لم تعد الصداقة بين المراهقين في عام ٢٠٢٦ كما كانت قبل عقد من الزمن. ففي الوقت الذي كانت فيه الصداقة تُبنى على اللقاءات المباشرة، واللعب المشترك، والحوارات الطويلة وجهاً لوجه، أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم لاعباً خفياً – وأحياناً ظاهراً – في تشكيل العلاقات الاجتماعية للمراهقين.من تطبيقات الدردشة الذكية، إلى الألعاب الجماعية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، إلى الخوارزميات التي تقترح “أصدقاء محتملين”، يعيش المراهق في بيئة اجتماعية رقمية معقّدة، تتداخل فيها الصداقة الإنسانية مع التفاعل الآلي، مما يطرح أسئلة اجتماعية وإعلامية عميقة، هل تغيّر مفهوم الصداقة؟ أو هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعوّض الصديق؟ وأين يقف الأهل في هذه التحولات؟ موضوع له تأثير كبير على القارئات الأمهات، يطرح فيه الاختصاصيون كيف تغيّر التكنولوجيا الذكية معنى الصديق وحدود العلاقة الإنسانية بين المراهقين؟ أولاً: كيف يفهم المراهق الصداقة اليوم؟ كيف يفهم المراهق الصداقة اليوم؟ الصداقة لدى المراهق ليست مجرد علاقة اجتماعية، بل مساحة للأمان، والانتماء، واكتشاف الذات. إلا أن هذا المفهوم بات يتشكّل داخل منصات رقمية أكثر من ساحات اللعب أو مقاعد الدراسة.اليوم، قد يعتبر المراهق شخصاً لم يلتقِ به قط “صديقاً مقرّباً” لأنه: يشاركه الاهتمامات نفسها عبر الإنترنتأي لا تقف بينهما أي عوائق، بل سهولة في التعبير، التي كان المراهق بجد صعوبة أحياناً في كشفها للآخرين، لكن الإنترنت يوفر مساحة أسهل لذلك. وربما يساعده في العثور على مجتمعات تشاركه اهتماماته وتجاربه، خاصة فيما يتعلق بالصحة النفسية. يتواصل معه يومياً عبر الألعاب أو الدردشةحيث تؤدي الألعاب الإلكترونية إلى عزلة المراهقين و تشويش تفكيرهم بين العالم الافتراضي والعالم الحقيقي, و هذا لا يؤثر على المراهقين فقط بل أيضاً لها تأثير على الشباب كما تسببت في ضياع الوقت عند المراهقين وتسيطر على عقول من يمارسونها و تؤدي إلى إدمانها وإ حداث العديد من المشاكل الصحية والنفسية. يشعر بأنه مفهوم ومقبول من دون أحكاممع التغيرات الهرمونية والكثير من الأمور التي تحدث في أجسامهم، يكون من الصعب على المراهقين التعامل مع كثير من المواقف على النحو المناسب. في هذه المرحلة، يمر المراهقون بمرحلة حرجة للغاية من حياتهم، فهم بحاجة إلى آبائهم ومعلميهم لرعايتهم والاهتمام بهم ومنحهم الشعور بالانتماء، لكنهم يخافون من أحكامه، وعدم تقبلهم لهم، وهذا هو الفارق بينهم، وبين الصديق الرقمي، الذي يجد عنده دعماً نفسياً ومشورة في أوقات الأزمات أو لمواجهة تحديات الحياة.هذا التحول لا يعني بالضرورة تراجع قيمة الصداقة، بل تغيّر أدواتها وحدودها، وهو ما يتطلب فهماً أعمق بدل الرفض أو التخويف. ثانياً: الذكاء الاصطناعي كوسيط اجتماعي لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تقنية، بل أصبح وسيطاً اجتماعياً يوجّه العلاقات بشكل غير مباشر، كالآتي:خوارزميات تقترح الأصدقاء بناءً على الاهتماماتفي العام 2025 طوّر باحثون روس خوارزمية ذكية تهدف لتحسين التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتعتمد هذه التقنية على نظام توصيات أكثر ذكاءً لاقتراح صداقات جديدة، وفق «تاس».وقد أظهرت الدراسات أن اقتراح الأصدقاء بناء على 4 معارف مشتركة أو أكثر يؤدي إلى زيادة الانقسام بين المستخدمين وتكوين مجتمعات منعزلة. بينما يسهم الاقتراح بناءً على 1-3 معارف مشتركة في تقليل التوتر والانقسام وتعزيز فرص التعاون. كما اهتم علماء الرياضيات الروس بكيفية تأثير معايير عمل هذه الخوارزميات، بما في ذلك ميلها إلى الاعتماد على الاهتمامات والروابط المعروفة بالفعل بين المستخدمين عند تقديم التوصيات على الشبكات الاجتماعية. ولتحقيق ذلك، تتبّع العلماء كيف تؤثر أنواع مختلفة من الخوارزميات في مستوى «الانتقائية التجميعية» في الشبكات الاجتماعية، وهو معيار رياضي يعكس كثرة إقامة الروابط مع الجيران الذين يشبهونهم بطريقة ما. وتم الحصول على نتائج إيجابية مماثلة، ما يبعث الأمل في إنشاء خوارزميات تشجع مستخدمي الشبكات الاجتماعية على التعاون، وتقلل من مستوى التوتر بينهم.فظهرت روبوتات دردشة يتفاعل معها المراهقون بوصفها “مستمعاً دائماً”، وهي ألعاب تعتمد على شخصيات ذكية تحاكي الصداقة والتعاون، تستخدم تقنيات مثل معالجة اللغة الطبيعية (NLP) لفهم نية المستخدم وطلبِه، حتى مع وجود أخطاء إملائية أو صيغ متنوعة. وبناءً على فهمها للطلب، تقدم إجابات مناسبة، إما من خلال قواعد محددة مسبقاً أو من خلال نماذج لغوية كبيرة (LLMs) لتوليد ردود أكثر تعقيداً. الروبوتات المتقدمة تتعلم من كل محادثة، مما يحسن دقة ردودها وقدرتها على التكيف مع احتياجات المستخدمين بمرور الوقت. وهنا يظهر سؤال جوهري: هل يتعلّم المراهق مهارات الصداقة الحقيقية، أم يعتاد على علاقات “مريحة” لا تتطلب جهداً عاطفياً؟ هل الروبوتات تفهم مشاعر المراهقين والأطفال؟ ثالثاً: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الصديق؟ هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الصديق؟ لا يمكن إنكار أن بعض المراهقين يلجؤون إلى الذكاء الاصطناعي كبديل مؤقت عن الصداقة، خاصة في حالات:الشعور بالوحدة، والقلق الاجتماعي، والخوف من الرفض أو التنمر، فالذكاء الاصطناعي هنا: لا يحكم، ولا يسخر، وهو متاح في أي وقت، لكن برأي الخبراء، أنه لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل مكان الصديق البشري بشكل كامل لأنه يفتقر إلى التعاطف الحقيقي والوعي والتجارب الحياتية المشتركة، إلا أنه قد يكمّل الدعم أو التدريب أو الرفقة، إذ يوفر إمكانية الوصول على مدار الساعة وتفاعلاً غير متحيز، بينما يؤكد الخبراء أنه لا يستطيع محاكاة عمق العلاقات الإنسانية الحقيقية وحميميتها ونموها المتبادل. ورغم أن الكثير من المراهقين أكثر تعلقاً بالذكاء الاصطناعي، إلا أن هذه العلاقات تبقى من طرف واحد، لأن الآلات لا تستطيع الشعور بالمشاعر أو تبادلها، ما يجعلها مختلفة جوهرياً عن الصداقات الإنسانية، والخطر لا يكمن في الاستخدام، بل في الاعتماد العاطفي المفرط، حيث قد يفضّل المراهق التفاعل الآلي على العلاقات البشرية المعقّدة.الأثر السلبي للتحولات الرقمية على عقول وسلوك المراهقين رابعاً: التأثيرات الإيجابية للذكاء الاصطناعي على الصداقة رغم المخاوف، لا يمكن إغفال الجوانب الإيجابية، ومنها: مساعدة المراهقين الخجولين على التواصل: بسبب المحادثات الفردية مع الذكاء الاصطناعي، الذي قد يشجعه على الانخراط في أنشطة جماعية ممتعة (أندية، رياضة) لبناء الثقة بين الأهل والمراهقين، مع التركيز على نقاط قوتهم وتعزيزها، وتوفير بيئة داعمة خالية من النقد. خلق صداقات عابرة للثقافات والحدود: فقد تتواصل صديقة الذكاء الاصطناعي بشكل رئيسي حيث يمكن للمستخدمين إرسال رسائل نصية إلى أصدقائهم الذين يعملون بتقنية الذكاء الاصطناعي وتلقي ردود فورية. يشبه هذا الوضع إرسال رسالة نصية إلى صديق، حيث يستطيع الذكاء الاصطناعي الحفاظ على محادثة متماسكة وجذابة بمرور الوقت. تعزيز العمل الجماعي عبر الألعاب والمنصات التعليمية: حيث يمكن دمج التعلم القائم على الألعاب (Gamification) والمنصات التفاعلية لتصميم أنشطة تعاونية مثل تحديات الفرق، الألعاب التعليمية (مثل Minecraft Education)، والمشاريع المشتركة عبر أدوات مثل منصات التعلم عن بُعد, مما يرفع المشاركة، يحفز التواصل، ويطور مهارات حل المشكلات والابتكار، من خلال أهداف واضحة وتغذية راجعة مستمرة لضمان المتعة والفائدة دعم المراهقين الذين يعانون من العزلة أو الإعاقات الاجتماعية: بحيث يجد المراهق صديقاً يمكنه الحديث معه، في حال لم يقف أحد من الأهل بجانبه. خامساً: أضرار أكيدة للصداقات بين المراهقين عبر الذكاء الاصطناعي أضرار أكيدة للصداقات بين المراهقين عبر الذكاء الاصطناعي منع المراهق من تعلم التفكير خارج الصندوق بمُفرده. فالذكاء الاصطناعي قادر على التعلّم بمرور الوقت من خلال البيانات التي تمّ تغذيته بها مُسبقاً بالإضافة إلى الاستفادة من التجارب السابقة، لكنّه لا يستطيع أن يكون مبدعاً في نهجه. تحرم أنظمة الذكاء الاصطناعي المراهقين من فرص التعامل مع الخلافات، وهو جانب مهم في تنمية المهارات الاجتماعية والقدرة على التكيف. لا تعطي المراهقين خبرة في المفاوضات أو بذل التضحيات، وهما عنصران أساسيان في العلاقات. قدرة الفرق المسؤولة على مراقبة هذا النوع من تسريب البيانات، عن المعلومات الشخصية. الذكاء الاصطناعي يعطي المراهق البيانات والخوارزميات لتشكيل القرارات والتنبؤات، وقد تكون متحيزة بقصدٍ أو بغير قصد، ولا تعطي اعتباراً للآراء الأخرى. قد يؤدي استخدام المزيد من الأصدقاء الرقميين إلى زيادة الاعتماد على الآلة والإصابة بما يُعرف ب "الكسل البشري". فالاعتماد المُبالغ فيه على الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يجعلنا نستخدم أدمغتنا بشكلٍ أقل في الحفظ ووضع الاستراتيجيّات وحلّ المُشكلات عند المراهقين بأنفسهم. ضعف مهارات التواصل الواقعي، بسبب عدم مواجهة البشر الحقيقية، ما يؤدي إلى صعوبة إدارة الخلافات وجهاً لوجه، ويتعمق الخلط بين “المتابع” و”الصديق”، بسبب تأثر العلاقات بالخوارزميات بدل المشاعر عند المراهقين. *ملاحظة من «سيدتي»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص