في شوارع مدينة دورال بولاية فلوريدا الأميركية، حيث يعيش الكثير من الفنزويليين الهاربين من بلادهم، يتعايش موقفان: أولئك الذين لايزالون يدافعون عن المسار الدبلوماسي، وأولئك الذين يعتقدون أنه بعد أكثر من 15 عاماً من الأزمة بين فنزويلا والولايات المتحدة، فإن هذا المسار قد استُنفد.
من بين أولئك الذين يدعون إلى تغيير جذري في كاراكاس، الصحافية الشهيرة غابي بيروزو، التي تعيش في المنفى منذ أكثر من 10 سنوات، حيث تحدثت من دون تردد، وكأنها لم تعد تهتم بتلطيف كلماتها.
وقالت بشأن عملية عسكرية أميركية محتملة في فنزويلا: «أعتقد أن ذلك ضروري للغاية»، مضيفة: «أولئك الذين يفهمون طبيعة ذلك النظام يعرفون أن هذه هي الطريقة الوحيدة لاستعادة الديمقراطية».
وترفض بيروزو، البالغة من العمر 49 عاماً، فكرة الاحتلال الأميركي المطول لبلدها، وتفضّل مصطلح «التدخل الجراحي»، وهو شيء سريع ودقيق وحاسم، على حد وصفها.
وتقول: «لا أحد يريد تدخلاً عسكرياً، لكن الفنزويليين فعلوا كل ما في وسعهم».
ووفقاً لبيروزو، فإن هذا ليس عملاً من أعمال الهيمنة الأجنبية، بل عمل ضروري، معتبرة أنه «كلما استحكمت حكومات مثل حكومة فنزويلا، زاد الخطر على المكسيك وكولومبيا والولايات المتحدة، من بين دول أخرى».
وتضيف بيروزو أن عائلتها في فنزويلا تشعر بالشيء نفسه «أمي وأختي وأبناء أخي جميعهم هناك، وهم قلقون، لكنهم يقولون: (إذا حدث لنا شيء فلا يهم، علينا أن نفعل ذلك من أجل الشباب)».
فرصة أخيرة
على الطرف الآخر من النقاش، يقف فرانسيسكو بوليو، وهو رجل أعمال يبلغ من العمر 35 عاماً، لايزال يأمل في فرصة أخيرة للحوار، مدركاً للعواقب الوخيمة التي قد تجلبها الحرب.
ويقول بوليو: «أفضل خيار أن يعترف نيكولاس مادورو (الرئيس الفنزويلي) بنتائج انتخابات 28 يوليو 2024، التي خسرها بشكل ساحق، ويتنحى عن منصبه، سيكون هذا هو السيناريو المثالي».
لكن رجل الأعمال الشاب يعترف بأن هذه الفكرة صعبة التنفيذ، فـ«مادورو ليس مجرد رئيس، إنه المتحدث باسم مجموعة كبيرة، حيث لكل زعيم نصيبه من السلطة، وهناك أيضاً مصالح دولية في اللعبة».
ويستبعد بوليو حدوث حرب مثل حرب العراق أو أفغانستان، وما يراه ممكناً ومحتملاً هو عمليات عسكرية محددة الأهداف «بما هو موجود بالفعل من قوات في منطقة البحر الكاريبي»، ويؤكد أنه «يمكن ممارسة الضغط من دون الحاجة إلى تدخل مباشر».
مجموعة مترددة
بين المنفيين في فلوريدا أيضاً مجموعة مترددة، وهي على ما يبدو أكبر مما تبدو عليه، ولا يريدون حرباً، لكنهم لا يرون مخرجاً للأزمة أيضاً.
وأحدهم، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأن له عائلة في كاراكاس، يعبّر عن ذلك بهذه الطريقة، قائلاً: «إذا سألتني عما إذا كنت أريد حرباً أو غزواً، فسأقول لا، لكن بعد استنفاد جميع السبل (الحوار والانتخابات) لم تعد هناك خيارات أخرى».
وشارك هذا الفنزويلي في الاحتجاجات، وصوّت وتظاهر، وحتى نزل إلى الشوارع كلما دُعي إلى ذلك، وعن ذلك يقول بقلق: «لم يحدث شيء أبداً، لا يوجد إطار مؤسسي، كل شيء خاضع للرقابة».
مجتمع دورال في فلوريدا جزء من هذا التشخيص، لكنه يضيف فارقاً بسيطاً، ووفقاً لأحد الفنزويليين المنفيين، فإن «الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ليس قائد حرب، إنه ليس كذلك، فهو لا يحب الأسلحة أو القنابل»، مضيفاً: «لكنه لا يتعامل في الوقت نفسه مع دبلوماسيين أيضاً».
ومع ذلك، على الرغم من أنها تقر بأن السيناريو غير مؤكد، إلا أن الفنزويلية سابرينا غونزاليز، واثقة بأن الضغط الاقتصادي والعسكري «سيكون له تأثير في النهاية»، لأنه «عندما لا يتمكنون من نقل المخدرات، كما فعلوا لأكثر من 20 عاماً، فإن هذا الضغط سيؤتي ثماره».
تتعايش الأسئلة حول التدخل العسكري حتماً مع المشاعر التي تثيرها سياسة الولايات المتحدة في هذا المجتمع، وبالنسبة للعديد من المنفيين، لا تُناقش الأزمة الفنزويلية من منظور منطقة البحر الكاريبي فحسب، بل من منظور واشنطن أيضاً، وهنا تبرز شخصية رئيسة وهي دونالد ترامب.
خيبة أمل
في الآونة الأخيرة، كانت الجالية الفنزويلية المنفية في فلوريدا مؤيدة للحزب الجمهوري، وفي عام 2020، حظي ترامب بدعم واسع النطاق بين الفنزويليين في جنوب فلوريدا، الذين انجذب معظمهم إلى خطابه القاسي ضد مادورو، ووعده بأن «جميع الخيارات مطروحة على الطاولة».
في عام 2024، تجلى هذا الدعم مرة أخرى، في مدن مثل دورال وويستون، التي تضم أيضاً عدداً كبيراً من السكان من أصل فنزويلي، وأدى تصويت الفنزويليين إلى ترجيح كفة الرئيس الأميركي بشكل كبير.
لكن قراره بإلغاء الوضع المؤقت للحماية لأكثر من نصف مليون فنزويلي تسبب في انقسام واضح، وفي دورال يصف الكثيرون هذا الإجراء بـ«خيبة الأمل» وحتى بـ«الخيانة»، وهو عقاب لا يمكن تفسيره لأولئك الذين فروا من البلد الذي تصنفه واشنطن الآن على أنه تهديد.
وكما يقول رجل الأعمال فرانسيسكو بوليو، التي يعيش في فلوريدا منذ عام 2016: «إلغاء الوضع المؤقت للحماية لمواطنين من بلد قمت للتو بتصنيفه كمنظمة إرهابية، لا معنى له».
على الرغم من السخط الواسع النطاق في مدينة دورال، حتى بين أولئك الذين ينتقدون إجراءات الهجرة التي يروج لها البيت الأبيض، لاتزال الفكرة سائدة بأن كل شيء يمكن أن يتغير إذا حقق ترامب تحولاً سياسياً حقيقيا في كراكاس.
ويوضح بوليو: «إذا أحدث ترامب تغييراً في فنزويلا، فسيمحو ذلك أي جروح تسبب فيها بسياساته»، بينما يقتنع أحد مواطني فنزويلا الآخرين بأن «على الرغم من أن هذه التغييرات (المتعلقة بالهجرة) قد أضرت بنا، فإننا سنكون بالطبع ممتنين إذا حررت البلاد». عن «إل باييس»
حالة ترقب
المجتمع الفنزويلي في المنفى، الذي اعتاد الاحتجاج والتظاهر والمطالبة بالتغيير، يعيش الآن في حالة ترقب متوترة، يراقب التحركات في منطقة البحر الكاريبي، ويختار كلماته بعناية، ويحسب التوقيت، وينتظر المنفيون نتيجة قد تغير كل شيء بفضل إجراءات حكومة الولايات المتحدة التي يسمونها الآن «وطنهم».
في غضون ذلك، يستمر المنفيون الفنزويليون في التعبير عن آرائهم بالهمس في المقاهي والمطاعم، وخلال المكالمات الهاتفية، والرسائل التي يحذفها الكثيرون لاحقاً، ولا أحد يعرف ما سيحدث، لكن الجميع يتفقون على شيء واحد: «فليحدث ما سيحدث، لكن فليكن سريعاً».
. قرار ترامب إلغاء الوضع المؤقت للحماية لأكثر من نصف مليون فنزويلي، تسبب في انقسام واضح.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
