في خطوة عكست حساسية المشهد السياسي والفني في تركيا، أعلنت السلطات التركية، الأربعاء، إلغاء الحفل الغنائي الذي كان من المقرر أن يقدمه المغني الفرنسي إنريكو ماسياس في إسطنبول، يوم الجمعة المقبل، بعد موجة اعتراضات واسعة من ناشطين وفعاليات شعبية اعتبرت أن مواقفه المعلنة المؤيدة لإسرائيل تتعارض مع توجهات الشارع التركي المؤيد للقضية الفلسطينية. خلفية قرار الإلغاء كانت الشركة المنظمة قد روجت للحفل منذ أسابيع، في إطار جولة فنية لماسياس، المعروف بأغانيه ذات الطابع الشرقي المتأثر بجذوره المتوسطية، غير أن الإعلان عن الحدث أثار ردود فعل قوية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أطلق ناشطون حملات إلكترونية رافضة لإقامة الحفل، مؤكدين أن الفنان الفرنسي لطالما أبدى دعمه لإسرائيل، وهو ما اعتبروه استفزازًا لمشاعر الأتراك المتضامنين مع الفلسطينيين. استجابت السلطات سريعًا لتلك الدعوات، وأعلنت رسميًا إلغاء الفعالية التي كانت مقررة في إحدى قاعات إسطنبول الكبرى، مؤكدة أن القرار جاء مراعاةً لـ"الأمن العام وتجنب أي توترات". إنريكو ماسياس وعلاقته بإسرائيل يُعرف إنريكو ماسياس، البالغ من العمر ٨٥ عامًا، بتاريخ طويل من الدعم العلني لإسرائيل، حيث سبق أن أُدرج اسمه على قوائم "الممنوعين من دخول بعض الدول العربية"، بسبب مواقفه السياسية، كما ارتبط اسمه بعدة تصريحات مثيرة للجدل تؤيد السياسات الإسرائيلية، وهو ما جعله هدفًا لانتقادات واسعة في الأوساط المؤيدة للقضية الفلسطينية. بالرغم من ذلك، لا يزال الفنان الفرنسي يتمتع بجماهيرية في أوروبا والغرب، حيث يُعتبر رمزًا للأغنية الفرنسية ذات الطابع الشرقي. وكان يأمل في تقديم حفله بإسطنبول كجزء من عودته الفنية إلى الشرق الأوسط، قبل أن تتدخل التطورات السياسية لتمنع ذلك. تفاعل الشارع التركي إلغاء الحفل قوبل بترحيب واسع من منظمات المجتمع المدني والناشطين الأتراك الذين أكدوا أن القرار يتماشى مع المزاج الشعبي الداعم للقضية الفلسطينية، وانتشرت عبر منصات التواصل رسائل تشيد بموقف السلطات، معتبرة أن "إسطنبول ليست مكانًا مناسبًا لمن يساند الاحتلال". في المقابل، اعتبر بعض المعلقين أن السياسة يجب ألا تتداخل مع الفن، مشيرين إلى أن الجمهور وحده كان بإمكانه أن يقرر مدى نجاح أو فشل الحفل من خلال الإقبال أو المقاطعة. دلالات سياسية وثقافية قرار أنقرة بإلغاء حفل إنريكو ماسياس لا ينفصل عن السياق الأوسع للعلاقات التركية – الإسرائيلية، والتي تشهد حالة من المد والجزر منذ سنوات، ففي الوقت الذي تحاول فيه أنقرة موازنة علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب، فإن المزاج الشعبي يظل شديد الحساسية تجاه أي فعاليات يُنظر إليها على أنها داعمة لإسرائيل. ويرى محللون أن هذه الخطوة تعكس رغبة تركيا في تجنب أي مواجهات داخلية، والحفاظ على صورتها كداعم رئيسي للقضية الفلسطينية في العالم الإسلامي. تركيا والفن الملتزم بالقضايا من خلال هذا القرار، بعثت أنقرة برسالة مفادها أن الفن في تركيا لا ينفصل عن السياق السياسي والثقافي العام، وأن الفنانين الذين يحملون مواقف مثيرة للجدل تجاه قضايا إنسانية مثل فلسطين قد يواجهون رفضًا شعبيًا ورسميًا لإطلالاتهم الفنية داخل البلاد.