على وجع الغربة وترك الأوطان، اتكأ عرض «رماد»، فأتى محملاً بالحنين والألم اللذين يعيشهما من يجبر على السفر فيتشبث بالذاكرة، تماماً كما يتشبث الرماد بما تبقى من نار، جمع العرض الذي قُدم سادس أيام مهرجان دبي لمسرح الشباب، الذي ينظم تحت مظلة مهرجان الفنون الأدائية الشبابية في دبي، وأنتجته «آرت مايز»، بين النص ومسرح الجسد القائم على الرقص التعبيري، فنطق بلغة جسدية تتجاوز حدود اللغة، وتقدم رحلة تجمع الحركة، وهشاشة الإنسان والذاكرة، وما نتركه خلفنا. المسرح فارغ تماماً من جميع أنواع الديكورات، تدخله فتاة تحمل حقيبتها وتقف في الوسط، معلنة قرار الرحيل، وتبدأ بعدها بإخراج مكنونات الوجع الذي تحمله بداخلها، فتنكشف في خطابها طبقات عاطفية تحول هذا الرحيل إلى مسرح كامل من الأسئلة، الجسد والرقص التعبيري هو المحرك الأساسي للعرض، ويدعم هذه الحركات الإضاءة التي تغمر المسرح، فيما يأتي النص القائم على البوح أكثر من الحوار، داعماً للأجساد التي تنطق بكل أشكال الألم والانكسار. لغة تروي، وجسد يصرخ، ويمتلئ المسرح بمشاعر الفتاة التي تحمل معها حقيبة معبأة بماضٍ وصور وذكريات لا تنطفئ، لنجدها في المشاهد التالية، تتواجه مع شابين، الأول يجسد الماضي الذي تحاول الفرار منه، والثاني يجسد المستقبل الذي يناديها، عمد الشاب الذي يجسد الماضي إلى نقل مشاعر صارمة، فهو الشاب الذي يقف خلفها، قريباً منها إلى حد الاختناق، يمد يده كلما حاولت التقدم، أداؤه يحمل صرامة الذكريات التي تفضح هشاشتنا مهما حاولنا الهرب، أما المستقبل فتجسد في لغة تعبيرية تظهره كأنه ظل طويل، يبحث عن الاعتراف، أو مساحة معلقة، أو احتمال غير مكتمل، وحمل في أدائه حالة الارتباك التي تعيشها الفتاة، ونجح الثلاثي على المسرح (مرام إسماعيل، باسل عنيد، بشار عزام) في تحويل الصراع النفسي إلى صراع حي على الخشبة، يتجسد بموضع الأجساد، بالمسافات والضوء الذي يتكسر على كل شخصية، في مشاهد مشحونة بالمشاعر. قد لا يكون الرحيل هو المحرك الأساسي للعمل، على الرغم من الحقيبة التي عنونت العرض منذ البدء، لكنه الحنين نفسه الذي يعوق مفهوم الرحيل، حتى وإن لم يكن الماضي جميلاً، ونجح العرض في الابتعاد عن النظرة الميلودرامية، لتقديم وجع واقعي من دون مبالغة، وجع الباحث عن أمل وسط كومة من الذكريات المعلقة أمامه وتعيق تقدمه. الرقص التعبيري كان المحرك الأساسي للعرض، فهو اللغة التي لا تتطلب الترجمة، وجسّد من خلالها الممثلون على المسرح كل معاني الاختناق والانكسار والحنين، ومحاولات التحرر عبر حركات أدائية متكررة، تجعل الجمهور على تماس مباشر مع الجسد، والرقصات ترجمت محاولات الفتاة في التحرر من يدي الماضي، وتلبية نداء المستقبل والاعتراف به، ودخولها في مرحلة من التيه، عاجزة عن الرحيل أو الاقتراب. العرض على الرغم من بساطة الأدوات التي اتكأ عليها، إلا أنه يبحث في هشاشة الإنسان حين يُقتلع من جذوره، دون أن يسقط في خطاب الشفقة أو استعراض الألم، إذ بدا كما لو أنه لوحة مسرحية متكاملة، هذه المشاعر كلها تتكثف في المشهد الراقص الأخير، الذي يبدأ بإيماءات جسدية، لينتقل إلى الدبكة بكل ما تحمله من رمزية الارتباط بالوطن، فينتهي العرض كما بدأ، تحمل الفتاة حقيبتها، لتبقى معلقة في رمادها، ولكنها تبني حالة سلام مع الماضي والمستقبل. وعن هذا العمل تحدثت المؤلفة والمخرجة شيرين الشوفي، لـ«الإمارات اليوم»، وقالت: «حاولت تقديم مفهوم الغربة حينما نجبر على ترك الوطن، ونبقى معلقين بالذكريات والعائلة، فهو يحاكي تجربتنا في سورية، وكل ما عانيناه، لاسيما أنه على الرغم من دخولنا واقعاً جديداً، نبقى محملين بهذا الصراع الداخلي والحنين»، وأضافت: «اعتمدت على الحركة، لأنني أرى الرقص ليس مجرد وسيلة جمالية، بل يمكنه أن يحمل كثيراً من المفردات، فالجسد وعبر الإيماءات يقدم لغة يمكن للجميع فهمها»، أما الاستغناء عن مكبرات الصوت التي أثرت سلباً في وصول الصوت للجمهور في محطات عدة من العرض، فلفتت الشوفي إلى أنها كانت بسبب الحركة القوية للممثلين، وعدم وجود تقنيات تتيح استخدامها دون أن تثبت عند الممثل، موضحة أن العرض اعتمد على الرقص أكثر من النص، ويمكن التقاطه من دون لغة. من جهتها، لفتت الممثلة مرام إسماعيل، إلى أن الدور الذي قدمته يلامس كثيراً من الأشخاص، لاسيما أنه يجسد الصراع الذي يعيشه الإنسان في الغربة، في محاولة لعدم رفض المستقبل دون ترك الماضي، ونوهت بأن التحديات في العمل المسرحي دائماً ما تكون موجودة، وتتيح للممثل التحدي وتقديم الأفضل، مثنية على المهرجان وما يحمله من دعم للشباب. صياد اللؤلؤ قدّم طلاب أكاديمية الفنون الأدائية عرض «غواص اللؤلؤ»، في اليوم السادس من مهرجان دبي لمسرح الشباب، وهو مأخوذ عن الكتاب الذي يحمل العنوان نفسه، للكاتبة جوليا جونسون، الذي تتبع فيه الكاتبة رحلة سعيد في الغوص، التي تواجه الكثير من المحطات الصعبة، ومنها الأمواج والقرش، ويغوص العرض في عمق مهنة صيد اللؤلؤ وفي البحار، ليقدم أبرز جوانب هذه المهنة التي اعتمد عليها الآباء، وقالت جونسون لـ«الإمارات اليوم»: «كتبت هذا الكتاب منذ 23 سنة، وذلك لأنني لم أجد رواية تقدم للأطفال حول الغوص وصيد اللؤلؤ، وإنها المرة الأولى التي يتم فيها تحويل الكتاب إلى عرض مسرحي، وقد سعدت برؤية العرض بهذا الشكل وبهذه الرؤية الإخراجية الجميلة». تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App