عرب وعالم / الامارات / الامارات اليوم

رحلات برية بكلفة تتجاوز أسعار الإقامة في فنادق فاخرة

تشهد رحلات البر في الدولة تحولاً لافتاً، بعدما ابتعدت تدريجياً عن بساطتها المعهودة وروحها الهادئة التي ارتبطت لعقود بثقافة التخييم التقليدي، لتأخذ شكلاً مختلفاً أقرب إلى «فعاليات منظمة» تتصدرها الإضاءات، وعربات القهوة، والبوفيهات، وإحضار «معلم شاورما» و«شيف» إلى قلب الصحراء، بهدف التقاط مشاهد للنشر عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وأكد مرتادون للبر أن «نكهة الصحراء، التي عرفها أهل البادية والحضر، بدأت تتراجع وسط موجة متصاعدة من المظاهر الفارهة والتكلف، ما أفقد الرحلة الكثير من معناها الأصلي القائم على الهدوء والتواصل العائلي».

فيما حذر خبير اقتصادي ومهتم بالتراث الصحراوي من أن هذه المظاهر الجديدة «طمست الهوية الحقيقية للبر، وحولت التجربة من لقاء بسيط حول موقد النار إلى تصوير تستهدف المحتوى الرقمي».

ولاحظ أن بعض الأسر والشباب استبدلوا بجوهر الرحلة الصحراوية، القائم على المشاركة والاسترخاء، خدمات فندقية متنقلة وجلسات فاخرة تتجاوز تكلفتها في أحيان كثيرة أسعار الإقامة في الفنادق والمنتجعات.

وتفصيلاً، أكد حمد البلوشي، صاحب حساب إلكتروني متخصص في تأجير الجلسات البرية، أن الطلب على تجهيزات رحلات البر يشهد ارتفاعاً كبيراً مع بداية فصل الشتاء، مشيراً إلى أن «خدمة تأجير الجلسة مع تجهيزها تبدأ من 900 درهم، وتصل إلى 5000 درهم تبعاً لحجم الخيمة وعدد القطع المطلوبة وطبيعة الديكور الذي يرغب فيه الزبون».

وأوضح أن «كثيراً من الأسر والشباب ينقلون مناسباتهم الاجتماعية إلى الصحراء، كأعياد الميلاد وحفلات التخرج. وتقام العزائم في البر بصورة متزايدة، فالأجواء الشتوية المشجعة واتساع المساحات جعلا المكان خياراً مثالياً للتجمعات».

وذكر أن «جزءاً كبيراً من الطلب اليوم لا يرتبط بالجلسة نفسها بقدر ما يرتبط بالتنسيق البصري»، موضحاً أن «معظم الزبائن يحرصون على أن تكون الجلسة مناسبة للتصوير، ويطلبون إضاءات إضافية، وزينة خاصة، وخلفيات مهيأة لالتقاط صور احترافية تنشر لاحقاً على منصات التواصل الاجتماعي».

وبيّن البلوشي أن «هذا التغيّر في طبيعة الطلب يعكس تحولاً واضحاً في سلوك مرتادي البر، إذ أصبحت جاذبية الصورة عنصراً محورياً في تفاصيل الرحلة، فلم تعد الرحلات تقتصر على الجلوس في الصحراء، بل تحولت إلى تجهيزات متكاملة تنقل إليها أثاثات وديكورات أشبه بما يوجد في المنازل، وهو ما يعكس تبدّل الثقافة المرتبطة بالرحلات البرّية لدى كثير من الأفراد».

ويرى المواطن سعيد المهيري أن «التغيير الأكثر وضوحاً في الرحلات البرية اليوم يتمثل في فقدان الغاية الأساسية للرحلة».

وقال إن «الخروج إلى البرية كان في الماضي مساحة للهدوء والتواصل العائلي، أما اليوم فأصبح نشاطاً مختلفاً تماماً»، مشيراً إلى أن الإعداد المسبق والترتيبات المعقدة أبعدت الرحلة عن بساطتها التقليدية.

وركز المواطن عبدالرحمن محمد النقبي على الجانب الاقتصادي للظاهرة، مشيراً إلى أن «التكاليف ارتفعت إلى مستويات لا تنسجم مع مفهوم التخييم التقليدي، إذ تبلغ قيمة بعض الجلسات آلاف الدراهم في ليلة واحدة، وتتضمن الاستعانة بـ(معلم شاورما)، الأمر الذي يصل بالرحلة إلى مرحلة لا تتوافق مع طبيعتها الأصلية».

وأفادت المواطنة سلامة عبيد بأن التغيير مسّ أيضاً علاقة الأطفال بالرحلة، مشيرة إلى أن الأجيال السابقة كانت ترى في البر فرصة للعب والركض واستكشاف الطبيعة، بينما أصبح الأطفال اليوم منشغلين بالهواتف وتصوير التفاصيل، ما قلل برأيها من الطابع التربوي والترفيهي الحقيقي للرحلة.

فيما ترى جمانة الحمادي أن المظاهر الحالية في الرحلات البرية، على الرغم من كثرتها، أصبحت جزءاً من ثقافة الرحلات لدى الجيل الجديد، مؤكدة أن كثيراً من الأسر والشباب يحرصون على البصري والإضاءة المناسبة لأنهما يمنحان الرحلة طابعاً عصرياً، وأن منصات التواصل أسهمت في ترسيخ هذا النمط بوصفه أسلوباً جديداً للتعبير عن الاستمتاع بالرحلة.

وأضافت أن هذا التوجه يعكس تغيراً في مفهوم المتعة لدى بعض الفئات، معتبرة أن انسجام البعض مع هذه المظاهر لا ينفي ضرورة الحفاظ على واحترام قوانين البر مهما تغيرت الأذواق.

وذكر خبير تجارة التجزئة ورئيس شركة البحر للاستشارات الاقتصادية، إبراهيم عبدالله البحر، أن التغيير الحاصل في الرحلات البرية «خرج عن إطار المتعة الحقيقية للبر».

وقال: «البر في الأساس يعني البساطة والعودة للحياة البدائية التي نرتاح فيها ونبتعد عن ضغوط الحياة. لكن كثيرين حولوها إلى حفلات وبوفيهات من دون مناسبة، وصرف أموال في أمور لا تمت للثقافة الصحراوية بصلة».

وأضاف أن كثيراً من مظاهر الترف الحالية «ليست تمدناً بل سلوكيات استهلاكية غير مبررة»، مشيراً إلى أن بعض الجلسات تؤجر بـ500 درهم للساعتين، مقابل مفروشات بسيطة يمكن شراؤها كاملة بـ800 درهم فقط، فيما تصل كلفة الخيم إلى 1800 درهم، إضافة إلى مركبات تقديم العصائر وخدمات «القهوة والماتشا» التي أصبحت جزءاً إلزامياً من المشهد.

وأوضح البحر أن البعض يحضر «شيف» و«معلم شاورما» بكلفة لا تقل عن 4000 درهم، مع تجهيزات مهنية وأسطح طهي متنقلة، إلى جانب كرافانات للمبيت تؤجّر بنحو 3000 درهم في الليلة.

وذكر أن الرحلة لم تعد برية، بل أصبحت حفلة مصغرة مكلفة بلا مناسبة، لأن الجوهر الحقيقي للبر هو التعايش مع الطبيعة، وليس محاكاتها عبر أدوات فارهة وديكورات لأجل الصور فقط.

ودعا الأسر والشباب للعودة إلى حقيقة الرحلة الصحراوية، والاستفادة من قيمها التربوية والاجتماعية، مثل الاعتماد على النفس، والمشاركة في إعداد الطعام، والبقاء على مقربة من التجربة الطبيعية بعيداً عن التكلف والإنفاق غير الضروري، لافتاً إلى أنه أجمل ما في الرحلات البرية هي البساطة، وأن مظاهر الرفاهية الزائدة لا تزيد المتعة بل تنقص من روح المكان.

إلى ذلك قال، الخبير في التراث، بطي بن سالم المظلوم، إن «الصحراء لم تكن كما نراها اليوم، فقد كانت الأمطار في الماضي لا تنقطع مع دخول الشتاء في أواسط نوفمبر تقريباً، وتهطل بغزارة لأسبوع أو أسبوعين وقد تمتد لشهر كامل، ثم تعود بعد فترة قصيرة، حتى إن الأمطار الخفيفة كانت تستمر حتى في فصل الصيف. وهذا المناخ كان ينعش الأرض، ويجعل البر مكتسياً بالنباتات المتنوعة التي يقصدها أهل البادية والحضر والزوار من مختلف »، مشيراً إلى أن «مناطق مثل مقرن وجابر والحمرانية كانت تشهد تجمعات عائلية كبيرة ومخيمات تمتد لأسابيع».

وأوضح المظلوم أن الرحلة البرية «كانت تخطط بعد سقوط بمدة تراوح بين 20 يوماً وشهر، حتى يزهر البر وتظهر النباتات البرية المختلفة»، لافتاً إلى أن «فطر العرايين كان من أشهر النباتات الموسمية، ويعد أكلة مفضلة لدى أهل البادية والحضر».

وتابع أن «الأسر كانت تعيش على البساطة، لكن رحلاتهم كانت جميلة ومليئة بالنكهة الإماراتية، التي تتضمن دلة القهوة العربية، والتمر، والشاي، والحليب الطازج، وطبخ العيش واللحم، على بساطة الأدوات، وما كان هناك هذا الصخب، وتزيين الجلسات التي تتضمن الشموع والخيم الفاخرة».

وأكد أن التغير الكبير بدأ مع انتشار منصات التواصل الاجتماعي التي حولت الرحلة البرية إلى مظهر، لا إلى متعة، إذ أصبح التركيز على شكل الجلسة في الصورة، وليس على لذة البر التي عرفناها سابقاً.

وأشار إلى أن الرحلات البرية لها نظام يعرفه أهل البادية، فمن غير المسموح العبث في البيئة أو تخريب العشب، لأنه رزق للمواشي، محذراً من انتشار السلوكيات التي تتلف الغطاء النباتي، وتؤثر في البيئة الصحراوية بشكل مباشر.

وأضاف المظلوم: «يفتقر بعض الأفراد إلى الوعي الكافي بثقافة التعايش مع الطبيعة، على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة في وضع القوانين والتنظيمات اللازمة، فالرحلات البرية لابد أن تقوم على إعداد الطعام البسيط، وذبح الذبائح، واجتماع الأهل والأصدقاء حول الطبيعة، دون الإضرار بالبيئة أو العبث بمكوناتها، إذ إن الحفاظ على النظم البيئية واحترام القوانين يضمنان بقاء الصحراء ملاذاً للجميع».

وأمل من المبالغين في مظاهر الترف أن يخففوا منها، ومن المسؤولين تطوير أنظمة إضافية لحماية البر، ليبقى كما عرفناه مكاناً نقياً وجميلاً.

حمد البلوشي:

• خدمة تأجير الجلسة تصل إلى 5000 درهم، تبعاً لحجم الخيمة، وطبيعة الديكور الذي يحدده الزبون.

سعيد المهيري:

• التغيير الأكثر وضوحاً في الرحلات البرية اليوم، يتمثل في فقدان الهدف الأساسي للرحلة وهو التواصل العائلي.

جمانة الحمادي:

• أُسر وشباب يحرصون على التنسيق البصري والإضاءة المناسبة، لأنهما يمنحان الرحلة طابعاً عصرياً.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا