في مطلع العقد الحالي تقريبًا، استثمرت شركات السيارات الأمريكية مئات المليارات من الدولارات في المركبات العاملة بالبطاريات وبدأت في إعادة تجهيز مصانعها ووضع خطط مستقبلية لطرح موديلات جديدة، لكن مع التحول في الأجندة السياسية منذ عودة "ترامب" للبيت الأبيض بدأت الصورة تتغير وتراجعت آفاق السيارات الكهربائية بشكل ملحوظ، مما شجع الصناعة على التركيز على المركبات العاملة بالبنزين. أجندة ترامب في الثلاثين من سبتمبر، انتهى العمل بإعفاء ضريبي يمنح للمستهلكين عند شراء السيارات العاملة بالبطاريات ما قيمته 7500 دولار، بعدما ظل ساريًا على مدار أكثر من 15 عامًا لتحفيز الطلب، كما أدرجت الإدارة الأمريكية في قانون الضرائب والإنفاق الضخم - الذي أقر في يوليو - تجميدًا للغرامات التي تدفعها شركات صناعة السيارات لمخالفتها لوائح استهلاك الوقود. الخدعة الخضراء كما ألغى "ترامب" معايير كفاءة استهلاك الوقود والتي صممت لتعزيز مبيعات السيارات الكهربائية، في تحول كبير عن الدعم الذي قدمه سلفه "بايدن" للصناعة، إذ يرى أن تلك المعايير أجبرت الشركات على استخدام تقنيات باهظة الثمن وبالتالي رفعت التكاليف والأسعار وجعلت سوق السيارات أسوأ كثيرًا، وبينما أشاد مسؤولو الصناعة بتلك الخطوة إلا أنهم أعربوا عن قلقهم من تضارب السياسات. اتجاه مختلف لذلك تراجعت مبيعات المركبات العاملة بالكهرباء في أمريكا 40% في نوفمبر، رغم أن في الفترة بين يناير وأكتوبر 2025، شكلت السيارات الكهربائية أكثر من ربع مبيعات السيارات الجديدة على مستوى العالم بعدما كانت تقل عن 3% في عام 2019. تحويل مسار أعلنت كل من "جنرال موتورز" و"فورد" و"ستيلانتس" عزمها تحويل مزيج مبيعاتها نحو المزيد من الموديلات العاملة بالبنزين والتي تحقق أرباحًا أعلى، وقامت بالفعل هذه الشركات بتسريح آلاف العمالة من مصانع السيارات العاملة بالبطاريات والتي توقف بعضها عن العمل. الولايات المتحدة تتراجع في سباق السيارات الكهربائية الشركة التوضيح فورد لطالما شكلت السيارات الكهربائية عبئًا ماليًا على شركات الصناعة في أمريكا و"فورد" هي النموذج الأحدث على ذلك، إذ أعلنت أنها ستتكبد خسارة بقيمة 19.5 مليار دولار، وستلغي إنتاج عدة سيارات كهربائية، وستركز جهودها بصورة كبيرة على الطرازات العاملة بالبنزين والهجينة.وأوضحت صانعة السيارات التي يقع مقرها في ديترويت أن تلك الخطوة جاءت نتيجة تباطؤ معدلات تبني السيارات الكهربائية عن المتوقع، بالإضافة إلى تغييرات السياسات التي جعلت هذه السيارات أقل جاذبية للمستهلكين. جنرال موتورز رغم التركيز على السيارات العاملة بالبنزين، إلا أن "ماري بارا" المديرة التنفيذية للشركة أوضحت في وقت سابق أن إنتاج السيارات الكهربائية المربح لا يزال هدف الشركة الأسمى. وأن الشركة قادرة على تعديل حجم عملياتها التصنيعية بما يتناسب مع الطلب المتغير على السيارات الكهربائية والعاملة بالبنزين. ستيلانتيس تعهدت الشركة المالكة لعلامات تجارية شهيرة منها "جيب و"بيجو" باستثمار مبلغ قياسي قدره 13 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدار الأربع سنوات المقبلة لزيادة إنتاج السيارات العاملة بالبنزين والهجينة. تباطؤ وليس توقف النمو ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة بنسبة 12% في الأرباع السنوية الثلاثة الأولى من هذا العام، حسب بيانات شركة الأبحاث "كوكس أوتوموتيف" رغم قرارات "ترامب"، ومع ذلك لا يزال هناك تباطؤ ملحوظ في الطلب على المركبات العاملة بالبطاريات في الولايات المتحدة، حسب آراء خبراء وهو ما أكده "مارك وبنترهوف" المدير التنفيذي المؤقت لشركة "لوسد". أوروبا لا يقتصر الأمر على واشنطن، بل تراجع أوروبا والمملكة المتحدة وكندا أيضًا قواعدها المتعلقة بالسيارات الكهربائية، ويواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطًا لتخفيف الحظر المفروض على بيع السيارات العاملة بمحركات الاحتراق الداخلي بعد عام 2035، وذلك حتى تتمكن الشركات من الاستمرار في بيع مركبات مثل الهجينة القابلة للشحن الخارجي. تفوق صيني أما في الصين، فتشهد صناعة السيارات الكهربائية استثمارات ضخمة وتتنافس الشركات بصورة شرسة عن طريق الخصومات لجذب العملاء، وشكلت البلاد ما يقرب من ثلثي مبيعات السيارات الكهربائية حول العالم في عام 2024، وأصبحت السيارات الكهربائية الصينية أكثر تنافسية مقارنة بظيراتها الآسيوية والأمريكية وحتى الأوروبية. إصرار على المنافسة رغم ذلك تصر كبرى شركات صناعة السيارات الأمريكية على عدم الانسحاب من سباق السيارات الكهربائية العالمي، لكن لا يزال أمامها الكثير حتى تتمكن من منافسة الصين، إذ لا تتجاوز حصة 3 شركات أمريكية كبرى معًا 5% من السوق العالمي (حسب الجدول التالي)، بينما تهيمن "بي واي دي" على أكثر من 20%. الحصة السوقية لكبرى الشركات في سوق السيارات الكهربائية العالمية (في الفترة من الربع الأول وحتى الثالث من 2025) الشركة الحصة السوقية بي واي دي %21 جيلي %9 تسلا %8 فولكس فاجن %6 شيري أوتوموبيل %4 ستيلانتيس %2 جنرال موتورز %1 فورد موتور %1 آفاق الصناعة يرى "مارك ويكفيلد" المسؤول لدى "أليكس بارتنرز" أن إعادة تركيز أمريكا على سيارات الاحتراق الداخلي يعتبر خبرًا سارًا للغاية على المدى القريب بالنسبة للصناعة، لكنه حذر من أن الشركات الصينية ستسرع وتيرة تطوير السيارات الكهربائية على المدى البعيد مما يمنحها ميزة تنافسية في التسعير وتكنولوجيا البطاريات والبرمجيات، وأن شركات الصناعة التقليدية تخاطر بالتخلف عن الركب حال توقفها عن تطوير سياراتها الكهربائية. الخلاصة يشهد سوق السيارات الكهربائية نموًا متزايدًا لكن سياسات الإدارة الأمريكية تجعل واشنطن في اتجاه مخالف عن بقية العالم، وقد يكون التحول نحو التركيز على المركبات العاملة بالبنزين أفضل من الناحية المالية لشركات الصناعة في ديترويت لكنه يخاطر بمكانة البلاد في السباق العالمي وجهود تخفيف الانبعاثات، فهل تنسحب الولايات المتحدة من سباق السيارات الكهربائية العالمي؟ المصادر: أرقام – موقع وزارة النقل الأمريكية – إمبر إنرجي - كوكس أوتوموتيف – مجلة "إي في" – فاينانشال تايمز – وول ستريت جورنال