في عاصمة الموضة ميلانو، حيث تتنافس الدور على صياغة مستقبل الأناقة، اختارت دار روبرتو كافالي Roberto Cavalli أن تذهب أبعد من المعقول، لتقدّم عرضًا يفيض بالبذخ والجرأة تحت عنوان غير معلن لكن واضح وهو "الذهب"، ليس الذهب كمعدن فقط، بل كحالة من الانغماس في المتعة البصرية، وكإشارة إلى بريق لا يخبو حتى في أكثر الأزمنة انضباطًا.

في حين سلكت العديد من الدور مسار التبسيط والصرامة هذا الموسم، جاءت مجموعة Roberto Cavalli ربيع وصيف 2026 بقيادة فاوستو بوغليسي لتذكّر الجميع أن روحها تكمن في الترف، الجاذبية، والتألق المسرحي.

الذهب: أيقونة المجموعة

1. منذ الإطلالات الأولى على منصة العرض، كان الذهب سيد الموقف، تجلى في فساتين مطوية تعكس أضواء هوليوود الكلاسيكية، وفي تصاميم قصيرة مشغولة بالمخمل المزخرف الذي منحها أبعادًا حسية متوهجة.
2. لم يكن الذهب مجرد لون، بل لغة مرئية ترجمت هوس الدار بالتألق والجرأة. حتى في القطع الأكثر عصرية، مثل الجينز المزخرف والمنقوش بخطوط غنية، كان الذهب حاضرًا كخيط ناظم يوحّد المجموعة.
3. ولم يكن هذا الحضور اعتباطيًا، بل جاء كرمز لقوة كافالي في تحويل العادي إلى استثنائي: قطعة جينز بسيطة تصبح تحفة فنية بفضل النقوش المذهبة، فيما يتحول المخمل إلى مرآة للترف الغني واللمسة الجريئة.

الحسية الجامحة: طبعة النمر والفتحات

1. لم يكن الذهب وحده العنوان العريض، فقد رافقته الجاذبية الحيوانية التي لطالما ارتبطت بالدار، برزت طبعة النمر المرصعة بالترتر، لتمنح الفساتين حيويةً وحضورًا آسرًا، فيما جاءت الفتحات المنحوتة بعناية لتؤكد الجانب الحسي. هذه اللغة البصرية تستعيد إرث كافالي العريق الذي لطالما احتفى بالأنوثة الجريئة وبجمال الجسد.
2. لكن ما ميز هذه المجموعة هو أن الحسية لم تأتِ مبتذلة، بل حملت لمسة فنية، كانت الفتحات مدروسة لتبرز تفاصيل الجسد بلا إفراط، فيما حافظت القصات على توازن بين الجرأة والرقي.

التناقضات: بين الفخامة والراحة

1. في خطوة ذكية، لم يُترك البذخ ليطغى وحده، بل وازن بوغليسي المجموعة عبر التناقضات، ارتبطت الفساتين الفاخرة بأحذية مسطحة خففت من رسميتها، بينما أُضيفت البدلات الضيقة وفساتين الكوكتيل الشفافة لتمنح العرض طاقة شبابية عصرية، بدا الأمر وكأن كافالي تقول: "التألق لا يعني التقيّد، بل يمكن أن يتناغم مع الراحة والعفوية."
2. هذه المقاربة عكست فهمًا عميقًا لذوق الجيل الجديد الذي يبحث عن الحرية بقدر ما يسعى خلف الجاذبية البصرية، فلم يعد يكفي أن تكون القطعة متألقة، بل يجب أن تكون قابلة للارتداء في سياقات متعددة.

بصمة فاوستو بوغليسي: بين الذهب والهوية الثقافية

1. منذ أن تولى بوغليسي قيادة كافالي، اتسمت مجموعاته برؤية غنية بالإشارات الثقافية: من الأقمشة المستوحاة من الرخام إلى اللوحات الجدارية التاريخية، لكنه في ربيع وصيف 2026 اختار أن يكون تركيزه أكثر مباشرة: ذهب ونقشات حيوانية.
2. ومع ذلك، لم يغب حس بوغليسي الشخصي. فقد كان حاضرًا في التفاصيل الدقيقة، مثل التلاعب بالقصات غير المتناظرة، أو في المزج بين المخمل والجينز، أو في القدرة على جعل الذهب يبدو عصريًا بدلًا من أن يكون مجرد رمز كلاسيكي للبذخ.

حضور قوي للمرأة العصرية

1. أكثر ما ميز العرض أن المرأة التي رسمتها كافالي بدت متحررة وجريئة في آن واحد. ليست أسيرة للترف ولا لصرامة الموضة، بل شخصية تعرف كيف توازن بين الحسية والقوة.
2. فبدت العارضات وكأنهن نجمات على سجادة حمراء، لكنهن في الوقت ذاته نساء قادرات على الحركة، على تحدي المعايير، وعلى فرض حضورهن بلمسة ذهبية تُضيء المكان.

الذهب في مواجهة الزمن

1. يمكن قراءة المجموعة كبيان أعمق عن مقاومة الانضباط والصرامة التي طبعت الموضة العالمية مؤخرًا. ففي زمنٍ تميل فيه الاتجاهات نحو البساطة وتقليل الزخارف، جاءت كافالي لتؤكد أن الذهب لم يفقد بريقه.
2. بل أكثر من ذلك، أن البريق نفسه يمكن أن يكون لغة مقاومة، ووسيلة للتأكيد على أن الموضة ليست مجرد أزياء عملية، بل تجربة حسية واحتفالية بالحياة.

الألوان والقصات: ما وراء الذهب

1. رغم أن الذهب كان العنوان العريض، إلا أن المجموعة لم تُهمل باقي عناصر الألوان والقصات، برزت درجات الأسود الغني كلون موازن، إلى جانب لمسات من الأزرق الداكن والأحمر العميق. هذه الألوان دعمت الذهب بدلًا من أن تتنافس معه، مانحةً العرض عمقًا بصريًا.
2. أما القصات، فتراوحت بين الفساتين الطويلة المترفة، والقصيرة الجريئة، والبدلات الموجهة للمرأة العصرية. كل قطعة جاءت وكأنها تكملة للأخرى، في حوار بين الأنوثة الطاغية والعملية المحتشدة بالحيوية.

الإكسسوارات: تكامل الجرأة

لم تغب الإكسسوارات عن المشهد، بل كانت امتدادًا طبيعيًا لروح المجموعة:

1.  الأحزمة المعدنية المذهبة أضافت لمسة قوة على الخصر، بينما برزت الحقائب الصغيرة المرصعة كقطع فنية تكمّل الفساتين.
2. أما الأحذية، فتنوعت بين الكعوب العالية التي تحتفي بالدراما، والصنادل المسطحة التي تعكس الراحة والتناقض الذكي.

بين الماضي والمستقبل

1. أحد عناصر قوة العرض كان في قدرته على إعادة إحياء إرث كافالي مع إسقاطه على لغة الحاضر، الذهب وطبعات النمر تذكير مباشر بروح الدار في التسعينيات وأوائل الألفية.
2.  لكن القصات العملية والأحذية المسطحة أعطتها طابعًا معاصرًا يناسب عام 2026. بهذا المعنى، بدت المجموعة جسرًا بين الماضي المشرق والمستقبل المليء بالاحتمالات.

كافالي والبحث عن التوازن

1. قد يختلف النقاد حول ما إذا كانت مجموعة ربيع وصيف 2026 قدّمت جديدًا كافيًا أم أنها اكتفت بتأكيد هوية كافالي المعروفة، لكن المؤكد أن العرض كان بيانًا جريئًا أعاد للواجهة سؤالًا مهمًا: كيف يمكن للموضة أن تحافظ على روحها الاحتفالية في زمن تغلب فيه الحسابات العملية؟
2. الرسالة التي قدمها كافالي واضحة: عبر الذهب، الجرأة، والأنوثة المتوهجة، وربما لم تحمل المجموعة عمقًا فلسفيًا كافيًا كما فعلت مواسم سابقة، لكنها ذكّرت العالم أن الموضة ليست فقط انعكاسًا للواقع، بل مساحة للهروب، للتمرد، وللاحتفال بالجمال بكل أشكاله.

بهذا، جاءت مجموعة Roberto Cavalli ربيع وصيف 2026 لتؤكد أن قلب الدار لا يزال ينبض بوهج البذخ، وأن الذهب، بكل مجازاته، سيظل رمزًا للحلم وللموضة كرحلة نحو المتعة البصرية والجرأة.