لطالما اعتُبرت مداخن مصانع الصلب في الصين مؤشرًا لحيوية الاقتصاد العالمي وقطاع الإنشاءات على وجه الخصوص، غير أن هذا المشهد يشهد تحولًا هيكليًا منذ عام 2021. وبين مطرقة تراجع القطاع العقاري محليًا وسندان الضغوط البيئية والقيود التجارية الدولية، انتقلت بكين من سياسة التوسع الكمي إلى إدارة أكثر صرامة للقطاع، واضعةً أفقًا تنظيميًا يمتد حتى عام 2030، في مسعى لإعادة التوازن وضمان بقاء الكيانات الأكثر كفاءة في سوق لم يعد يحتمل فائض الإنتاج.

تحول هيكلي

- انخفض إنتاج الصين من الصلب الخام بنسبة 4% على أساس سنوي خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2025، ما يضع الإنتاج السنوي على مسار الهبوط إلى ما دون مليار طن للمرة الأولى منذ 2019. ويعكس هذا التراجع التأثير المباشر لأزمة العقارات الممتدة، التي قلّصت الطلب المحلي بعد سنوات من الاعتماد عليها كمحرّك رئيسي للاستهلاك.

ضعف الاستهلاك

- تتوقع المعاهد البحثية التابعة للدولة تراجع الطلب المحلي بنسبة 1.5% في عام 2025 ليصل إلى 850 مليون طن، بعد انخفاض بنسبة 4.4% في 2024، وهو ما دفع المخطط الاقتصادي الصيني إلى التأكيد على ضرورة تعميق إصلاحات جانب العرض لتعزيز الكفاءة الإنتاجية بدلاً من التركيز على الكم.

تراخيص التصدير

- لمواجهة تزايد الحمائية التجارية عالمياً، كشفت بكين عن خطة لتطبيق نظام ترخيص الصادرات اعتباراً من عام 2026 ليشمل نحو 300 صنف من المنتجات المرتبطة بالصلب؛ وتأتي هذه الخطوة الاستباقية بعد أن أثارت الصادرات الصينية القوية ردود فعل غاضبة في دول عدة، اتهمت الصين بإغراق الأسواق بمنتجات رخيصة تضر بالصناعات المحلية.

حوكمة قوية

- أعلنت الصين استمرار تنظيم إنتاج الصلب الخام ومنع إضافة قدرات جديدة غير قانونية خلال الفترة 2026–2030، ضمن إطار الخطة الخمسية الخامسة عشرة، وتتوقع "فيتش" انخفاض إنتاج الصلب في الصين بنسبة 4.5% نتيجة لتشديد ضوابط الإنتاج وزيادة الحواجز التجارية، ما سيؤدي لتراجع الصادرات إلى 109 ملايين طن في عام 2026، من توقعات الوكالة البالغة 118 مليون طن في عام 2025.

تفاؤل حذر

- تتوقع منظمة الصلب العالمية "ورلد ستيل" استقرار الطلب في 2025 عند 1.75 مليار طن، مع تعافٍ طفيف بنسبة 1.3% في 2026؛ وصرح "ألفونسو هيدالجو دي كالكيرادا"، كبير الاقتصاديين في جمعية منتجي الصلب الإسبانية، بأن هناك "تفاؤلاً حذراً" بوصول الطلب العالمي إلى أدنى مستوياته في 2025، على أن يشهد نموًا معتدلًا في عام 2026.

تباين إقليمي

- في مقابل التراجع الصيني، تبرز الهند كمحرك للنمو؛ حيث يُتوقع أن يرتفع الطلب هناك بنسبة 9% خلال عامي 2025 و2026، مدفوعاً ببرامج البنية التحتية والنمو الصناعي؛ كما أشارت "فيتش" إلى أن التباطؤ في الصين سيُقابَل بنمو في أسواق أخرى مثل دول "آسيان" والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يدعم نظرة مستقبلية محايدة للقطاع عالميًا.

الحواجز الأوروبية

- تستعد المفوضية الأوروبية لتشديد قيود الاستيراد بدءاً من يوليو 2026، بما في ذلك خفض حصص الاستيراد بنسبة 47% لتصل إلى 18 مليون طن سنوياً، ومضاعفة الرسوم الجمركية على الشحنات التي تتجاوز الحصص لتصل إلى 50%، كما سيبدأ تفعيل آلية ترفع تكلفة الواردات كثيفة الكربون، ما يضع ضغوطاً إضافية على المصدرين الصينيين بضرورة التحول نحو "الصلب الأخضر".

* باستثناء التجارة البينية داخل التكتل

الزخم الأفريقي

-  يشهد الطلب على الصلب في أفريقيا تحولاً كبيراً بعد عقد من الركود، حيث سجل نمواً بمتوسط 5.5% سنوياً منذ 2023 ليصل إلى 41 مليون طن في 2025، ويعزى هذا الزخم إلى تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي وبرامج التنويع الاقتصادي في دول مثل مصر وشرق أفريقيا، ما يفتح آفاقاً جديدة للموردين الدوليين في ظل تشبع الأسواق التقليدية.

أسواق الخام

- تواجه شركات التعدين الكبرى مثل "بي إتش بي" و"ريو تينتو" مرحلة من تقلبات الأسعار مع تراجع شهية أكبر مستهلك للحديد الخام في العالم، ومع توجه الصين نحو تحسين كفاءة الأفران واستخدام تقنيات إنتاج أنظف، قد يتغير الطلب نحو درجات أعلى من الخامات، ما يعيد رسم خارطة الموردين المفضلين لدى المصانع الصينية.

بقاء الأصلح

- تختزل اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح هذا التحول في مبدأ "بقاء الأصلح" مع انتقال صناعة الصلب الصينية من النمو القائم على الحجم إلى نموذج يرتكز على القيمة والكفاءة؛ وبحلول عام 2030، يُتوقع أن تكون صناعة الصلب الصينية أكثر تركزاً وهيمنة للكيانات الكبرى القادرة على الاستثمار في التكنولوجيا ومواجهة تحديات الكربون والتجارة، بما يقود في النهاية إلى إعادة توازن سوق الصلب العالمي.

المصادر: أرقام – فيتش - بلومبرج – رويترز – ميتال ووركينج نيوز – ستيل لاند – ورلد ستيل – ديسكفري ألرت