د. محمد الصياد* سيطر الإحباط والانزعاج على أمزجة لوبيات المناخ (في أوروبا خصوصاً)، بسبب ما اعتبره نشطاؤها نتائج «ضعيفة ومشوشة» لمؤتمر الأمم المتحدة الثلاثين للأطراف (COP30) الذي عقد في بيليم في البرازيل خلال الفترة من 10 إلى 21 نوفمبر 2025. وقد وجه هؤلاء النشطاء غيظهم وانتقاداتهم لأكثر من 56000 مشارك، واعتبروا مشاركتهم في المؤتمر صورية، لأن معظمهم مدعومون، كما يزعمون، مالياً لا يقوون على مجابهة لوبيات شركات الوقود الأحفوري ذات التأثير الطاغي، حتى داخل أروقة المؤتمر.فالوقود الأحفوري بالنسبة لهذه الشركات، مقدسٌ، وهو مدنس من قبل لوبيات المناخ التي بدت كما لو كانت مستسلمة، ربما لأول مرة، لتلاشي طموحاتها في ضوء إخفاقها في القضاء على الوقود الأحفوري كمصدر لتوليد الطاقة، وتحسرها على ضياع جهود ثلاثة عقود من محاولاتها لتحقيق هذا الهدف، كما تقول.هناك جناح متطرف من لوبيات المناخ معاد بالمطلق للوقود الأحفوري. هذا الجناح الذي بدأ يُظهر يأسه، ليس فقط بسبب إخفاقه في وضع كافة مجموعات التفاوض المناخية، على اختلاف مصالحها وتوجهاتها، على مسار التخلص، وفقاً لجداول زمنية محددة، من الوقود الأحفوري، وإنما بسبب تراجع الأجندة المناخية العالمية بصفة عامة أيضاً، في الاهتمامات والانشغالات الدولية.بعض أطياف هذا الجناح برّأ منظمي مؤتمر الأطراف الثلاثين من مسؤولية الإخفاق في تحقيق النتائج التي عولت عليها، معتبرة إياهم من ذوي النوايا الحسنة التي لا تكفي للدفع بأجندة العمل المناخي. لكن، نفس هذه الأطياف عادت وانتقدت الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دي سيلفا الذي استضافت بلاده النسخة الأخيرة من «COP»، رغم أنه يعد إحدى الشخصيات الرسمية العالمية البارزة الداعمة بقوة لقضية المناخ. فقد سخرت منه وذكّرته بخطابه الحماسي في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025، الذي قال فيه: «سيكون مؤتمر الأطراف الثلاثين مؤتمر الحقيقة»، واصفة ذلك بالهراء المثير للاشمئزاز.قادت كولومبيا في مؤتمر الأطراف الثلاثين تحالفاً من 24 دولة لوضع إعلان بيليم بشأن التحول العادل بعيداً عن الوقود الأحفوري. إلا أن الاتفاق النهائي لمؤتمر الأطراف الثلاثين، لم يتضمن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، ما أثار احتجاج رئيس كولومبيا غوستافو بيترو على استبعاد مقترح إعلان التحالف الذي دعمته بعض الدول الأوروبية، وتحديداً بلجيكا والدنمارك وفنلندا وأيرلندا وإسبانيا، إضافة إلى أستراليا وتشيلي والمكسيك. الإعلان دعا لتسهيل عملية انتقال عادلة ومنصفة بعيداً عن الوقود الأحفوري للحد من الاحتباس الحراري. لكن الوثيقة النهائية التي خرجت من المؤتمر جاءت خالية من أي التزام واضح بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. حتى العنوان الطموح الذي تصدر الوثيقة الختامية «التغيير العالمي: توحيد البشرية في تعبئة عالمية ضد تغير المناخ»، لم يخرج عن السرديات الرسمية التي يتم في كل مؤتمر تضمينها إعلانه وقراراته المصاحبة، من قبيل أهمية معالجة تغير المناخ، والحاجة إلى الحفاظ على الطبيعة والنظم البيئية وحمايتها واستعادتها من خلال عكس اتجاه إزالة الغابات، والحق في الصحة وفي بيئة نظيفة وصحية ومستدامة، وأهمية الإنصاف ومبدأ المسؤوليات المشتركة، أي ما يسمى الانتقال العادل.منظمات ال«NGOs» الأوروبية، سخرت من نتائج المؤتمر، واعتبرت أنه لم يحقق طموحاتها بشأن العناصر الثلاثة - الوقود الأحفوري، والتمويل، والغابات. حتى سيمون ستيل، أمين عام الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ، لخص بلغة اليائس النتائج على النحو الآتي: «أراد العديد من الدول التحرك بشكل أسرع بشأن الوقود الأحفوري، والتمويل، والاستجابة للكوارث المناخية. لذلك أتفهم هذا الإحباط، وأُشارك نفسي الكثير منه. ولكن دعونا لا نتجاهل مدى التقدم الذي أحرزه مؤتمر الأطراف هذا. في هذا المجال الدبلوماسي، تُعتبر الحركة نسبية للغاية. ومازال هناك إصرارٌ على التطوع للتخلي عن الوقود الأحفوري». هذا الإصرار (المبهم وغير المحدد)، ربما عبر عنه رئيس المؤتمر، أندريه كوريا دي لاغو، عبر ما أسماه «خريطة طريق طوعية».رسمياً، لم يكن من الممكن تسمية ذلك (التخلي عن الوقود الأحفوري)، أما على المستوى غير الرسمي، فيمكن للدول الأخرى والمجتمع المدني أن يفعلوا ما يحلو لهم في مواجهة تحديات تغير المناخ. وهذا ما سيحدث على الأرجح. وهذا سيفتح مساراً تفاوضياً موازياً، سيُنشئ حالة جديدة في مجال المفاوضات المناخية المتعددة الأطراف، يستحق الإضاءة عليه لأهميته وتداعياته المحتملة. * خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية