يبدو عالمنا كما لو كان يتهيأ تدريجياً لـ "زمن الذكاء الاصطناعي"، حيث يسود الحديث حول تأثير الأخير على مختلف المجالات، سواء كانت الصناعية أو الطبية وحتى الأدبية، وسط جدل كبير حول وجود "مبالغات" في تقييم تأثير الذكاء الاصطناعي على مختلف الأنشطة.
وليست سوق الأسهم ببعيدة عن ذلك، إذ يتزايد اعتماد المؤسسات المالية وكذلك الأفراد بشكل مضطرد على الذكاء الاصطناعي، ولكن بشكل متباين في طريقة استخدام كليهما لهذه الأداة التي تغير شكل الأسواق.

تصاعد في الاعتماد الفردي على الذكاء الاصطناعي
فأسواق المال العالمية تتجه نحو حقبة تهيمن عليها الخوارزميات، حيث يسعى كل من المستثمرين الأفراد والمؤسسات الكبرى لتوظيف الذكاء الاصطناعي كأداة لفهم السوق وتوقع تحركاته. والشاهد أن هذا التوجه لم يعد ترفاً تقنياً، إذ تشير بيانات "إي تورو" (eToro) لعام 2025 إلى أن نحو 30% من المستثمرين الأفراد في الولايات المتحدة باتوا يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي وكأداة لاتخاذ القرار وليس لتقديم الاستشارة فحسب.
ويؤشر هذا إلى تزايد واضح في نسبة المعتمدين على الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي، حيث لم تتجاوز هذه النسبة 18% في عام 2024، بما يشير إلى تصاعد اعتماد الأفراد على الذكاء الاصطناعي بشكل لافت.
وعلى الرغم من هذا الإقبال المتزايد من قبل الأفراد، إلا أن هناك فجوة عميقة تفصلهم عن المؤسسات المالية الكبرى وصناديق التحوط، إذ تعتمد المؤسسات على بنية تحتية فائقة التعقيد تمنحها ما يسمى بـ "الميزة التنافسية" ففي الوقت الذي يعتمد فيه الأفراد في أغلبيتهم العظمى على الذكاء الاصطناعي المفتوح، فإن شركة مثل "بلاك روك" تعتمد على نظام "علاء الدين " (Aladdin)، وهو أحد أقدم وأعقد أنظمة الذكاء الاصطناعي، ففي الوقت الذي بدأ فيه "تشات جي بي تي" عمله قبل 3 سنوات، فإن "علاء الدين" يتعلم منذ عام 1988.
وتشير بعض التقديرات إلى أن "علاء الدين" يدير استثمارات تصل إلى 21 تريليون دولار، وهو ما يراه البعض رقماً متحفظاً للغاية في تقدير حجم تأثيره في ظل توسع تأثيره المستمر.

استغلال الفجوات وسرعة التداول
كما أن نظام التغذية في الأنظمة الشبيهة بـ "علاء الدين" يعتمد على المتخصصين بما يجعله أقوى كثيرًا، فشركة مثل "رينيسانس تكنولوجيز" ((Renaissance Technologies، وهي صندوق تحوط يدير استثمارات بمئات المليارات، أنفقت أكثر من 6 مليارات دولار على نظامها للذكاء الاصطناعي.
ويشمل ذلك الاستثمار في الحواسيب الفائقة (Supercomputers) والبيانات البديلة، كما تستعين بمتخصصين في المجال المالي لتغذية نظامها، في حين يظل المستثمر الفرد مقيداً بأجهزة حاسوب شخصية وخدمات سحابية محدودة.
ويجب ملاحظة أن هذا التفوق التقني يمنح الشركات القدرة على التفوق على المتداولين الأفراد، إذ يُقدر بنك "بيبر ساندلر" للاستثمار أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي تُمكن المتداولين المؤسسيين من تحديد "ثغرات" دقيقة في السوق، مما يتيح لهم شراء أسهم ذات إمكانات نمو عالية جداً على المدى القصير قبل أن يتنبه لها بقية المتداولين.
والشاهد على دقة هذه الأنظمة هو ما حدث في قطاع التكنولوجيا بالسوق الأمريكي (ناسداك)، والذي حقق ارتفاعاً بقيمة 100 مليار دولار خلال عام 2023 بفضل هذه الثغرات تحديداً، حيث كان كبار المتداولين المعتمدين على الخوارزميات هم أول من حصد تلك المكاسب الهائلة.
وعلى الرغم من محاولات الأفراد لمحاكاة هذا النجاح، إلا أن كافة عمالقة الاستثمار الذين يهيمنون على هذه المكاسب يعتمدون على "نظم مغلقة" وشديدة السرية، حيث يتم تغذية هذه الأنظمة ببيانات ضخمة من خارج شبكة الإنترنت المفتوحة، مما يمنحهم أسبقية معلوماتية مطلقة.
عباقرة الرياضيات لا الاقتصاد
ولعل أبرز مثال على ذلك من شركة "رينيسانس تكنولوجيز" أيضاً، إذ إن هذه الشركة تُدار بواسطة عباقرة في الرياضيات والإحصاء والفيزياء، قاموا ببناء نظام خوارزميات معقد يحقق أرباحاً صافية تصل إلى 30% سنوياً.

والشاهد أن قوة هذه الشركة تكمن في غموضها، إذ تشترط "رينيسانس" على المستثمرين لديها عدم معرفة أي شيء عن نظامها البرمجي أو كيفية عمله أو حتى مصادر تغذيته بالبيانات، لضمان بقاء "الخطة السحرية" طي الكتمان.
وتبحث هذه الخوارزميات عن أنماط وحركات متكررة صغيرة جداً لا يمكن للتحليل التقليدي ملاحظتها، ثم تقوم بتنفيذ آلاف الصفقات بسرعة هائلة لتحقيق أرباح من هذه الحركات البسيطة التي يمر عنها المتداول الفرد دون أن يلحظها ومع ذلك خسرت الشركة 8% خلال تقلبات أبريل 2025 لأنها لم تكن مسبوقة بهذا الشكل.
استغلال البيانات البديلة
ولا شك أن طبيعة البيانات المستخدمة تشكل حجر الزاوية في هذا الاختلاف بين المؤسسات والأفراد، فحين يكتفي الأفراد بالبيانات المتاحة للعموم كتحركات الأسعار وأحجام التداول، تذهب المؤسسات إلى أبعد من ذلك بكثير عبر استغلال ما يعرف بـ "البيانات البديلة" (Alternative Data).
فعلى سبيل المثال، تستخدم شركات مثل "أوربيتال إنسايت" (Orbital Insight) الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأقمار الصناعية لمواقف السيارات في المتاجر الكبرى للتنبؤ بإيراداتها قبل صدور التقارير الرسمية، وبالتالي تتحرك في السوق بشكل استباقي، وهذا نوع من "الاستخبارات المالية" الذي يظل بعيد المنال تماماً عن متناول الفرد العادي.
وتبرز هنا الموارد الهائلة للشركات في مقابل الأفراد، والتي تترجم مباشرة إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، إذ كشفت تقارير أن صناديق التحوط المعتمدة على الذكاء الاصطناعي حققت عائداً متوسطاً قدره 8.93% في عام 2022، في وقت كان فيه متوسط أداء صناديق التحوط التقليدية يسجل خسارة بنسبة 4.2%.
وتشير دراسة لـ "ديلويت" إلى أن معظم الاستراتيجيات الفردية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي تفشل في التغلب على السوق على المدى الطويل بسبب محدودية نماذج التعلم التي تستخدمها، وكونها في أغلبها نماذج عامة مثل "جيميناي" أو "تشات جي بي تي".
وكذلك تبرز سرعة التنفيذ كفارق جوهري، إذ يسيطر التداول عالي التردد المدعوم بالذكاء الاصطناعي على ما يقرب من 60-70% من حجم التداول في بورصة نيويورك، حيث يمكن للأنظمة المؤسسية تنفيذ الصفقات في جزء من الميكروثانية، بينما يظل تداول الأفراد يدوياً أو شبه آلي يستغرق دقائق أو ساعات.

ويجب ملاحظة أن هذا التفوق ليس تقنياً فحسب، بل هو من حيث الكوادر والمصادر أيضاً، حيث يتجاوز راتب خبير تعلم الآلة في صندوق تحوط كبير 250 ألف دولار سنوياً، مما يضمن للمؤسسات استقطاب أذكى العقول لتطوير خوارزميات التعلم المعزز التي تفتقر إليها استراتيجيات الأفراد.
وعلى ذلك، يمكن القول إن التنافس بين الأفراد والمؤسسات في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي يشبه سباقاً بين سيارتين، إحداهما عائلية عادية، والأخرى "فائقة" متخصصة في تحقيق سرعات قياسية.
ولذلك، فعلى الأفراد قصر اعتمادهم على الذكاء الاصطناعي بوصفه أحد مصادر "المشورة" وليس كوسيلة وحيدة لاتخاذ القرار.
المصادر: أرقام - ديلويت - فوربس - نيويورك تايمز - ياهو فاينانس - كلية لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
