تأتي الصورة المبدئية لأسعار الذهب والفضة في عام 2026 وكأنها امتداد لعام 2025 الاستثنائي، ولكن مع قدرٍ أكبر من التذبذب وعدم اليقين. فالعالم سيدخل العام الجديد وهو مثقلٌ بمخاطر جيوسياسية في أوروبا، وتباطؤ اقتصادي عالمي، وضعف في الدولار، وتصاعدٍ في السياسات الحمائية والتجزئة التجارية، وكلها عوامل تغذي تقلبات المعادن الثمينة وترفع من حساسيتها لأي صدمة جديدة.
والسؤال هنا أين نقف اليوم قبل دخول 2026؟
لقد شهد عام 2025 ارتفاعاً تاريخياً في أسعار الذهب والفضة؛ فالتقارير الدولية تشير إلى أن أسعار الذهب ارتفعت بنحو 40–42% خلال العام، مدفوعةً بارتفاع حالة عدم اليقين الجيوسياسي وضعف الدولار، إلى جانب مشتريات قياسية من البنوك المركزية، التي تضاعف متوسط مشترياتها تقريباً مقارنةً بفترة 2015–2019.
والبنك الدولي يتوقع – في تقريره لآفاق أسواق السلع الصادر في أكتوبر 2025 – أن تواصل أسعار الذهب والفضة تسجيل متوسطات قياسية في 2026، رغم أن باقي السلع تتجه لانخفاض إجمالي بنحو 7% في 2025 و7% أخرى في 2026، هذه التوقعات لا تعني أن السوق سيبقى عند هذا المستوى طوال العام، بل إنها متوسطات تقديرية في سوق عالي التذبذب، قد يشهد قمماً أعلى وتصحيحات حادة في الطريق.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ النمو العالمي إلى نحو 3.1% في 2026، مع نمو ضعيف نسبياً في الاقتصادات المتقدمة (نحو 1.5%)، وبيئة تجارية مشحونة بتوترات ورسوم جمركية وتجزئة سلاسل الإمداد. ولا شك أن هذا المناخ يخلق مزيجاً معقداً للمعادن الثمينة.
وعند الحديث عن الذهب في 2026، سنجد أن أهم العوامل المؤثرة فيه تتأرجح بين ضعف الدولار وشبح الحرب في أوروبا. فمن جهة ستبقى مشتريات البنوك المركزية ركناً أساسياً في ارتفاع الذهب، مع تزايد رغبة دول عديدة –خاصة في آسيا والاقتصادات الناشئة– في تنويع احتياطياتها بعيداً عن الدولار والأصول الغربية. ويأتي معه عامل ضعف الدولار وتيسير السياسة النقدية الأمريكية مع تباطؤ النمو واستمرار الضغوط السياسية لخفض الفوائد، تتزايد التوقعات بمزيد من التيسير النقدي في الولايات المتحدة، ما يضعف الدولار ويرفع جاذبية الذهب كأصل لا يدرّ عائداً لكنه يحافظ على القوة الشرائية على المدى الطويل
كما أن ازدياد الرسوم الجمركية، سواء بين أمريكا والصين أو مع أوروبا، يرفع حالة عدم اليقين في التجارة العالمية، ويغذي الطلب على الذهب كأداة تحوّط ضد الصدمات السياسية والتجارية.
وأخيراً وهذا هام جداً، يأتي الحديث عن احتمال توسّع النزاعات في أوروبا أو نشوب حرب أوسع يظل عنصراً لا يمكن تجاهله في تسعير الذهب؛ فكل تصعيد عسكري كبير في منطقة اقتصادية مهمة (مثل أوروبا) يعني هروباً لرؤوس الأموال إلى الملاذات الآمنة، وارتباكاً في أسواق الطاقة والنقل والتأمين، وكذلك سيعني بالضرورة ضغطاً إضافياً على البنوك المركزية والحكومات، يزيد من جاذبية الذهب كأصل (خارج النظام المالي) وهنا يجب تأكيد أن الأسواق لا تسعِّر حرباً مؤكدة، بل احتمالات؛ وكلما ارتفع تقدير احتمال السيناريو الأسوأ، ارتفع معه هامش الأمان الذي يطالب به المستثمرون، وبالتالي ترتفع أسعار الذهب.
وبعد أن تطرقنا للحديث عن الذهب، فماذا بالنسبة إلى الفضة، بداية إنها تختلف عن الذهب في كونها معدناً مزدوج الوظيفة فهي ملاذ آمن يتحرك غالبًا في نفس اتجاه الذهب في أوقات الأزمات. وأيضاً معدن صناعي أساسي في الطاقة الشمسية، والإلكترونيات، والسيارات الكهربائية، وشرائح الاتصال (5G)، ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
والتقارير الحديثة تشير إلى أن أكثر من نصف الطلب العالمي على الفضة يأتي من الاستخدامات الصناعية، وأن السوق يعيش عجزاً هيكلياً في المعروض منذ عدة سنوات، مع توقع استمرار هذا العجز حتى 2026، وفقاً لتقديرات معهد الفضة، مع عجز يزيد على 100 مليون أونصة سنوياً.
ففي عام 2025، شهد سعر الفضة ارتفاعاً تاريخياً كبيراً يتجاوز +100% مقارنة ببداية العام، مما يعني أن الفضة تضاعفت تقريباً في القيمة وبالتالي فإنه إذا اندلع تصعيد كبير في أوروبا أو توسعت بؤر التوتر ستتحرك الفضة صعوداً مع الذهب كملاذ آمن. ولكن أي تراجع في النشاط الصناعي العالمي قد يضغط على الطلب الصناعي، ما يجعل حركة الفضة أكثر تذبذباً من الذهب (ارتفاعات حادة ثم تصحيحات عميقة).
وكذلك إذا استمر التحوّل الأخضر والطلب على الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية بنفس الزخم الحالي أو أعلى يظل الطلب الصناعي على الفضة قوياً، خصوصاً مع استخدام كميات أكبر من الفضة في الألواح الشمسية المتقدمة، ومع التوسع في سلاسل التوريد الخاصة بالذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات.
كما أن بطء توسع الإنتاج (لأن الفضة غالباً منتج جانبي لاستخراج معادن أخرى) يعني أن جانب العرض لا يستطيع الاستجابة سريعاً لأي قفزة في الطلب، وهذا ما يدعم سيناريو أسعار مرتفعة ومتقلبة معاً.
ختاماً إن أسعار الذهب والفضة في 2026 مرشّحة للاستمرار عند مستويات عالية تاريخياً، مع ميل عام للصعود لكن ضمن نطاق واسع من التذبذب.
وستكون الاحتمالات الجيوسياسية في أوروبا (حرب واسعة أو تسوية سياسية) عاملاً حاسماً في تحديد المسار؛ وأي تطور مفاجئ قد يغير الصورة في أسابيع.
أما ضعف الدولار والسياسات الحمائية الأمريكية والأوروبية فسيدعمان الاتجاه الطويل الأجل نحو زيادة الطلب على الذهب كأصل احتياطي، وعلى الفضة كمعدن صناعي وملاذ في آن واحد.
وفي المقابل، سيناريوهات التهدئة أو تحسن النمو قد تدفع إلى تصحيح في الأسعار، لكنها لا تعني بالضرورة عودة الذهب والفضة إلى مستويات ما قبل 2020.
وأخيراً؛ هذا التحليل ذو طابع اقتصادي عام لا يُعد توصية استثمارية شخصية بالشراء أو البيع، بل محاولة لقراءة الاتجاهات الكبرى في ضوء المعطيات المتاحة حتى نهاية 2025، مع التأكيد أن أي قرار استثماري ينبغي أن يراعي ظروف كل مستثمر ومستوى تحمله للمخاطر وأفقه الزمني.
* مستشار في الأسواق المالية والحوكمة والاستدامة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
