تنوّعت مشارب الشاعر الروائي والباحث في الفلسفة الدكتور نايف الجهني، فالصِّلَةُ الوثيقة بالقصيدة، عرّفتنا عليه «سريعاً كمن لا يمرّ» وعلاقته بالمكان جمعتنا به في «شمال الروح»، وعشقه للبيئة فتح لنا «نوافذ القيصوم»، وتأملاته الكونيّة أنتجت للمعرفة «الكارما في الإسلام» و«صوفيولوجيا وعي اللحظة بذاتها»، وافتتانه بالسرد ولّد «الحدود».. وبين مسؤوليات ثقافية وعمل أكاديمي لا يزال يتطلّع لمزيد من العطاء، مما يرى أنه ينفع الناس، ويُخفف ثقل الأرواح، ويجدد تواصله مع كونيات وما يستجد من كشوفات، وهنا بعض من تجلّيات التجربة، فإلى نصّ الحوار:
• كيف تقدّم مشروعك الفكري اليوم في ظل تنوّع انشغالاتك بين الأدب والتاريخ والفكر؟
•• في إطار الحركة الخاصة بنشاطي الإبداعي عموماً، أقدّم مشروعي كنسيجٍ واحدٍ يجمع بين الأدب والتاريخ والفكر، وليس كحقولٍ منفصلة. فالاشتغال على النص الأدبي يكون ناقصاً دون فهم سياقه التاريخي، وتحليل الأحداث التاريخية، ويكون سطحيّاً دون الغوص في الخطابات الفكرية التي صاغتها. هدفي هو بناء رؤية متكاملة تُظهر كيف يتشكّل الوعي الإنساني عبر تفاعل هذه المستويات، فالأدب هو سجلّ التجربة الوجدانية، والتاريخ هو إطارها الزمني، والفكر هو أدوات تفكيكها. أنطلق من أنّ المعرفة وحدةٌ عضوية، وأحاول كشف الحوار الخفيّ بين هذه المجالات. لذلك يبدو أن تجربتي متفرعة، لكنها في العمق تبدو شيئاً واحداً يعبِّر عن طبيعة الأدوات التي يستخدمها، وطبيعة المعنى الذي أسعى لصياغته.
• في كتابك «الكارما في الإسلام»، ما الدافع المعرفي لمعالجة هذا المفهوم من زاوية إسلامية؟
•• لعل هذا الكتاب الذي صدر عام ٢٠٠٩، وما زال مطروحاً للقراءة في طبعته السابعة، هو أقرب كتبي إلي؛ بسبب الهدف من تأليفه، ويمكنني القول إن الدافع الأساس هو دافعٌ معرفيٌ بحت، ينطلق من رغبة في فتح حوارٍ بين الحضارات عبر «المفاهيم الجسر». بحثت عن تجلّيات فكرة «ترابط الأفعال والعواقب» في الموروث الإسلامي، من خلال مفاهيم كـ«الجزاء» و«السنن الإلهية» وأن لكل فعل رد فعل. والحياة تقوم على قانون «الكارما»؛ أي أن أي دَيْن في الكون لا يذهب هباءً، بل يجب أن يُسدد، وينال الإنسان نتيجة ما فعل. وعلى أية حال، لم يكن الهدف تلفيقاً أو تقريباً قسرياً، بل تفكيك المركزية الثقافية وإبراز أنماط التفكير المشتركة في المسائل الكبرى الثقافات المختلفة، إذ كان تأصيلاً إسلامياً وتصحيحاً لبعض المفاهيم المغلوطة، وإيضاح وجود هذه القوانين في ديننا، ليستفيد القارئ ويصحح مساره الأخلاقي، ليتعافى من أي مرض ويتجنَّب الأفعال ذات الحصاد المر. كما أنه يوسّع دائرة الفهم وينقذ المفاهيم من احتكار ثقافي واحد.
• إلى أي مدى يستطيع الكاتب تبسيط الفكرة العميقة دون المساس بجوهرها؟
•• التبسيط الحقيقي هو «التكريس» وليس «التقليص»، فهو عمليةٌ شبيهةٌ بالنحت؛ إزالة الزوائد للكشف عن الصورة الجوهرية دون المساس بقلبها. يمكن استخدام المجاز أو القصة أو الصورة المكثَّفة التي تحمل في طياتها طبقات المعنى، وتترك للقارئ باباً يدخل منه إلى العمق. فالتبسيط العبثي هو الذي يقدّم جواباً مغلقاً، أما المنطلق من حالة وعي وإمكانات جيدة، فيقدّم سؤالاً مفتوحاً بلغة واضحة، يحفّز فضول القارئ للتعمُّق أكثر، ويجعل أمامه فضاءات رحبة واحتمالات عديدة للتلقي والفهم.
• كيف ترى موقع الشعر اليوم؛ بوصفه ظاهرة ثقافية في المشهد الفكري العام؟
•• يقع الشعر اليوم في الهامش الظاهر للمشهد الثقافي الجماهيري، لكنه يحتفظ بموقعه كـ«مقاومة وجودية» و«ضمير لغوي». لم يعد المصدر الرئيسي للتعبير الجمعي، لكنه تحوّل إلى فضاء للحفاظ على الخصوصية والكثافة والدقة في زمن التعميم والسرعة.
• هل ما زال الشعر قادراً على التأثير في الوعي الجمعي؟ أم تراجع دوره؟
•• تراجع تأثيره المباشر والسريع، لكنّ تأثيره التحويلي والتأسيسي ما زال قائماً. فالشعر يصوغ الاستعارات الأساسية التي تنتقل لاحقاً إلى الخطاب العام، ويرطب اللغة الجافة، ويخلق مساحات للتأمل تقاوم جفاف الخطابات النفعية. دوره أشبه بدور «الماء الجوفي» الذي يغذي التربة الثقافية على مدى بعيد، فهو لا يخلق وعياً جمعياً لحظياً، بل يغذّي الروافد التي تصب فيه على المدى الطويل.
• ما التحدي الأكبر الذي يواجه الخطاب الثقافي الجاد في زمن السرعة؟
•• التحدي المركزي هو اختفاء «الزمن المعرفي» الضروري للفهم. فالسرعة لا تعني فقط قلة وقت القراءة، بل تعني تشكيل عقليةٍ تفضل «المعلومة القطعية» على «التفكير المتشعب»، و«الخلاصة الجاهزة» على «رحلة الاستقصاء».
• كيف تستطيع الروح البشرية أن تظلَّ متوازنة بين ثقل الوجود وسُكر المعنى، في عالمٍ يبدو أحياناً كحلمٍ غامض، وأحياناً كمعادلةٍ رياضية قاسية؟
•• الروحُ الواعيةُ كالنَّجم؛ تُدرك أنَّها تحترق في فراغٍ لا نهائي، لكنَّ هذا الاحتراقَ ذاته هو ما يمنحُها نوراً. التوازنُ لا يكون بالثبات، بل بالرقصِ فوق الهُوَّة، حاملين ثقلَ الأبعادِ الكونية في يد، وسُكرَ المعاني في الأخرى. العالمُ حلمٌ لأنَّنا ننسجُه بخيالنا، ومعادلةٌ لأنَّنا نبحثُ عن منطقٍ فيه، والوعيُ هو الجسرُ بينهما.
• هل الشعرُ لغةٌ تسبق الفلسفة؟ أم أنَّ الفلسفةَ هي الشِّعرُ المُتعقَّل؟ وأين يلتقيان في رحلتك الإبداعية؟
•• الشعرُ ينبوعُ الحكمة الأول، والفلسفةُ جدولُها المُنظَّم. الشعرُ يسبقُ لأنَّه لغةُ الدهشة الأولى أمام الوجود، والفلسفةُ تليه لأنَّها تأمُّلُ الدهشة. في مساحتي الإبداعية، يلتقيان كتوأَمَين؛ الشعرُ يمنحُ الفلسفةَ أجنحةً، والفلسفةُ تمنحُ الشعرَ عظاماً. كلاهما بحثٌ عن الحقيقة، لكنَّ الشعرَ يبحثُ عنها بقلبٍ نابض، والفلسفةُ بمنطقٍ متأمِّل.
• إذا كانت الحقيقةُ تُبنى عبر الزمن، فكيف نعرفُ أنَّ ما نعتقده اليومَ حقيقةً وليس مجرَّد وهمٍ جميلٍ نخلقه لنحمي أنفسنا من فراغ الكون؟
•• الحقيقةُ ليست تمثالاً يُنحت مرةً واحدة، بل نهرٌ يتغيَّرُ مجراه مع كلِّ وعيٍ يعبرُ فيه. ما نسمِّيه اليومَ حقيقةً هو الجسرُ الذي نعبرُ به إلى غدِنا. حذرنا من أن يكون وهماً جميلاً هو بالضبطِ ما يحمينا من الجمود. الوهمُ يُصبحُ خطراً فقط إذا اعتقدنا أنَّه المحطةُ الأخيرة، لا المحطَّةُ المؤقتة.
• ما دور الجمال في إنقاذ الإنسان من العبث؟ وهل يمكن للفن أن يكون خلاصاً وجودياً؟
•• الجمالُ هو الهمسُ الذي يذكِّرنا بأنَّ الكونَ ليس آلةً صماء. الفنُّ لا يُقدِّمُ إجاباتٍ بقدر ما يُعيدُ صياغةِ الأسئلةِ بطريقةٍ تجعلُ العبثَ يترنَّم. الخلاصُ لا يكونُ بالهروبِ من العبث، بل بتحويلِه إلى رقصةٍ ذاتِ معنى. الفنُّ العظيمُ هو الذي يُعلِّمنا أن نعيشَ السؤالَ نفسَه كإجابةٍ مؤقَّتةٍ جميلة.
• في مشروعك النقدي الفلسفي لنصوص الشعراء.. كيف تَسْتَخْرِجُ الميتافيزيقا الكامنة في الصور الشعرية؟ وهل ترى أن القصيدة يمكن أن تكون «نسيجاً كونياً» يُقرأ بمنظار الوجود قبل أن يُقرأ بمنظار الجمال اللغوي؟
•• النقد الفلسفي للشعر ليس تفكيكاً للقصيدة، بل استنطاقٌ لصمتها. كلُّ قصيدة عظيمة هي كونٌ مصغَّر، فيها هندسةٌ وجوديةٌ تسبقُ البلاغة. حين أقرأ الشعر، أبحثُ عن «النبض الميتافيزيقي» الذي ينبض تحت السطح اللغوي. القصيدةُ وثيقةٌ كونيةٌ تكشفُ كيف يلمسُ الوجدانُ الإنسانيُّ الأسرارَ الكبرى للوجود، قبل أن تُترجَم إلى كلمات.
• كيف تُقيم التحوّلات الجذرية في المشهد الثقافي السعودي الحالي؟ وهل ترى أنَّ ما يُسمى «الصحوة الثقافية» رد فعل على هيمنة الخطابات السابقة؟ أم هي ولادةٌ جديدةٌ لوعيٍ إبداعيٍ مُتأصّلٍ في الأرضية الروحية والاجتماعية للمملكة؟
•• المشهد الثقافي السعودي اليوم يشهدُ «ولادةَ وعيٍ ثانٍ»، ليس قطيعةً مع الماضي، بل نضج له. الصحوةُ الثقافية الحقيقية هي التي لا ترفضُ الموروث، بل تُعيدُ اكتشافَه في ضوء أسئلة العصر. اليومَ، نرى إبداعاً يجمعُ بين الأصالةِ والتجريب، بين العمقِ الروحيِّ والجرأةِ الفكرية. هذا ليس موجةً عابرة، بل تحولٌ بنيويٌ يعكسُ انفتاحَ الوعي الجمعي على ممكناتٍ جديدةٍ للهُوية.
• كيف ترى، من خلال مشروعك الفلسفي، مشروع الدكتور عبدالله الغذامي، وأطروحاته في النقد الثقافي؟
•• رغم العلامة الفارقة التي أحدثها الناقد الاستثنائي الغذامي في المشهد الثقافي، إلا أن مشروعه، برأيي، يحمل مفارقةً تأسيسيةً: بينما يرفع شعار تفكيك السلطات الثقافية (البلاغة، المؤسسة، المؤلف)، فإنه يؤسس لسلطة نقدية جديدة أكثر مركزيةً وحِدّة. يتحول الناقد من قارئٍ إلى قاضٍ، يحتكر التأويل ويختزل النص الإبداعي المعقد، بجماليته ووجده، إلى مجرد «دليل إثبات» في محكمة «القُبحيات» و«العيوب النسقية» التي يفترضها.
وعلى الرغم من قيمة الصدمة التي أحدثها في النقد التقليدي، فإن الوعي الأعمق يرى في مشروعه «خللاً فلسفيا» أكثر منه تشخيصاً شافياً. لقد أرانا كيف يمكن للنقد أن يتحول إلى أيديولوجيا مغلقة، وكيف يمكن لتفكيك السلطات أن يؤسس لاستبداد جديد. الخلل الجوهري هو انزياحه من النقد كحوار إلى النقد كحكم نهائي، وإهماله الحقيقة الأساسية: أن الفن العظيم هو حيث تتعانق عيوبنا البشرية مع شغفنا المتعالي بالجمال، دون إلغاء أحدهما للآخر.
• وماذا عن تجربة الناقد الدكتور سعيد السريحي، هل أعطت المشهد ما يريده؟
•• تجربة الرائع سعيد السريحي النقدية، التي لم تتنازل عن أنفاس الفن داخل رئتها؛ هي محاولةٌ جذرية لتأسيس «أركيولوجيا المفاهيم» العربية، حيث يحفر في طبقات الخطاب لتفكيك الأنساق الثقافية المهيمنة وتحرير المعرفة من تمَأْسُسِها. يتحوّل النقد عنده إلى فعل تحرّري، يستخدم أدوات حداثية لكسر «حجاب العادة» الفكري الذي يجمد تراثنا وخطابنا المعاصر. غير أن القيمة الأعلى لمشروعه تكمن في نقده الذاتي الجذري، حيث اعترف لاحقاً بأن حركة الحداثة النقدية، في سعيها النظري، استخدمت النص الشعري أداتياً، مُجتَزِئةً إياه لدعم أطروحاتها، وتنازلت عن الحكم الجمالي، مما أسهم في تعطيل تطور النقد وفساد الذائقة. هكذا يبقى السريحي بَانياً ومنقضاً في آن: يُقدّم مشروعاً تحليلياً ضخماً، ويُجسّد بوعيه المأساوي بالمأزق حدود أي مشروع نقدي، داعياً إلى تواضع معرفي أمام النص الذي يفلت دوماً من قبضة النظرية.
• برأيك، هل ما زال الناقد محمد العباس في دائرة النقد الأدبي، أم أنه تجاوزها إلى آفاق أخرى؟
•• يبقى محمد العباس ناقداً أدبياً متجذراً في تحليل النص الشعري والسردي، عبر مشروع نقدي يتابع تطوراته بدقة، كما في «ضد الذاكرة». لكن مشروعه يتجاوز الأدب إلى النقد الثقافي عبر منجزات مثل «صنع في السعودية» و«تويتر مسرح القسوة»، حيث يحلل الظواهر المجتمعية والخطاب الرقمي. يمزج بين التحليل الجمالي والتشريح الاجتماعي، مركزاً على النص ككيان مستقل وحاملاً لصراع الهويات، مما يوسّع دائرة النقد لتصبح مساحة لقراءة الوجود المعاصر في شموليته. إنه لا يغادر النقد الأدبي بل يوسّع حدوده إلى آفاق ثقافية وفكرية أوسع.
• ماذا عن الروائيين السعوديين، وهل تداخلت أعمالهم مع الفلسفة، ومن المختلفون منهم برأيك؟
•• تشهد الرواية السعودية المعاصرة، وخصوصاً في أجيالها المتوسطة والشابة، تحولاً جوهرياً من السرد الواقعي المحض إلى فضاء التأمل الفلسفي، حيث يصبح النص الروائي مختبراً لتجارب الوجود والهوية والذاكرة.
ويتجلى البعد الفلسفي فيها عبر استراتيجيات متباينة: حفريات في التراث الفلسفي والصوفي، كمحمد علوان، أو تحويل الموروث الشعبي إلى استعارة وجودية كعبده خال، أو تشريح الواقع لاستنباط أسئلة جوهرية، بلغة يفتقدها الكثيرون كـ(عواض العصيمي). هذا التنوع هو الذي يؤسس لثراء المشهد، حيث تتحول الرواية من فن الحكاية إلى أداة للمعرفة والتأمل في شروط الوجود الإنساني في عصر مليء بالتحولات.
وتتميز تجربة رجاء عالم باتخاذها من الكتابة «طقسَ تعرية» وجودي. تُدخل القارئ إلى قلب الهامش الاجتماعي والديني في مجتمع محافظ، محوِّلة الفضاءات المغلقة إلى ساحات صراع ميتافيزيقي بين الجسد والروح، الخطيئة والقداسة. بأسلوبها الواقعي-الشعري الحاد، تحفر في التابوهات وتكشف الهشاشة الإنسانية تحت قشرة اليقين، مبدِّلةً التفاصيل المحلية إلى أسئلة كونية عن الحرية والإيمان والهوية في عالم تتصادم فيه العوالم.
• بوصفك باحثاً في الدراسات البينية بين العلوم، كيف تتصور الجسورَ التي يمكن بناؤها بين المنطق الفلسفي واليقين العلمي؟ وهل هناك «لغة كونية» يمكن أن تتحدث بها الرياضيات والشعر والفلسفة معاً؟
•• الدراسات البينية هي «فنُّ بناء الجسور بين جزر المعرفة». العلمُ يقدمُ لنا «الكيف»، والفلسفةُ تُقدِّمُ لنا الـ«لماذا». اللغةُ الكونية التي أبحثُ عنها ليست رياضيةً بحتة ولا شعريةً بحتة، بل هي لغةُ «النماذج الفكرية» التي يمكن أن تنتقلَ بين الحقول. الشعرُ يُلهم، والفلسفةُ تُعمِّق، والعلمُ يُثبِّت، معاً يصنعون معرفةً كُليةً تكسرُ حواجزَ التخصص الضيق.
• إذا جمعنا مشاريعك كلها؛ (النقد الفلسفي للشعر، التأليف الفلسفي، التحليل الثقافي، والدراسات البينية)، فهل يمكن القول إنك تَبْنِي «منظومةً فكريةً متكاملة» تهدف إلى إعادة ربط ما فصله التخصصُ الحديث من أوصال المعرفة والوجود؟
•• نعم، مشاريعي كلها حلقاتٌ في دائرةٍ واحدة هدفها إعادةُ «توحيد المعرفة» بعد أن شتتها التخصصُ المفرط. النقدُ الفلسفي للشعر يربطُ الفنَّ بالوجود، والكتبُ الفلسفية تربطُ الوعيَ بالكون، والتحليلُ الثقافي يربطُ التراثَ بالحداثة، والدراسات البينية تربطُ العلومَ بالإنسانيات. الرؤيةُ الكلية هي نظرةٌ «تكاملية» تعيدُ للفكرِ اتساعَه، وللروحِ اتزانَها، وللحضارةِ إنسانيتها.
• في زمن تُقدّسُ الأسماءَ أكثرَ من الأفكار، كيف تفسرُ ظاهرةَ «صنمية المبدعين» في المشهد الثقافي؟ وهل ترى أنَّ بعضَ النجومية الثقافية أصبحتْ عبئاً على حرية الفكر، إذ يُحتَفى بالشخصِ أكثرَ مما يُحتفى بالرؤية التي يحملها؟
•• الصنميةُ الثقافيةُ هي الوجهُ الآخرُ لفراغِ الروح الجمعية. حين يتحوَّلُ المبدعُ إلى أيقونةٍ تُعبَد، يُقتَلُ فيه جوهرُ الإبداع؛ حريةُ التشكيك، وجرأةُ التجريب، وحقُّ السقوط. النجمةُ الثقافيةُ تصيرُ سجناً مذهباً حين يُقدَّسُ هتافُ الجماهيرِ أكثرَ من صمتِ التأمل.
• ازدواجية العامية والفصحى في تجربتك، هل كانت اتساعاً وثراءً أم تشتتاً وعدم تركيز؟ خصوصاً أنك الوحيد الذي تمسّك بحضوره في هذين العالمين.
•• هذه الازدواجيةُ هي حوارٌ كونيٌّ داخل لغتي.
الفصحىُ هي مركزيَّ الجَوهريّ، قصرِي العالي المُطلِّ على أفق المطلق والأزل.
والعاميةُ هي جذوريَّ الأرضية، نهرٌ يجري في وادي الواقع اليوميّ، حاملاً روائح القهوة، وهمسات الحارات، ودفءَ الحديث العائلي.
لم يكن هذا تشتتاً، بل كان اتساعاً مُتعمَّداً؛ فالفصحى تحفظُ للفكر صفاءَه وجلاله، والعاميةُ تُعيدُ له حرارةَ الحياة ورشاقتَها.
• ما رأيك بتجربة «الشريك الأدبي»، وجعل الثقافة في متناول الجميع؟
•• الشريكُ الأدبيُّ فكرةٌ جميلةٌ كمائدةٍ عامرةٍ يُدعى إليها الجائعُ قبل الشَّبْعان، لكنَّ خطرَها يكمُنُ في أن تتحوَّلَ الثقافةُ إلى سلعةٍ سريعة الاستهلاك.
جعلُ الثقافة في المتناول ضرورةٌ أخلاقية كالماء والهواء، لكنَّ الأدبَ والفلسفة ليسا خبزاً يُلقى، بل بذورٌ تُزرع. المشكلةُ ليست في «المتناول»، بل في تقديم المُتاح كبديلٍ عن العميق.
أؤمنُ بأنَّ الثقافةَ الحقيقية تُبنى كسلَّم؛ درجاتٌ أولى بسيطةٌ ترفعُ القارئَ رويداً نحو القمم.
الشريكُ الأدبيُّ قد يكونُ تلك الدرجةَ الأولى، لكنَّه لا يُغني عن صعودِ الجبلِ كاملاً، عن التعبِ، وعن الدهشةِ، وعن الوحدةِ التي تسبقُ الاستنارة.
الثقافةُ ليست للجميع إذا قصدنا بها الترفيه، وهي للجميع إذا قصدنا بها الحقَّ في التساؤل.
عبدالله الغذامي يختزل النص الإبداعي إلى مجرد «دليل إثبات» في محكمة «القُبحيات»
سعيد السريحي استخدم أدوات حداثية لكسر «حجاب العادة» الفكري
محمد العباس يوسّع دائرة النقد لتصبح مساحة لقراءة الوجود المعاصر
عبده خال حوّل الموروث الشعبي إلى استعارة وجودية
رجاء عالم تحفر في التابوهات وتكشف الهشاشة الإنسانية
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
