الذكاء الاصطناعي، مصطلح بات شريكاً أساسياً في كل المجالات، ومساراً يسلكه مئات الملايين يومياً لبلوغ مقاصدهم على اختلافها وتنوعها وتدرج صعوبتها، وحقلاً تستثمر فيه الحكومات لتنمية القطاعات الحيوية وتسريع معدلات الإنجاز والارتقاء بالأداء الحكومي.
وفي دولة تتكامل فيها الاستراتيجيات والرؤى الوطنية يعيد الذكاء الاصطناعي رسم خريطة مستقبل الرعاية الصحية مدفوعاً باستثمارات ضخمة وبيئات عمل مبتكرة وأهداف واضحة وضعتها دولة الإمارات، لتكون حكومتها هي الأولى في العالم في استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية، لاسيما الصحي الذي يشهد تحولاً نوعياً بفعل التطورات المتسارعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعيد صياغة مستقبل الرعاية الصحية.
ومع التطور المؤسسي في توظيف الذكاء الاصطناعي وتطويع تقنياته لتحسين تجربة المرضى، يحذر الخبراء من استخدام غير مسؤول من المرضى للتقنيات الأقل تعقيداً لاسيما «شات جي بي تي»، الذي بات يلجأ إليه الكثير – في أوقات متعددة - قبل استشارة الأطباء الذين يشددون على خطورة الاستخدام غير المأمونة عواقبه. مشيرين إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي لا بدّ من استخدامها من قبل الخبراء فقط.
توضح الأرقام توسعاً هائلاً في اعتماد الأطباء على أدوات الذكاء الاصطناعي، إذ أظهرت دراسة حديثة صادرة عن الجمعية الطبية الأمريكية «AMA» أن نحو 66% من أطباء الولايات المتحدة باتوا يستخدمونه في ممارساتهم اليومية، مثل إعداد الملاحظات الطبية وخطط الرعاية والمساعدة في التشخيص، بنسبة زيادة بلغت 78% مقارنة بعام 2023.
«الخليج»، تفتح ملف «كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في مستقبل الرعاية الصحية»، وتحاور جميع الأطراف بدءاً من المرضى الذين يستخدمون «شات جي بي تي» لمناقشة أعراضهم المرضية، إلى المؤسسات الوطنية أصحاب التجارب الثرية في استخدام تقنياته في عالم الطب، مروراً بالأطباء الذين يحاولون المواءمة بين دقة التقنية وحدود الخبرة البشرية.
بداية الألم لم تكن مقلقة، وخزة في الوجه، أو تحت الضرس، ربما تحتاج إلى «كِمادَة دافئة» أو كوب ماء فاتر، فقط لكن حين تكررت، وعجزت النصائح التقليدية عن الحل، لم يكن الطبيب هو الوجهة الأولى، بل شاشة ا لهاتف، وسؤال مباشر ل«شات جي بي تي»: ما الذي يحدث؟
في عالم تغيرت فيه عادات التداوي، يلجأ الكثير إلى أدوات الذكاء الاصطناعي، إما لتفسير عرضٍ غامض، وإما للبحث عن علاج سريع دون كلفة يقترحه «شات جي بي تي» الذي لا يطلب موعداً مسبقاً، ولا يكتب وصفة طبية، لكنه يعطي إجابات تبدو في أحيان كثيرة مُقنعة، بل مُطمئنة، ويراها آخرون «إنقاذاً وقتياً» من دوامة القلق والكلف، وغيرهم يتجاوزون بها مرحلة التطمين إلى الاعتماد الكامل، في حالات يرونها «سهلة» أو «مفهومة ومتكررة».
وبينما يُدافع مستخدمون عن خيارهم بأنه «فهم أولي» يمهد لزيارة الطبيب، يصر أطباء على أن ذلك «تسلل غير مأمون العواقب»، لأن كثيراً من الأعراض تتشابه، ولا تحسمها إلا العين الخبيرة وسماعة الطبيب.
يقول مطر الحوسني: إن أدوات الذكاء الاصطناعي، وخاصة «شات جي بي تي»، لا يمكن أن تكون بديلاً عن دور الطبيب أو الفحوص الطبية الدقيقة، لكنها إضافة نوعية تعزز فعالية العلاج الذي حدده طبيب متخصّص أمضى سنوات طويلة في دراسة وممارسة الطب. موضحاً أن هذه الأدوات قد تكون مفيدة في اقتراح سلوكات صحية داعمة لعملية العلاج، أو في تبسيط المفاهيم الطبية المعقدة وربطها بحياة المريض اليومية، ما يسهم في رفع مستوى الوعي وتحسين الامتثال للخطة العلاجية. ويضيف أنه يلجأ أحياناً إلى «شات جي بي تي» لمحاولة فهم ما يكمن خلف الأعراض التي يشعر بها، قبل زيارة الطبيب، وهو ما يساعده على طرح أسئلة أكثر دقة أثناء الاستشارة الطبية. مشيراً إلى أن الأداة نفسها تقترح أحياناً التخصص الطبي المناسب للحالة، ما يجنبه اللجوء إلى الفحوص العامة أو زيارة الطوارئ من دون حاجة ملحة، ويختصر عليه الوقت والجهد في الوصول إلى الرعاية المناسبة.
واتفق عبد الرحمن إمام، مع مطر، على الدور الفعال والمساعد «لشات جي بي تي» في تفسير الأعراض المرضية الخفيفة، بل تقديم وصفات يمكن صرفها من دون الحاجة إلى وصفة طبية رسمية، أو اقتراح أنماط تغذية مناسبة أثناء حالات الإعياء. مؤكداً أنه يستخدمه للحصول على فكرة مبدئية فقط، لكن في حال استمرار الأعراض أو غرابتها يتوجه لاستشارة الطبيب. مدركاً أنه قد يقدم أحياناً إجابات عامة أو غير دقيقة، ما يجعل الاعتماد الكلي عليه أمراً خطراً، لذلك يعتقد بضرورة التوعية بحدود استخدامه، أو أنه لا يمكن أن يكون بديلاً عن الخبرة الطبية.
بديل غير مكلف
وفي المقابل، يذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، فيعتمدون على الذكاء الاصطناعي ويؤجلون زيارة الطبيب إلى حين استنفاد الخيارات الأخرى، ومنهم أسامة هارون، الذي يضع علاجات «شات جي بي تي» في المرتبة الأولى للعلاج قبل زيارة الطبيب التي يراها مكلفة في كثير من الأحيان. مشيراً إلى أن الأمر أثبت فعاليته معه أكثر من مرة.
ويوضح أنه شعر ذات مرة بوخز متكرر في الوجه، ولم يستطع تحديد سببه، وعندما سأل «شات جي بي تي» رجح أن يكون التهاباً خفيفاً في أحد الأعصاب، ونصح باستخدام كمادات دافئة وبعض المسكنات، وهو ما أثبت فعاليته واختفى الألم خلال ساعات. وفي مرة أخرى، استيقظ على ألم مزعج وغير معتاد في أحد أضراسه، ولجأ إلى الأداة نفسها وشرح لها الأعراض تفصيلاً، فأشارت إلى أن ما يعانيه قد يكون ناتجاً عن تهيج لثوي خفيف، ونصح باستخدام غسول فم مطهر وتجنب الأطعمة الباردة لبضعة أيام، وبعد اتباع التعليمات، لاحظ تحسناً واضحاً.
ويضيف هارون أنه بطبيعة الحال، إذ استمر الألم كان سيتوجه للطبيب، لكن في هذه الحالات ساعده الذكاء الاصطناعي وقدم إجابات وافية، جنبته زيارة طبية ربما لم تكن ضرورية ومكلفة.
قلق متزايد
وعلى الرغم من توسع الكثير في استخدام «شات جي بي تي»، فإن هذا التوجه لا يحظى بتأييد داخل الأوساط الطبية، إذ يعبر عدد من الأطباء عن قلقهم تجاه الاعتماد المتزايد على هذه التطبيقات في تفسير الأعراض وتقديم النصائح، بمعزل عن الفحوص السريرية والتقييم المهني الدقيق. من بينهم د. أحمد الوشاحي، أخصائي الحالات الحرجة، الذي يشدد على أن أدوات الذكاء الاصطناعي لن تكون أبداً بديلة للطبيب والفحص السريري الذي يجريه بناءً على معرفة علمية متراكمة عبر سنوات. ويذهب إلى أبعد من ذلك، مؤكداً أنها لا تصلح حتى لتحديد نوع التخصص الطبي الذي ينبغي للمريض التوجه إليه.
ويؤكد أن كثيراً من الأعراض تتشابه بين أمراض متعددة، ولا يمكن حسمها إلا عبر التقييم السريري المباشر، حتى في حالات تبدو سهلة كألم الرأس، التي يظن بعضهم أنها مجرد عرض مؤقت يمكن معالجته بمسكّن، لكنها قد تكون أحياناً مؤشراً على أمراض معقدة وخطرة.
للمختصين فقط
ويضيف الوشاحي أن «شات جي بي تي» يعتمد في الأساس على البيانات التي يزوده بها المستخدم، والتي قد تكون غير دقيقة أو غير كافية، لذا فإن الفائدة الأكبر من استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي تتحقق فقط إذا تم التعامل معه من متخصصين قادرين على تغذية النظام ببيانات موثوقة، وتحليل المخرجات بناءً على فهم علمي عميق. مشيراً إلى أن الطبيب الذي يوظف «شات جي بي تي» وأدوات الذكاء الاصطناعي المماثلة هو من يملك أدوات المستقبل، ويستطيع مواكبة تحولات المهنة.
ويقول د. شريف مسعد، استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة، إنه لا يمكن الوثوق في تشخيص «شات جي بي تي» أو أي من أدوات الذكاء الاصطناعي، لا سيما في تخصصه، الذي تتشابه فيه الأعراض المرضية إلى درجة قد لا يكفي معها الفحص السريري وحده، ويستدعي الأمر إجراء تحاليل وأشعة متقدمة للوصول إلى تشخيص دقيق.
ويحذر من المضاعفات الخطرة التي قد تنجم عن الاعتماد على تشخيصات الذكاء الاصطناعي، التي قد تصل إلى الوفاة، نتيجة تناول أدوية خطأ أو جرعات غير مناسبة. مشيراً إلى متابعته لعدد من الحالات التي اختلف فيها التشخيص الأولي كلياً عن التشخيص النهائي بعد إجراء المزيد من الفحوص اللازمة.
استيعاب منقوص
ويؤكد أن أدوات الذكاء الاصطناعي لا يمكنها استيعاب التفاصيل الدقيقة للحالات المرضية ولا تحديد الجرعات العلاجية المناسبة. وأن وزن الطفل مثلاً يُعد عاملاً حاسماً في تحديد الجرعة الدوائية، وهو ما لا تأخذه هذه الأدوات في الحسبان، ومعظم من يستخدمون هذه المنصات ليست لديهم الخلفية الطبية التي تمكنهم من وصف الأعراض بشكل سليم، ما يزيد احتمالية الخطأ في التشخيص.
ويُعزي استشاري طب الأطفال، اعتماد بعضهم على «شات جي بي تي» إلى أسباب، أبرزها ضيق الوقت، أو عدم إدراك خطورتها، أو لصعوبة أوضاعهم الاقتصادية وعدم قدرتهم على تحمل كلف إجراء الفحوص الطبية، مشبهاً الأمر بما كان يحدث سابقاً حين اعتاد كثر التوجه إلى الصيدلي بدلاً من الطبيب، قبل صدور قرار حكومي يمنع صرف المضادات الحيوية دون وصفة طبية.
ويتفق الدكتور أحمد جواد، طبيب الأسنان، مع عدم جدوى استخدام «شات جي بي تي» في تقديم علاجات حقيقية ضمن نطاق تخصصه، مؤكداً أن ما قد يبدو لبعضهم كأنه إرشاد علاجي سليم، لا يتجاوز كونه مصادفة أو تكراراً لمعلومات عامة يعرفها معظم الناس.
ويشير إلى أن هذا النوع من الأدوات قد يُستخدم – في أحسن الأحوال – لتقديم نصائح وقائية بسيطة تتعلق بتنظيف الأسنان أو العناية اليومية، لكنه لا يصلح مطلقاً لاتخاذ قرارات علاجية، سواء في ما يتعلق بالتشخيص أو توصية باستخدام أدوية أو إجراءات طبية، لما في ذلك من مخاطر حقيقية على صحة المريض.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
