لم يكن "فابيو خافيير خيمينيز"، الميكانيكي الذي نقل ورشة عائلته لإصلاح الإطارات إلى بلدة "أنييلو" النائية، يتخيل أن موقعاً كان محاطاً بالكثبان الرملية سيغدو في قلب "الكلوندايك" النفطي الجديد للأرجنتين، فالبلدة التي عانت يوماً شحّ المياه والكهرباء، تضاعف عدد سكانها بنحو 60%، وأصبحت تستقبل يومياً قرابة 25 ألف مركبة، بينها 6400 شاحنة نفط عملاقة. وتختصر هذه الحكاية تحوّلاً أوسع، حيث تعكس ثورة طاقة نقلت الأرجنتين من بلد مثقل بعجز طاقي إلى رابع أكبر منتج للنفط في أمريكا الجنوبية، متقدمة على كولومبيا، ومقتربة من منافسة البرازيل وفنزويلا وغيانا.

بداية الحكاية
- صعود الإنتاج الأرجنتيني مرتبط ارتباطًا مباشراً بتطوير حقل "فاكا مويرتا" (وتعني باللغة الإسبانية البقرة الميتة) الصخري في حوض "نيوكين"، وعلى الرغم من اكتشافه عام 1931، إلا أن الانطلاقة الحقيقية بدأت عام 2014 مع تقنين التكسير الهيدروليكي، وتشير بيانات أغسطس 2025 إلى وصول إنتاج الأرجنتين إلى مستوى قياسي بلغ 816.1 ألف برميل يوميًا، يمثل النفط الصخري منها نحو 65%.
الإنتاجية العالية
- تشير بيانات "ريستاد إنرجي" إلى أن إنتاجية البئر الواحدة في "فاكا مويرتا" تصل إلى 30 برميلًا لكل قدم محفور في العام الأول، وهو ضعف إنتاجية أحواض "بيرميان" و"ديلاوير" الصخرية في الولايات المتحدة، ويعوض هذا التفوق الجيولوجي ارتفاع التكاليف التشغيلية الأولية، كما يجعل سعر التعادل يتراوح بين 36 إلى 45 دولارًا للبرميل، ما يجعل الأرجنتين منافسًا شرسًا في الأسواق الدولية.
عنق الزجاجة
- لسنوات، كان نقص الأنابيب عائقا ضخمًا أمام النمو، لكن عام 2025 شهد ثورة في البنية التحتية، حيث استثمرت شركة "أوليدوكتوس دي فالي" (Oldelval) نحو 1.4 مليار دولار لمضاعفة سعة خطوط الأنابيب إلى المحيط الأطلسي لتصل إلى 540 ألف برميل يوميًا، كما يبرز مشروع "فاكا مويرتا أويل سور" (VMOS) بقيمة 3 مليارات دولار، والذي سيوفر قدرة تصديرية تصل إلى 550 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2027 عبر ناقلات النفط العملاقة.
الاستثمارات الأجنبية
- كان لهذا التحول أن يبقى بعيد المنال لولا دور شركات الطاقة الكبرى، حيث أعلنت شركة "شيفرون" في أغسطس توقعاتها لمضاعفة إنتاجها من "فاكا مويرتا" ليصل إلى أكثر من مليون برميل يوميًا بحلول نهاية العقد، كما تشارك شركات مثل "شل" و"توتال إنرجيز" و"بتروناس" في مشاريع استراتيجية لتطوير الغاز الطبيعي المسال، بما يمكّن الأرجنتين من توسيع حضورها في الأسواق الآسيوية.
الطلب العالمي
- صدّرت الأرجنتين في النصف الأول من عام 2025 ما معدله 180 ألف برميل يومياً من النفط، بزيادة قدرها 17% على أساس سنوي، واستحوذ خام "ميدانيتو" (Medanito)، الخفيف الحلو—المنتَج في حقل "فاكا مويرتا" والحقول التقليدية في حوض "نيوكين"—على النصيب الأكبر من هذه الصادرات، حيث ارتفعت شحناته بنسبة 12% إلى نحو 131 ألف برميل يومياً.

العملاق الصامت
- لا تقتصر الثورة على النفط؛ فقد وصل إنتاج الغاز الجاف إلى 2.1 مليار قدم مكعب يوميًا في الربع الأول من عام 2025، مسجلاً ارتفاعًا بنسبة 13% و16% على أساسين فصلي وسنوي بالترتيب، وبفضل مشاريع إسالة الغاز المخطط لها بالتعاون مع شركات عالمية، تستعد الأرجنتين لتصبح لاعبًا محوريًا في تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية، ما سيعيد رسم خارطة الطاقة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.
الدعم السياسي
- أحد أهم عوامل نجاح "فاكا مويرتا" هو الإجماع السياسي، فبرغم التقلبات السياسية العنيفة في "بوينس آيرس"، تتفق جميع القوى الرئيسية على ضرورة دعم صناعة النفط والغاز كسبيل وحيد لإنقاذ الاقتصاد المتعثر، ومنح هذا الاستقرار في الرؤية التشريعية المستثمرين ثقة طويلة الأجل تفتقر إليها قطاعات أخرى.

تحديات وحوافز
- رغم التفاؤل، تظل المخاطر الاقتصادية قائمة، حيث يرى الخبراء أن تصنيف الأرجنتين الائتماني والقيود على تحويل العملات الأجنبية لا تزال تشكل حجر عثرة أمام بعض المستثمرين الدوليين، إلا أن قانون "نظام حوافز الاستثمارات الكبيرة" الذي أطلقه الرئيس "خافيير ميلي" بدأ في منح الضمانات اللازمة لتدفق رؤوس الأموال الضخمة نحو قطاع الطاقة.
لاعب محوري
- تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية نمو إنتاج النفط العالمي بمقدار 0.8 مليون برميل يومياً في عام 2026، وستساهم الأرجنتين مع البرازيل وغيانا بنصف هذا النمو العالمي، بعدما قفز متوسط الإنتاج من 670 ألف برميل يومياً في 2024 إلى توقعات بنحو 740 ألف برميل يومياً بنهاية 2025، ومن المتوقع أن يستمر هذا الارتفاع ليصل متوسط الإنتاج إلى 810 ألف برميل يومياً في عام 2026.
الرؤية المستقبلية
- من المستهدف أن يصل الإنتاج في الأرجنتين إلى 1.5 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2030، وقد بدأ هذا التحول يظهر جلياً في هيكل الصادرات؛ حيث أصبح النفط والغاز ثاني أكبر صادرات البلاد (8.5 مليار دولار في عام 2024) بعد الصويا (18.6 مليار دولار)، كما حقق القطاع فائضًا تجاريًا بنحو 6 مليارات دولار، ما يؤكد تحوله إلى "صناعة ثانية" موازية للزراعة في دعم الخزانة بالعملة الصعبة.
المصادر: أرقام – إدارة معلومات الطاقة الأمريكية – إس آند بي جلوبال – بي بي سي - أويل برايس - أمريكان ـسوسيشن ـوف بتروليوم جيولوجيستس (AAPG)
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
