في تطور قانوني غير مسبوق، تواجه شركة مايكروسوفت اتهامات خطِرة بانتهاك قوانين حماية البيانات الأوروبية، على خلفية مزاعم بانخراطها في إزالة أدلة تتعلّق بعمليات مراقبة واسعة نفّذتها إسرائيل بحق الفلسطينيين باستخدام مراكز بيانات داخل أوروبا. ودعت مجموعة حقوقية عبر شكوى قدمتها إلى هيئة حماية البيانات في أيرلندا إلى فتح تحقيق عاجل في كيفية معالجة مايكروسوفت بيانات عسكرية وحكومية إسرائيلية، ووقف هذه الممارسات في حال ثبوت عدم قانونيتها. وتُعد أيرلندا المقر الأوروبي الرئيسي لمايكروسوفت، وتتولى السلطات المحلية هناك تطبيق اللائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات (GDPR). وتأتي هذه التطورات وسط تصاعد الانتقادات والاتهامات الموجّهة لعلاقة مايكروسوفت بوزارة الدفاع الإسرائيلية، منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، وهي انتقادات صدرت عن موظفين داخل الشركة وخارجها، إلى جانب منظمات حقوقية خارجية. وفي رد رسمي نقلته وكالة بلومبرغ، قالت مايكروسوفت إن “العملاء يملكون بياناتهم، وأن قرار نقل البيانات الذي اُتخذ في أغسطس الماضي كان خيارًا يعود إليهم”، مؤكدة أن هذه الخطوات “لم تعرقل التحقيق الداخلي” الذي أجرته. وأضافت أن التحقيق أدى لاحقًا إلى قرار بوقف بعض الخدمات للجيش الإسرائيلي في سبتمبر، قبل أن تنقل إسرائيل بياناتها إلى جهة أخرى. وأوضحت الشركة أن تحقيقاتها اعتمدت على سجلات أعمال وشهادات موظفين تعاملوا مباشرة مع الجهات الإسرائيلية. ومن جانبها، رفضت لجنة حماية البيانات الأيرلندية التعليق على الشكوى حتى الآن. وكانت تقارير صحفية – نشرتها صحيفة “الغارديان” البريطانية بالتعاون مع وسائل إعلام إسرائيلية في أغسطس الماضي – قد كشفت أن خوادم مايكروسوفت استُخدمت لتخزين ملايين المكالمات الهاتفية للفلسطينيين، واُستُخدمت لاحقًا في اختيار أهداف القصف في غزة. وأظهرت وثائق مسربة أن معظم هذه البيانات كان مخزنًا في هولندا، في حين خُزّن جزء أصغر منها في أيرلندا. وبحسب وثائق اطلعت عليها وكالة بلومبرغ، فقد طلبت جهات مرتبطة بالجيش الإسرائيلي، في اليوم التالي لنشر التقرير، رفع حدود نقل البيانات لثلاثة حسابات على منصة “آزور” السحابية التابعة لمايكروسوفت، وهو ما وافق عليه فريق الدعم، قبل أن ينخفض حجم البيانات المُخزنة فيها بنحو حاد، وهو ما يشير إلى عملية نقل بيانات متعمدة وعاجلة. وقدّم الشكوى “المجلس الأيرلندي للحريات المدنية” بدعم من منظمة Ekō الحقوقية، استنادًا إلى معلومات من موظفين داخل مايكروسوفت. وعدت الشكوى أن نقل هذه البيانات أضعف قدرة أيرلندا على مراقبة بيانات تُصنّف على أنها “حساسة” بموجب اللائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات GDPR، التي تُعد من أكثر قوانين الخصوصية صرامةً في العالم. وفي أغسطس الماضي، أعلنت مايكروسوفت فتح تحقيق داخلي استنادًا إلى تقارير “الغارديان”، قبل أن تتعهد في سبتمبر بتعطيل بعض خدماتها للجيش الإسرائيلي. ورغم ذلك، تشير الشكوى إلى أن مراكز بيانات مايكروسوفت في الاتحاد الأوروبي ما زالت تستضيف تطبيقات تُستخدم لمراقبة الفلسطينيين، منها تطبيق أطلقته الحكومة الإسرائيلية خلال جائحة كورونا لاستخدامه في تصاريح العمل والسفر. وتقول منظمات حقوقية إن التطبيق يُستخدم لتتبع هواتف المستخدمين، ويُشكّل جزءًا من منظومة أوسع لمراقبة الفلسطينيين والتحكم في حركتهم. وأكدت الشكوى أن “خوادم مايكروسوفت تُشكّل جزءًا من سلسلة تسهم في انتهاكات مستمرة للقانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني وحقوق الإنسان بحق ملايين الفلسطينيين”. وبين نفي الشركة وتصعيد المنظمات الحقوقية وتحفّظ الجهات الرقابية، يبقى مصير هذه القضية مفتوحًا على عدة سيناريوهات، قد لا يقتصر تأثيرها في مايكروسوفت وحدها، بل قد يمتد ليطال عمل الشركات التقنية الكبرى داخل أوروبا، وحدود دورها الخفي في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة. نسخ الرابط تم نسخ الرابط