدور. كما أن التفاعل بين النجمين على الشاشة رائع للغاية، ويجذب المشاهدين لمعرفة إلى أين سيأخذاننا. أداؤهما يستحق الجوائز مما يضع المسلسل على الخارطة. ولا يقتصر الأداء الرائع على البطلين فقط، حيث تقدم بريتاني سنو أداءً متألقاً بدور نينا زوجة نايل جارفيس، وتقدم لنا شخصية تجعل المشاهد في حالة شك دائم تجاه نواياها. هل تعرف حقيقة ما حدث؟ هل تخفي شيئاً؟ هل هي جزء من الغموض أم ضحية له؟ في الواقع جميع طاقم الممثلين من الدرجة الأولى حقاً مما يجعل المسلسل يستحق المشاهدة بكل تأكيد. في النهاية يمكن القول أنك لو تريد مشاهدة مسلسل جريمة وغموض بأسلوب أغاثا كريستي حيث تتكشف لك الحقيقة الصادمة في اللحظة الأخيرة، فلن تجد ما تريده هنا، لكن لو كنت تريد مشاهدة مسلسل بأجواء غامضة ورائعة مع أحداث مليئة بالإثارة والتوتر وأداء رائع من الممثلين ووتيرة جيدة لا تشعرك بالملل لدرجة يمكنك أن تنهيه في جلسة متواصلة، فأنصحك بتحضير بعض الفشار وإفراغ جدولك ومشاهدة The Beast In Me . إن The Beast In Me مسلسل محدود غني بالغموض والتوتر النفسي، ويستحق المشاهدة بفضل الأداء الاستثنائي لكلير دينز وماثيو رايس وحده، اللذين يقدمان شخصيتان معقدتان ومليئتان بالطبقات النفسية بطريقة تجعل المشاهد يعيش الأحداث معهما بكل شعور. يضيف باقي طاقم الممثلين عمقاً وحيوية للشاشة. رغم بعض القرارات غير المنطقية لبعض الشخصيات الثانوية وانتهاء الغموض مبكراً، إلا أن هذه السلبيات الصغيرة لا تقلل من جودة المسلسل أو متعة متابعته في جلسة واحدة.