تسهم مزارع المواطنين المنتشرة على مساحات واسعة في أرض دولة الإمارات، في تعزيز السياحة الداخلية المستدامة، واستقطاب عشاق الطبيعة من الزوار الذين يجدون فيها ملاذاً طبيعياً ساحراً، فضلاً عن نجاحهم في زراعة أنواع كثيرة من الخضراوات، والفواكه، والمحاصيل التي كانت محصورة في البيئات المعتدلة. كما أسهمت هذه المزارع بتنوع منتجاتها، في العمل على تأسيس قطاع زراعي مستدام، وتسخير كل الإمكانات اللازمة لذلك، ورفع مساهمة الإنتاج الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد. ووصل إجمالي عدد المزارع في دولة الإمارات إلى أكثر من 38 ألف مزرعة، تتبع أساليب زراعة متنوعة، وعدة نظم إنتاج زراعية، منها مزارع تتبع أنماط الزراعة العضوية، وأخرى مزارع تتبع أساليب الزراعة المائية (من دون تربة)، مدعومة بخطط ومبادرات محلية لتعزيز عمل المزارعين، ودعم آليات الزراعة الحديثة وتعتبر الزراعة المائية «من دون تربة» أحد أبرز هذه المشاريع، حيث تصل إنتاجية الزراعة من دون تربة إلى ما يقارب أربعة أضعاف نظيرتها في الزراعة المحمية العادية، بالنظر لاستخدام مساحة أقل، وعدد نباتات أكثر، وتمثل مشاريع الزراعة من دون تربة طريقة مجدية اقتصادياً، على المديين، المتوسط والبعيد، من حيث قدرتها على استعادة تكاليف المشروع وفقاً لجدول زمني يتراوح ما بين 5 إلى 10 سنوات. وتستخدم المزارع العمودية تقنيات متطورة تمكنها من توفير منتجات زراعية طازجة على مدار العام، ويغطي إجمالي الإنتاج الزراعي المحلي من الخضراوات حالياً، نسبة تتجاوز 20% من إجمالي احتياجات السوق. وقد أولت دولة الإمارات اهتماماً كبيراً بتوجيه السياحة الداخلية نحو مزارع المواطنين للاطلاع على التجارب الناجحة لرواد الأعمال في هذا القطاع، ودور هذه المشاريع في تعزيز ثقافة التعامل المستدام مع البيئة. وتقف حملة أجمل شتاء في العالم التي تأتي هذا العام تحت شعار «شتاؤنا ريادة»، على بعض التجارب الزراعية الناجحة لأبناء الإمارات، والتي تركت بصمات مشرقة في مسيرة الاستدامة الزراعية والسياحة الداخلية. وتولي دولة الإمارات السياحة الزراعية أهمية كبيرة، نظراً لدورها في إبراز كنوز المزارع المحلية، وما تتمتع به الدولة من مساحة زراعية، مزدهرة ومتطورة، كما تلقي الضوء على مشاريع زراعية رائدة تولى إنشاءها وتطويرها أبناء الإمارات بدعم من الجهات الحكومية، حيث أطلقت وزارة التغيّر المناخي والبيئة في عام 2019 مشروعاً وطنياً تحت شعار «كنوز الطبيعة في الإمارات»، يسلط الضوء على إبداعات أصحاب المزارع المحلية للاستفادة منها والوقوف على الممارسات والخبرات التي يتبعونها، والاطّلاع على أنماط الزراعة التقليدية والحديثة، والتعرف إلى التقنيات المستخدمة فيها، إضافة إلى الاستمتاع بالأنشطة الترفيهية المتوافرة في العديد من المزارع النباتية والحيوانية، في الدولة، مع إتاحة الفرصة أمام الزائرين لشراء ما يحتاجون إليه من منتجات نباتية وحيوانية من المصدر مباشرة، بكلفة معقولة وجودة عالية، الأمر الذي يشجع المزارعين على تطوير وتوسعة نشاطهم عبر خلق دخل مالي إضافي، إضافة إلى تحفيز الجمهور على تبنّي سلوكات الزراعة المجتمعية. ومن التجارب الزراعية الرائدة في دولة الإمارات مزرعة الفراولة في مدينة الذيد، بالشارقة، التي يشرف عليها حالياً عيسى خوري، المدير العام لشركة «ميراك»، والتي تم تأسيسها في عام 1985 وهي أول شركة تزرع الفراولة، وتعد من أوائل الشركات التي تأسست في القطاع الزراعي. ولم تتوقف الشركة عند إنتاج ثمار الفراولة، التي لا تزال تصدّر منها آلاف الأطنان، سنوياً، إلى دول الخليج، وشتى أنحاء العالم، بل طرقت أبواب إنتاج العديد من المحاصيل الزراعية والخضراوات ذات القيمة العالية التي كانت في السابق تستورد من الخارج. ومن مزارع الفراولة الرائدة أيضاً في الدولة «مزرعة حتا النموذجية للفراولة»، للمواطن خلفان المطيوعي، التي تُعد وجهة زراعية مستدامة، تستقطب المستثمرين والسياح. تم إنشاء المزرعة في عام 2022 وتتضمن حقلين، أحدهما مكشوف بلغ عدد الشتلات المزروعة فيه 6000 شتلة، والآخر زجاجي بإجمالي 1870 شتلة، مع تميّزها بتوفير الجهد، والوقت، والماء، والمحافظة على البيئة، وتساعد على الزراعة المستدامة بتقنية مبتكرة، تنبع من نقاء وجمال الطبيعة. ويمكن لزوار المزرعة أثناء تجوالهم فيها، الاستمتاع بجلسات هادئة، وتذوّق المشروبات الساخنة والباردة بنكهة الفراولة، التي يتم إعدادها طازجة في الوقت نفسه، فضلاً عمّا تقدمه المزرعة من منتجات تشمل التين والعصائر الطبيعية. وتشكل المزرعة النموذجية للفراولة فكرة استثمارية رائدة في ميدان السياحة الخضراء بين أحضان الطبيعة الخلابة، قرب سد حتا، وتعد علامة فارقة في استثمار الموارد الطبيعية باحترافية وعصرية، وباستخدام أحدث التقنيات الزراعية التي تجد فيها العائلات والزوار نافذة ممتعة للهروب من زحمة الحياة اليومية، فضلاً عن دورها في تقليل البصمة الكربونية، وتقليص التأثير البيئي، وعدم الإسراف في استعمال المياه والطاقة، وتوظيف التكنولوجيا، مع تبنّي التقنيات الزراعية المتقدمة، وأحدث وسائل التكنولوجيا الذكية، واستخدام أساليب الزراعة في البيوت البلاستيكية والزراعة المائية لضمان بقاء المحصول على مدار العام. وتبرز مزرعة الكاكاو التي أنشأها المواطن أحمد الحفيتي، أحد أبناء إمارة الفجيرة، كواحدة من أهم التجارب الزراعية في دولة الإمارات، حيث تعكس قدرة المزارع المواطن على الابتكار والتجديد في مجال الزراعة، بما يسهم في تعزيز جهود تحقيق الاكتفاء الذاتي من معظم المنتجات الزراعية. وتقع المزرعة في مشتل وادي دفتا في الفجيرة، حيث نجح الحفيتي في زراعة أكثر من 1000 شتلة كاكاو، تم بيعها بالكامل، كما تم استيراد ثلاثة أنواع من أجود أنواع ثمار الكاكاو في العالم، من أوغندا، بحيث ستتم زراعة ما يقارب من 5000 شتلة الموسم المقبل. وتأتي أهمية هذه المبادرة الزراعية المستدامة بسبب عدم حاجتها إلى محميات مكلفة، أو إنفاق مبالغ مالية على العناية بها عبر أنظمة التبريد، بحيث تم الاكتفاء بوضعها في منطقة مظللة بشبك الظل الزراعي (الروكلين)، كما وفرت التربة الطينية في الفجيرة والمناخ الرطب بيئة مثالية لزراعة الكاكاو، حيث تحتاج أشجار الكاكاو الصغيرة إلى تظليل مناسب، للنمو والحفاظ على الحيوية، مع العلم أن شتلة الكاكاو تنمو بسرعة، وتصبح جاهزة للبيع في غضون شهرين إلى ثلاثة أشهر. وفي ظل دعم دولة الإمارات للكفاءات الريادية في شتى المجالات، تم الاحتفاء بإنجازات أحمد الحفيتي في زراعة الكاكاو، وغيرها من النباتات الاستوائية، ونال جائزة أفضل مؤثر محلي في مجال الزراعة، التي قدمتها «جائزة الشيخ منصور بن زايد للتميّز الزراعي»، في مارس 2024.