ميريل ماثيوز*
يمنح الرئيس دونالد ترامب الاقتصاد الأمريكي، أو بمعنى آخر اقتصاد عهده، علامة A+++++، ويصف أي تشكيك في هذا التقييم بأنه «خدعة من الديمقراطيين». لا شك أن كثيرين من الأفراد والشركات يحققون أداءً جيداً، لكن الارتفاع المتسارع في معدلات الإفلاس، لدى الشركات الكبرى والصغرى، وفي قطاعات الرعاية الصحية والزراعة وغيرها، يكشف عن تحديات اقتصادية حقيقية لا يجوز لصنّاع القرار، خاصة ترامب، تجاهلها.
لنبدأ بالشركات الكبرى، فقد أفاد موقع بزنس إنسايدر بأن بيانات «ستاندرد آند بورز» التي تتعقب حالات الإفلاس تؤكد «أسوأ المخاوف»، إذ تشير إلى أن أعدادها لعام 2025 تقترب من مستويات لم تُسجَّل منذ 15 عاماً، أي منذ «الكساد الكبير». وقد تصل إلى نحو 800 حالة بنهاية 2025. والأكثر إثارة للقلق، في ضوء هدف ترامب المعلن بإحياء التصنيع، أن أعلى معدلات الإفلاس تتركز في قطاع الصناعات، يليه قطاع السلع الاستهلاكية الكمالية، مثل الأزياء.
حسناً، إذا كانت الشركات الكبرى تعاني، فماذا عن الشركات الصغيرة، العمود الفقري الحقيقي للاقتصاد الأمريكي؟ سجل برنامج فيدرالي يسهّل ويُسرّع إجراءات إفلاس الشركات الصغيرة رقماً قياسياً جديداً في عدد القضايا. فبحسب «بلومبيرغ»، قدّم أكثر من 2200 شخص وشركة صغيرة طلبات إفلاس هذا العام بموجب ما يُعرف بقواعد الفصل الخامس. كما ارتفعت أشكال أخرى من الإفلاس إلى أكثر من 180 ألف طلب ضمن الفصل 13، بزيادة تقارب 5% مقارنة بالشهور ال11 الأولى من العام الماضي.
لكن لماذا يحدث ذلك؟ يوضح إدوارد ألتمان، الأستاذ المتخصص في قضايا إفلاس الشركات من جامعة نيويورك، سببين رئيسيين لذلك، الأول أن شركات كثيرة اقترضت خلال الجائحة بأسعار فائدة منخفضة لكنها متغيرة، قبل أن ترتفع هذه الفوائد لاحقاً، لتقع هذه الشركات في مأزق مالي خانق. والثاني أن الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب تضرب بقسوة الشركات الصغيرة والمتوسطة في أنحاء البلاد.
وتتفق بلومبيرغ مع هذا التقييم، مشيرة إلى أن تكاليف الاقتراض المرتفعة، وحذر المستهلكين، والحرب التجارية التي تشنها إدارة ترامب، كلها تضغط على أرباح أصغر الشركات، في وقت هبط فيه تفاؤل المالكين إلى أدنى مستوى له منذ ستة أشهر.
وماذا عن المزارعين؟ تقول يو إس نيوز: إن حالات إفلاس المزارع قفزت إلى 181 حالة في النصف الأول من عام 2025، وهو رقم يقترب بالفعل من إجمالي عام 2024 البالغ 216 حالة.
صحيح أن المزارعين تلقّوا حزمة إنقاذ بقيمة 12 مليار دولار من إدارة ترامب، لكن من المهم أن يفهم الرأي العام لماذا ترى الإدارة هذا الدعم ضرورياً. فالصين كانت لسنوات أكبر مشترٍ خارجي لفول الصويا الأمريكي، إذ استحوذت في 2024 على نصف الصادرات. وعندما فرض ترامب رسوماً جمركية مرتفعة عليها، ردّت بكين بشراء فول الصويا من البرازيل. والنتيجة: مزارعون أمريكيون يدفعون كلفة تخزين محاصيل غير مبيعة، في وقت تنهار فيه الأسعار بسبب فائض المعروض. باختصار، الحرب التجارية عامل رئيسي في معاناة المزارعين واحتمال إفلاسهم.
حتى قطاع الرعاية الصحية، رغم الإنفاق الضخم عليه، لا يبدو في مأمن، إذ تسعى 19 مستشفى ومؤسسة صحية في 2025 إلى الحماية من الإفلاس. وهناك ثلاث شركات رعاية صحية تتجاوز أصولها مليار دولار تقدّمت بطلبات حماية بموجب الفصل 11 هذا العام. ومع تعثر الشركات، يصبح تسريح العمال أمراً متوقعاً، وهو ما يحدث فعلاً. وهناك نحو 4300 شركة أعلنت عمليات تسريح جماعي خلال الأشهر العشرة الأولى من 2025، شملت شركات كبرى مثل «بيل» و«فيرايزون» و«آي بي إم» و«أميركان أيرلاينز». قد يكون بعض ذلك تحت مسمّى إعادة هيكلة، لكن كثيراً منه استعداد لمرحلة قد يتراجع فيها الطلب الاستهلاكي.
قد يقتنع ترامب بأن الاقتصاد بخير، مثلما حاول باراك أوباما وجو بايدن قبله إقناع جمهور متشكك بعدم تصديق ما يراه، أو ما يشعر به من انخفاض في حساباته البنكية، لكن الرؤساء الثلاثة أغفلوا نقطة جوهرية، هي تصوّر الناس عن الاقتصاد. فالإدراك العام هو ما يحسم، ومن الواضح أن الجمهور لا يرى اقتصاداً يستحق علامة «A+++++». ومع معدلات الإفلاس المرتفعة، قد يكون هذا الحكم في محله.
*كاتب مقال وباحث في معهد ابتكار السياسات «ذا هيل»
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
