مرصد مينا أثارت سلسلة من الانهيارات الأرضية المفاجئة في العاصمة الجزائرية تساؤلات واسعة بين السكان والسلطات، بعد ظهور حفر عميقة في أحياء متفرقة، وسط حديث متجدد عن وجود شبكة أنفاق قديمة غير موثقة تمتد تحت المدينة. وشهدت بلدية باب الوادي أولى هذه الحوادث حين انهارت الأرضية بشكل مفاجئ، مخلفة حفرة كبيرة حيرت السكان وأثارت مخاوف من تكرار الحادث. السلطات سارعت إلى تأمين الموقع، إلا أن الغموض زاد مع ظهور حفرة أخرى مشابهة في بلدية الأبيار بعد يومين فقط، ما استدعى إغلاق الشارع الرئيسي بالمنطقة مؤقتاً بانتظار تدخل اللجنة التقنية المختصة. وسبق هذه الحوادث انهيار جزئي على الطريق السيار الوطني رقم 5، تطلب تدخلاً عاجلاً لردمه من قبل الجهات المعنية. في هذا السياق، أوضح جمال شرفي، الخبير الدولي في العمران ورئيس المجلس العربي الأعلى للعمارة وتطوير المدن، أن ما يحدث ليس مفاجئاً لمن يعرف تاريخ الجزائر العاصمة، التي شُيدت فوق هضبة منذ الحقبتين الفينيقية والرومانية. وأشار إلى أن أعمال الحفر لمشروع “ميترو الجزائر” كشفت في وقت سابق عن أنفاق يصل عمقها إلى 30 متراً تحت ساحة الشهداء. كما أوضح شرفي أن مدينة الجزائر شهدت خلال فترة الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر اعتماداً على هندسة مستلهمة من باريس، عبر إنشاء قنوات صرف مياه الأمطار تحت الأرض قبل بناء الطبقة السكنية، وهو ما أدى إلى تشكّل شبكة أنفاق معقدة امتدت من مرتفعات بوزريعة إلى الأبيار، لتنتهي في البحر. ووصف هذه الشبكة بـ”المتاهة”، مؤكداً أنها استُخدمت خلال فترة العشرية السوداء في التسعينيات من قبل الجماعات المسلحة للاختباء، ما دفع السلطات لاحقاً إلى إغلاقها. إلا أن عدم توفر خرائط دقيقة لهذه الأنفاق لا يزال يمثل عائقاً أمام ضبط البنية التحتية، خاصة في ما يتعلق بتصريف مياه الأمطار. وختم شرفي بالقول إن ما يحدث اليوم ليس نتيجة ظواهر طبيعية بقدر ما هو انعكاس لتراكمات عمرانية مهملة، مؤكداً على ضرورة تحيين وثائق ومخططات المدينة السفلية لتفادي مزيد من الحوادث.