رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن سوريا بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، بعد زوال سبب فرضها، ولأنها تشكل عقبة أمام النهوض بالبلاد والحفاظ على استقرارها. وكانت إدارة الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن قد رفعت مؤقتا بعض العقوبات، فى صيغة استثناءات، لكن دمشق أكدت أن هذه الاستثناءات لن تسفر عن أثر ملموس على حياة السوريين، بسبب حجم وكمية العقوبات المدججة بسلسلة من القوانين والأوامر التنفيذية الصادرة عن الكونجرس ووزارة الخزانة الأمريكية. وجاء إعلان الولايات المتحدة عن قرارها رفع العقوبات عن سوريا أثناء زيارة الرئيس الأميركى دونالد ترامب إلى السعودية فى مستهل جولة خليجية، حيث التقى بنظيره السورى أحمد الشرع، مؤكدا العمل على تطبيع العلاقات بين البلدين. العقوبات الأمريكية قبل 2011 فرضت الولايات المتحدة أولى عقوباتها على سوريا فى ديسمبر 1979، عندما أدرجتها على قائمة الدول الراعية للإرهاب، بسبب دعم دمشق المعلن لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية وتدخلها العسكرى فى لبنان. ونتج عن التصنيف فرض حظر شامل على صادرات الأسلحة والمبيعات الدفاعية لسوريا، وقيود على تصدير الولايات المتحدة المواد ذات الاستخدام المزدوج المدنى والعسكري. وفى عام 2004، كانت سوريا على موعد مع أول حزمة قانونية أميركية فرضت عقوبات متعددة المستويات، حيث أقرّت إدارة الرئيس جورج بوش الابن عام 2003 قانون "محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية"، وبدأ تطبيقه رسميًا فى مايو 2004 وذلك بهدف إنهاء الوجود السورى فى لبنان، ومعاقبة نظام الأسد على تسهيل عبور المقاتلين والأسلحة من سوريا إلى العراق إبان الغزو الأمريكي. فى الجانب العسكري، تتضمن العقوبات حظر ومراقبة استيراد نظام الأسد لأى مواد يمكن أن تُسهم فى الصناعات العسكرية. وعلى الصعيد الدبلوماسي، تم تقييد حركة البعثة الدبلوماسية السورية فى واشنطن ونيويورك وتقليل الاتصالات الدبلوماسية بين البلدين. أما على المستوى الاقتصادي، فقد شمل الحظر منع شركات الطيران المملوكة للدولة السورية من الإقلاع أو الهبوط أو التحليق فوق الأراضى الأمريكية، وحظر تصدير جميع المواد المنتجة فى أمريكا، باستثناء المواد الغذائية والطبية. وسحبت الولايات المتحدة الأمريكية سفيرتها فى دمشق مارغريت سكوبى عام 2005، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريري. وفى إطار التفويض الممنوح للرئيس الأميركى بموجب قانون محاسبة سوريا، أصدر بوش قرارات لاحقة سمى فيها 20 مواطنًا سوريًا وشركات سورية بعينها، حُظر عليهم النفاذ إلى النظام المالى الأمريكى على خلفية تورطهم فى "أنشطة إرهابية تزعزع استقرار العراق ولبنان". وتوسعت العقوبات فى عام 2006 مرة أخرى ولكن بموجب قانون مكافحة الإرهاب الأميركى باتريوت، لتشمل القطاع المصرفى السوري، حيث استهدفت بشكل مباشر البنك التجارى السوري. وحظرت كافة أنواع التعاملات المالية بين البنوك الأميركية والبنك التجارى السوري، وقد تم تجديد هذا القانون مرة أخرى من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما فى مايو 2010. وبعد وصول الرئيس باراك أوباما للسلطة فى واشنطن عام 2009، رفعت إدارته فى فبراير 2010 العقوبات الدبلوماسية وقام بتعيين الدبلوماسى روبرت فورد كأول سفير أمريكى فى دمشق منذ 2005، ولكنها جددت بقية العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانونى محاسبة سوريا وباتريوت. العقوبات الأمريكية بعد الثورة اتسمت مرحلة ما بعد العام 2011 بفرض عقوبات متتالية بلغت ذروتها عام 2020 مع إقرار قانون قيصر، وتنوعت بين القوانين التى يقرها الكونغرس وبين الأوامر التنفيذية الصادر عن الإدارة الأمريكية. بدأت أولى العقوبات الأميركية المفروضة على النظام السورى السابق على خلفية قمعه للثورة عام 2011 باستهداف مسؤولين حكوميين وشخصيات نافذة، وسرعان ما توسعت خلال الأشهر التالية لتشمل القطاعات الاقتصادية الأساسية بهدف الضغط على النظام لتغيير سلوكه. مع انطلاق الثورة السورية، استدعت الولايات المتحدة سفيرها فى دمشق، فى أكتوبر 2011، بعدما قالت إن هناك تهديدًا جديًا على سلامته إن بقى فى دمشق، وأصبحت العلاقات الأميركية الدبلوماسية مع نظام الأسد مجمدة حتى سقوطه. بدأت العقوبات الأمريكية تدريجيًا، منذ نيسان2011، واستهدفت مسؤولين عن "انتهاكات حقوق الإنسان"، أبرزهم قائد الفرقة الرابعة فى الجيش السورى ماهر الأسد، ورئيس إدارة المخابرات العامة على مملوك، ورئيس فرع الأمن العسكرى فى درعا عاطف نجيب، ابن خالة بشار الأسد، وفى مايو التالي، ضمت القائمة لأول مرة الرئيس المخلوع بجانب عدد آخر من قادة الجيش والأجهزة الأمنية المسؤولين عن القمع. وفى أغسطس 2011، فرضت الولايات المتحدة حظرا على قطاع النفط، وتجميد الأصول المالية لعدد من الشخصيات، فضلا عن الأصول المالية للدولة السورية نفسها. وبالإضافة إلى ذلك، حظرت الولايات المتحدة تصدير السلع والخدمات الآتية من أراضى الولايات المتحدة أو من شركات أو أشخاص من الولايات المتحدة إلى سوريا، ويتعلق هذا الحظر بأى منتج يأتى على الأقل 10% من قيمته من الولايات المتحدة أو من مواطنيها. بين عامَى 2012 و2014، توسعت العقوبات الأمريكية لتشمل داعمى النظام الدوليين، مثل روسيا وإيران، حيث استهدفت بشكل رئيسى مسؤولين وكيانات غير سورية داعمة للنظام. قانونا قيصر والكبتاجون فى السنوات الأخيرة، يعد قانونا قيصر أبرز وأقسى التشريعات الأمريكية فى منظومة العقوبات المفروضة على سوريا بعد عام 2011. قانون قيصر، الذى دخل حيز التنفيذ فى يونيو2020، صدر ضمن إطار دعم حقوق الإنسان، مستهدفًا نظام الأسد وحلفاءه الاقتصاديين والعسكريين. وسُمّى القانون تيمنًا بـ"قيصر" وهو الاسم المستعار للمصور العسكرى السورى فريد المذهان الذى انشق عام 2013 مسربا آلاف الصور التى توثق تعذيب ومقتل عشرات آلاف السوريين فى سجون النظام. ولا يقتصر القانون على فترة زمنية محددة، ويشمل عقوبات واسعة على قطاعات حيوية، أبرزها حظر التعامل مع النظام فى مشاريع إعادة الإعمار، واستهداف الكيانات الداعمة للأسد، بما فيها الروسية والإيرانية. وتكمن قسوته وفعاليته فى أنه لا يعاقب داعمى النظام والأطراف المتعاملة معه فحسب، بل الأطراف الثالثة التى تتعامل مع هؤلاء، مما أدى إلى تعميق عزلة النظام وتجفيف موارده الاقتصادية. ووضع قانون قيصر شروطا لرفع العقوبات، بينها وقف الغارات الجوية السورية والروسية ضد المدنيين، وإلغاء القيود المفروضة على توزيع المساعدات الإنسانية فى المناطق الخاضعة للنظام، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، والامتثال إلى المعاهدات الدولية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، وتسهيل عودة اللاجئين، والبدء بعملية مساءلة حقيقية، ومصالحة وطنية تنسجم مع قرار مجلس الأمن الدولى رقم 2254. أما قانون الكبتاجون، فقد أقرّه الكونغرس الأميركى على مرحلتين، تمّ إقرار القسم الأول منه فى ديسمبر 2022، بينما تمّت الموافقة على القسم الثانى باسم "الكبتاجون 2" فى أبريل 2024، لتعزيز تنفيذه عبر آليات عقوبات أكثر تفصيلا. يركز قانون الكبتاجون بشكل خاص على مكافحة تجارة المخدرات التى يعتمد عليها النظام السابق كمصدر تمويل رئيسي، مستهدفًا شبكات إنتاج وتهريب الكبتاجون المتورّطة فيها شخصيات بارزة من النظام السابق ومليشياته، بهدف تجفيف مصادر التمويل غير القانونية للنظام عبر فرض عقوبات صارمة على الأفراد والكيانات المتورطة. وحسب مراقبين وخبراء، مثلت عقوبات قانون قيصر والكبتاغون نقلة نوعية فى الحصار الاقتصادى الذى فرضته الولايات المتحدة على النظام السوري، بسبب شموليتها وتهديدها بمعاقبة أى طرف خارجى يسهم فى دعم النظام. رخص وإعفاءات سابقة رغم أن واشنطن أقرت إعفاء من بعض العقوبات المفروضة على الدولة السورية بعد سقوط النظام،فإنه لم يكن الإعفاء الأول، فقد أقرت سابقا وخلال سريان العقوبات 3 أنواع للرخص والإعفاءات تتعلق غالبا بحيز جغرافى محدد وجهات محددة. الأول هو عبارة عن ترخيص صدر لتركيا عام 2019، للعمل فى المناطق غير الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، وذلك للسماح لها بتنفيذ مشاريع تنموية أو المساهمة فيها، فى مجالات الطاقة والدفاع والزراعة والتعليم، على ألا تتعامل مع حكومة الأسد بشكل مباشر أو مع الأشخاص المُعاقبين. الثانى عبارة عن رخص بسبب حالات طارئة، مثل جائحة كورونا عام 2019، حيث شمل الاستثناء من العقوبات، قطاع الوقاية والعلاج الطبي، من خلال السماح باستيراد المواد الطبية لمواجهة جائحة كورونا، وكارثة زلزال فبراير2023، وشمل الاستثناء السماح بتحويل الأموال إلى سورية، على ألا يتم التحويل لأشخاص معاقبين حسب القوائم الأمريكية. أما الترخيص الثالث، فقد صدر فى مايو 2022، وهو موجه لمناطق جغرافية فى شمال شرق، وشمال غرب سورية، حيث استثنيت من العقوبات الأميركية قطاعات عديدة، مثل الاتصالات والبنية التحتية والتعليم واستيراد وتصدير بعض المواد، وما زالت الرخصة، بخلاف الرخص السابقة، سارية حتى الآن. إعفاءات ما بعد الأسد بعد الاتصالات التى أجرتها مع الإدارة الجديدة، أعلنت واشنطن عن الرخصة 24 التى تضمنت تخفيفا للعقوبات المفروضة على سوريا فى بعض القطاعات لمدة 6 أشهر اعتبارا من 6 يناير، تسمحُ هذه الرّخصة بالعمل والتعاقد مع الحكومة السورية الجديدة فى دمشق وتقديم المساعدة لها رغم أنّ الحكومة ما زالت حسب القانون الأميركى تتبعُ لمنظّمة مدرجة على لوائح الإرهاب الأمريكيّة. وأوضحت الخزانة الأمريكية، فى بيان، أن هذه الخطوة جاءت "للمساعدة فى ضمان عدم عرقلة العقوبات للخدمات الأساسية واستمرارية وظائف الحكم فى جميع أنحاء سوريا، بما فى ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي". وشمل القرار السماح للشركات والأطراف الدولية بالتعاقد مع الوزارات والهيئات والمديريات الحكومية السورية، باستثناء وزارة الدفاع والاستخبارات، وتقديم الخدمات والمساعدات، بما فى ذلك الهبات المخصصة لدفع رواتب الموظفين الحكوميين. وتسمح الإعفاءات للشركات بالدخول لإصلاح شبكات الكهرباء ومحطات الطاقة، كما تغطى المعاملات المرتبطة ببيع أو توريد أو تخزين النفط، والغاز الطبيعي، والكهرباء داخل سوريا أو إليها. وتشمل الإعفاءات تسهيل تحويل الأموال الشخصية غير التجارية إلى سوريا، بما فى ذلك عبر البنك المركزى السورى رغم أنه لا يزال غير مشمول برفع العقوبات ككيان. ولم تشمل الإعفاءات قطاع الاتّصالات، بسبب الشبهات حيال الملكيّة الحقيقيّة لشركات الاتّصالات مثل سيرياتيل، كما أنها لا تشمل شخصيات النّظام وتُجّاره الفاسدين المدرجين على لوائح العقوبات الأميركيّة. وفى إعفاء متمّم للرخصة 24، أصدرت الخزانة الأميركية، بعد أسبوعين قرارا يعفى الدّول قانونيّا من القيود التى قد تطالها جرّاء تقديم الدعم والمساعدات للدولة السورية رغم أنّها ما زالت مصنّفة أمريكيّا على أنّها "دولة داعمة للإرهاب". وجاء هذا الإعفاء لتمكن الدول الراغبة فى تقديم العون لسوريا بناء على الرخصة 24 وتخشى من عواقب ذلك فى ضوء استمرار تصنيف سوريا كدولة داعمة للإرهاب أمريكيا، لأنّ الدّول التى تقدّم المساعدات للدول المصنّفة على هذه القائمة تحرمُ نفسها من الحصول على المساعدات الأميركيّة.