«الخليج» تفتح نافذة على قصص إنسانية نابضة بالأمل، تجسد قيم الرحمة والتكافل في مجتمعنا، فنروي حكايات أولئك الذين يتعثرون في طريق الحياة، ثم يجدون أيادي العطاء تمتد إليهم، لتعيد إليهم معنى الانتماء، وليبقى الخير لغة مشتركة تجمعنا.لم يكن الطريق مفروشاً بالورد، ولا كانت الأيام رحيمة بما يكفي لتمنحهما اختصاراً للألم، وفي لحظات كثيرة، بدا العالم أضيق من الحلم، وأثقل من أن يُحتمل لكن وردة وسارة عبدالله، لم تتعلما يوماً كيف تنكسر الأرواح، بل كيف تقف حتى حين يتعب الجسد.منذ الطفولة، أدركتا أن الحياة لا تمنح امتيازاتها مجاناً، والاعتماد على النفس ليس خياراً، بل أسلوب حياة، لم تنتظرا شفقة، ولم تمدّا أيديهما لغير الإرادة، كانتا تمشيان بثقة من يعرف أن النقص وهم، والاكتمال يولد من الداخل إعاقة حركية.لكنها لم تكن يوماً نهاية الحكاية، بل بدايتها. العقبات دروسكبرت الفتاتان، وكبر معهما الإصرار، كل عقبة كانت درساً، وكل سقوط كان تدريباً جديداً على النهوض، صنعتا من الأحوال القاسية صلابة، ومن الألم طاقة، ومن الأسئلة الثقيلة إجابات صامتة، تقول: لسنا أقل... نحن مختلفتان في طريقة الوصول.وحين دخلت رياضة «البارا تايكوندو» حياتهما، لم تكن مجرد لعبة، بل لغة جديدة للتعبير عن القوة في كل ضربة، كانت هناك حكاية وفي كل تدريب، كانت الروح تتقدم أكثر.خطوات صغيرة بدأت من العمل التطوعي مع شرطة دبي، حيث تعلّمتا أن العطاء لا ينتظر الكمال، وأن البدايات السهلة قد تقود إلى مسارات غير متوقعة،ثم جاء اليوم الذي تغيّر فيه المشهد، منصة، أعلام، قلوب تخفق بطولة العالم الأولى ل«بارا تايكوندو» في مملكة البحرين لم تكن مجرد منافسة رياضية، بل كانت امتحاناً للإرادة، وهناك وسط صخب التصفيق وصمت اللحظة الحاسمة، وقفت وردة وسارة كما وقفتا دائماً في الحياة.. بثبات.فضّية لوردة... وبرونزية لسارة ميداليتان لم تُصنعا من معدن فقط، بل من سنوات صبر، ومن ليالٍ طويلة من التحدي، ومن إيمان لا يتزحزح بأن المستحيل مجرد كلمة عابرة أمام من يملك العزيمة.لم تنتهِ الحكاية عند منصة التتويج فالأحلام، حين تكون صادقة، لا تتوقف عند إنجاز واحد.سارة ترى نفسها في الغد جزءاً من شرطة دبي، تخدم وطناً آمن بقدراتها، ووردة تحلم بأن تصبح مهندسة في الطيران والفضاء، وكأنها تقول للعالم: إن من تحدّى الأرض، يستحق أن يلامس السماء. وتقول فاطمة بوحجير، رئيسة مجلس الروح الإيجابية، عن هذه التجربة: هي لا تتحدث عن مبادرة فقط، بل عن أرواح وُضعت في مكانها الصحيح، فازدهرت عن مجتمع حين يفتح أبوابه، تتفتح فيه الطاقات، وتولد الحكايات الجميلة.وتستعرض فاطمة: منذ عام 2018، حضرت سارة ووردة في الفعاليات الوطنية، في المبادرات المجتمعية، في المشهد الإنساني العام، لا كونهما حالتين استثنائيتين، بل صوتان يقولان بهدوء: لسنا قصة شفقة، نحن قصة قدرة.هذه ليست حكاية فوز رياضي، بل انتصار إنساني ليست قصة إعاقة، بل قصة إرادة.هي رسالة لكل من ظن يوماً أن الطريق انتهى، أن الحياة قد تُغلق باباً، لكنها تترك نافذة واسعة لمن يملك الشجاعة أن يحلم ويبدأ.