تشهد أوروبا حالة متزايدة من القلق إزاء احتمال أن تقدم الولايات المتحدة، في ظل رئاسة دونالد ترامب، على عقد تفاهمات مع روسيا على حساب حلفائها الأوروبيين.
وفي المقابل، يسود في اليابان خوف مشابه من أن تجد طوكيو نفسها ضحية لتفاهم أميركي - صيني محتمل.
ويكمن القاسم المشترك بين تلك الهواجس في الخشية من أن تتفق القوى العظمى، لاسيما الولايات المتحدة والصين، على ترتيبات ثنائية تتجاهل مصالح الحلفاء الأصغر.
وفي هذا السياق، يبدي كثيرون تشككهم حيال فاعلية المجموعات الدولية متعددة الأطراف، مثل مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى أو مجموعة العشرين، غير أن مصدر القلق الحقيقي، من وجهة نظر هؤلاء، لا يتمثل في ضعف هذه التكتلات، بل في احتمال بروز صيغة أخطر تتمثل في «مجموعة الدولتين»، أي تفاهم ثنائي بين الولايات المتحدة والصين يقصي الآخرين.
تصرف مفاجئ
وقد يكون هذا الإدراك أحد الأسباب التي جعلت اللقاء الأول بين أول رئيسة وزراء يابانية امرأة، ساناي تاكايشي، وأول رئيسة وزراء إيطالية امرأة، جورجيا ميلوني، يتسم بـ«دفء» لافت، تجسد في عناق خلال اجتماعهما، في نوفمبر الماضي، على هامش قمة مجموعة العشرين في جنوب إفريقيا.
ويكتسب هذا المشهد دلالته من أن الثقافة اليابانية لا تميل عادة إلى التواصل الجسدي، ما جعل هذا التصرف مفاجئاً ومعبراً في آن معاً.
ولا شك أن تاكايشي كانت واعية لأهمية «التضامن النسائي» في عالم سياسي يهيمن عليه الرجال، غير أن هذا التقارب لم يكن رمزياً فحسب، بل استند أيضاً إلى تقاطع في المصالح والرؤى بين الزعيمتين، فكلتاهما تواجه تحدياً يتمثل في تحقيق توازن دقيق بين مواقفهما السياسية التي تميل إلى المحافظة، وبين متطلبات المصالح الوطنية الأوسع التي تسعيان إلى حمايتها، خصوصاً في ظل علاقة معقدة مع دونالد ترامب.
التيار المحافظ
وتصنف كل من تاكايشي وميلوني ضمن التيار المحافظ، كما تشتهران بمواقف صارمة حيال قضايا الهجرة، وقد حظيتا في وقت سابق بإشادة من ترامب، غير أن تاكايشي باتت تدرك أن المجاملات السياسية الصادرة عن الرئيس الأميركي لا تحمل وزناً حقيقياً عندما يتعلق الأمر بأزمات جوهرية ومصيرية، ففي الأسابيع الأولى من توليها رئاسة الحكومة، وجدت تاكايشي نفسها في مواجهة علنية حادة مع الصين، إثر تصريحات أدلت بها في البرلمان حول الموقف الياباني المحتمل في حال أقدمت بكين على غزو تايوان.
ولم تكن تلك التصريحات في جوهرها مفاجئة، لاسيما للمخططين العسكريين الصينيين، حيث أكدت حقيقة بديهية مفادها أن أي هجوم على تايوان، التي لا تبعد سوى أقل من 150 كيلومتراً عن أقرب جزيرة يابانية، سيشكل تهديداً مباشراً لأمن اليابان وبقائها، الأمر الذي قد يبرر تدخلاً عسكرياً يابانياً إلى جانب الولايات المتحدة، ورغم إمكانية انتقاد صراحتها المفرطة، فإن مضمون حديثها لم يتجاوز هذا الحد.
توترات
وخلال العقود الماضية شهدت العلاقات الصينية - اليابانية توترات وخلافات متكررة، ولذلك لم يكن احتجاج بكين على تصريحات تاكايشي أمراً مستغرباً، كما لم يكن مفاجئاً إقدام الصين على إلغاء الرحلات السياحية إلى اليابان وفرض قيود على واردات المأكولات البحرية اليابانية، غير أن اللافت كان حدة الرد الصيني غير المعتادة، ما أوحى بمحاولة لاستغلال قلة خبرة تاكايشي السياسية بهدف ترهيبها، أما المفاجأة الأكبر فتمثلت في امتناع ترامب عن تقديم أي دعم علني لها.
وقد يبدو هذا الموقف في ظاهره غير ذي أهمية، نظراً إلى أن ترامب وفريقه لا يلتزمون بالأعراف الدبلوماسية التقليدية، حتى مع حلفاء تاريخيين مثل اليابان، أما في ما يتعلق بتايوان تحديداً، فقد جاءت تصريحات ترامب متناقضة إلى حد كبير، حيث بدا في يوم مؤيداً لها، وفي اليوم التالي منتقداً أو معادياً.
ومع ذلك، وفرت استراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة، التي نشرت في الخامس من ديسمبر الجاري، قدراً من الطمأنينة عندما أقرت بالأهمية الاستراتيجية لتايوان وضرورة ردع أي هجوم محتمل عليها.
مخاوف أوروبية
وفي أوروبا، عزز السلوك الأميركي تجاه روسيا تلك المخاوف، فبعد قمة «ألاسكا» في أغسطس الماضي بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اعتقد الأوروبيون أنهم نجحوا في إقناع ترامب بتبني موقف أكثر تشدداً في دعم أوكرانيا ضد المطالب الروسية المتعلقة بتسوية سلمية تمنح موسكو مزيداً من الأراضي الأوكرانية، لكن التطورات اللاحقة كشفت أن الولايات المتحدة كانت تجري محادثات سرية مع روسيا منذ تلك القمة.
وتبين أن ما سُمي بـ«خطة السلام» المؤلفة من 28 بنداً، والتي قدمها دبلوماسيون تابعون لترامب إلى أوكرانيا، تضمنت تنازلات كبيرة لصالح روسيا، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه حظي بموافقة ترامب خلال لقائه مع بوتين في ألاسكا.
كما أظهرت جولات التفاوض اللاحقة أن موسكو غير مستعدة للتراجع عن شروطها المتشددة، في حين لم تُبد واشنطن أي رغبة حقيقية في ممارسة ضغط جدي عليها.
درس واضح
ومن مجمل تلك الوقائع، يبرز درس واضح مفاده أن التشكيك في تصريحات ترامب أمر منطقي، وأن على الحلفاء أن يكونوا مستعدين لاحتمال إبرامه تفاهمات سرية من دون علمهم، ويعزز هذا الاستنتاج ما حدث في 24 نوفمبر الماضي، حين أجرى ترامب اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، أعقبه اتصال آخر مع تاكايشي، طلب منها خلاله تخفيف لهجتها بشأن تايوان.
وقد تبدو هذه النصيحة معقولة من زاوية أن اليابان لا تجني فوائد كبيرة من تصعيد التوتر مع الصين، غير أنها في الوقت ذاته أثارت قلقاً واسعاً في طوكيو بشأن طبيعة علاقة ترامب مع شي، ونوعية الصفقات المحتملة التي قد يسعى إليها خلال القمتين المزمع عقدهما العام المقبل في واشنطن وبكين.
وتشير تجربة «خطة السلام» الروسية التي طرحها ترامب إلى ضرورة أن يعيد الحلفاء الآسيويون التقليديون للولايات المتحدة، ومن بينهم اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، النظر بجدية في سبل الضغط على ترامب لحماية مصالحهم الحيوية.
خيار واقعي
ويتمثل الخيار الأكثر واقعية في البحث عن آليات لحماية هذه المصالح دون الاعتماد الكامل على الدعم الأميركي المباشر، فلو أن أوروبا سارعت إلى إعادة بناء قدراتها العسكرية وقدمت لأوكرانيا الدعم الكافي لصد القوات الروسية، لما وجدت نفسها اليوم أمام خطر التخلي الأميركي.
ولو أنها بادرت هذا العام إلى تقديم قروض لأوكرانيا بضمان الأصول المجمدة للبنك المركزي الروسي، لما واجهت حالياً معارضة دول مثل بلجيكا، التي تستضيف الجزء الأكبر من تلك الأصول.
وفي الواقع، فإن مبلغ 140 مليار يورو المقترح كان من شأنه تعزيز فرص التوصل إلى تسوية عادلة، حتى وإن لم يتحقق ذلك قبل العام المقبل، حين تتضح آثار هذا الدعم في قدرة أوكرانيا على الصمود.
ومن المقرر أن يعقد المجلس الأوروبي اجتماعاً حاسماً غداً 18 ديسمبر للنظر في هذا القرض، في وقت لا تتجاوز فيه احتمالات الموافقة عليه نسبة 50%.
وفي موازاة ذلك، تقع على عاتق اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان مهمة الاستثمار الفوري في قدراتها الدفاعية، وإظهار موقف واضح يرفض تسليم ديمقراطية تايوان بالقوة إلى الصين، ورغم صعوبة هذه المهمة، فإنها ليست مستحيلة، لاسيما أن المخاطر ليست وشيكة بما لا يترك مجالاً للاستعداد.
بيل إيموت*
*محرر سابق في «الإيكونوميست»
عن «آسيا تايمز»
التصدي لترامب
لاتزال هناك قوى سياسية داخل الولايات المتحدة يمكن توظيفها، للحد من اندفاع الرئيس، دونالد ترامب، نحو ترتيبات ثنائية مع الصين، حيث يتفق عدد كبير من قيادات الحزبين الديمقراطي والجمهوري على أن الصين تمثل تهديداً مباشراً لأمن الولايات المتحدة ولمكانتها المستقبلية في النظام الدولي.
ومن هنا فإن على الحلفاء التقليديين في أوروبا وآسيا، أن يعملوا معاً لإقناع الكونغرس بضرورة التصدي لتوجه ترامب نحو عقد اتفاقات شخصية مباشرة مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جينبينغ، على حساب النظام الدولي القائم على التحالفات.
. بعد قمة «ألاسكا» بين ترامب وبوتين، اعتقد الأوروبيون أنهم أقنعوا ترامب بدعم أوكرانيا، لكن اتضح لاحقاً أن واشنطن كانت تجري محادثات سرية مع موسكو.
. خوف في اليابان من أن تجد طوكيو نفسها ضحية لتفاهم أميركي - صيني محتمل.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
