أصبحت مصر اليوم تمتلك تجربة رائدة فى الحماية الاجتماعية تستند إلى رؤية واضحة وإرادة سياسية جادة، استطاعت من خلالها أن تنتقل من مرحلة تقديم الدعم إلى بناء منظومة متكاملة تضع الإنسان فى قلب التنمية.. هذه التجربة، التي تستعرضها وزارة التضامن الاجتماعي بثقة في المحافل الدولية، لم تعد مجرد شبكة أمان للفئات الأولى بالرعاية، بل أصبحت نموذجًا عربيًا ملهمًا في كيفية تحويل سياسات الحماية إلى أداة للتنمية وتمكين الإنسان. جاء ذلك في تصريح الدكتورة مايا مرسى، وزيرة التضامن الاجتماعى لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم، تعليقا على عرض التجربة المصرية في التنمية الاجتماعية خلال القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية التي عقدت في الدوحة في الفترة من 4 إلى 6 نوفمبر الجاري، أمام ممثلي الأمم المتحدة وعدد كبير من وزراء التنمية الاجتماعية حول العالم، لتؤكد أن مصر أصبحت تمتلك رؤية متكاملة تجمع بين العدالة الاجتماعية والاستدامة الاقتصادية. الوزيرة: فلسفة الدعم تحولت من الإعانة إلى الاستثمار في الإنسان وقالت، إن بناء منظومة حماية اجتماعية فاعلة لا يتحقق بتوسيع قاعدة المستفيدين فحسب، بل بتغيير فلسفة الدعم ذاتها لتصبح استثمارًا في الإنسان، موضحة أن مصر انتقلت من سياسات "تخفيف تداعيات الفقر" إلى "علاج أسبابه" عبر ربط الدعم النقدي بخدمات التعليم والصحة والتمكين الاقتصادي، وهو ما يجعل التجربة المصرية اليوم أكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات وأكثر تأثيرًا في حياة المواطنين. منظومة الحماية الاجتماعية.. من الرعاية إلى التمكين وأضافت وزيرة التضامن الاجتماعي أن التجربة المصرية في الحماية الاجتماعية لم تولد صدفة، بل جاءت نتيجة تراكم خبرات ورؤية علمية واضحة للدولة المصرية، مشيرة إلى أن الوزارة عملت على تطوير أدوات الرصد والتحليل، وبناء قاعدة بيانات دقيقة للأسر، وإطلاق برامج نوعية تربط بين العدالة الاجتماعية والاستدامة الاقتصادية، بما يضمن الانتقال من الحماية إلى التمكين، ومن الاحتياج إلى الإنتاج. إشادة أممية بالتجربة المصرية في الحماية الاجتماعية وتعقيبًا على استعراض التجربة المصرية في قمة التنمية الاجتماعية بالدوحة، أشادت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة الدكتورة سيما بحوث بالتجربة المصرية، ووصفتها بأنها نموذج يحتذى به في المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، كما أكد السيد هاوليانج شيو، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير المعاون لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن مصر لديها تجارب إيجابية ونماذج ناجحة في مجالي الحماية والتنمية الاجتماعية، وتعد من أكثر الدول تكاملاً في بناء سياسات حماية مرنة وشاملة. لقد نجحت وزارة التضامن الاجتماعي في بناء منظومة حماية اجتماعية متكاملة تستهدف الفئات الأولى بالرعاية، وتضمن وصول الدعم لمستحقيه من خلال قاعدة بيانات دقيقة تغطي مختلف المحافظات.. إلا أن ما يميز التجربة المصرية هو أنها صممت بعناية لتواجه الفقر متعدد الأبعاد، وليس في بعده المالي فقط؛ فالفقر هنا لا يعني مجرد غياب الدخل، بل غياب فرص التعليم والرعاية الصحية والعمل اللائق، وهو ما حاولت مصر معالجته بخطة متكاملة تمس حياة المواطنين منذ الطفولة وحتى الشيخوخة. تكافل وكرامة.. حجر الأساس في بناء منظومة العدالة الاجتماعية ويعد برنامج تكافل وكرامة حجر الأساس في هذه المنظومة، إذ دعم منذ انطلاقه عام 2015 نحو 7.8 مليون أسرة على مدار عشر سنوات، فيما يبلغ عدد الأسر المستفيدة حاليًا 4.7 مليون أسرة، 75% منهن من النساء، ما يعكس التوجه نحو تمكين المرأة وتعزيز دورها الاقتصادي داخل الأسرة. لكن أهم ما يميز هذا البرنامج هو المشروطية التعليمية والصحية التي وضعتها الوزارة لضمان أن يكون الدعم وسيلة لبناء الإنسان لا مجرد مساعدة مالية. فعلى صعيد التعليم، اشترطت الوزارة على الأسر المستفيدة انتظام الأبناء في الدراسة بنسبة لا تقل عن 80% من أيام العام الدراسي، لضمان استمرار الأطفال في التعليم ومنع التسرب المدرسي، كما تتعاون الوزارة مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في متابعة انتظام الأطفال في المدارس وإرسال تقارير دورية عن نسب الحضور، وهو ما يعكس أن هدف البرنامج هو الاستثمار في الأجيال القادمة من خلال دعم التعليم كمدخل رئيسي للخروج من دائرة الفقر. أما في الجانب الصحي، فقد ربطت الوزارة حصول الأسر على الدعم النقدي بالالتزام بمتابعة الخدمات الصحية للأمهات والأطفال، ويتم ذلك عبر الوحدات ومكاتب الصحة التي تتابع الحالة الصحية للأطفال بشكل دوري، من خلال قياسات النمو، والتطعيمات، والفحوص الوقائية، لضمان النمو السليم في المراحل المبكرة من العمر. بهذا الشكل أصبحت مشروطية التعليم والصحة جزءًا جوهريًا من منظومة الحماية الاجتماعية في مصر، ووسيلة لضمان انتقال الأجيال الجديدة إلى مستقبل أكثر وعيًا وصحة وإنتاجية. التمكين الاقتصادي.. من الحماية إلى الإنتاج ولم تقتصر جهود الوزارة على الأطفال فقط، بل امتدت إلى الكبار من خلال التوجه نحو التمكين الاقتصادي، فقد استحدثت وزارة التضامن الاجتماعي "المنظومة المالية الاستراتيجية للتمكين الاقتصادي" كإطار وطني شامل يجمع بين مختلف الجهات المعنية بالتمويل والإقراض والتشغيل، بهدف تنظيم الخدمات المالية والتنموية الموجهة للأسر الأولى بالرعاية. وتعمل المنظومة على وضع خريطة موحدة للتمويل متناهي الصغر والصغير، وربط المستفيدين من برامج الدعم النقدي بفرص التدريب والتشغيل المتاحة في القطاعات الإنتاجية، بما يضمن الانتقال التدريجي من الحماية إلى التمكين. ورغم أن المنظومة مازالت في مرحلة التفعيل التدريجي، فإنها تمثل خطوة مهمة نحو بناء بيئة اقتصادية داعمة للفئات المستفيدة، وتشجع على العمل والإنتاج كمدخل أساسي للخروج من دائرة الفقر. وفي الوقت نفسه، أولت وزارة التضامن اهتمامًا خاصًا برفع الوعي المجتمعي كجزء لا يتجزأ من الحماية الاجتماعية، فمن خلال شبكة تضم أكثر من 15 ألف رائدة اجتماعية تنتشر في القرى والمناطق الريفية، تنفذ الوزارة برامج توعية حول التعليم، والصحة، وتنظيم الأسرة، ومخاطر الزواج المبكر، والتمكين الاقتصادي للمرأة، وهي القضايا التي تمس صميم التنمية المجتمعية وتساهم في تغيير السلوك والوعي لدى الأسر المستفيدة. ولأن العدالة الاجتماعية لا تنفصل عن التنمية، فقد جاءت المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" لتجسد هذا التكامل على أرض الواقع، من خلال تحسين البنية التحتية والخدمات الاجتماعية لأكثر من 58 مليون مواطن في القرى الريفية، ودمج سياسات الحماية الاجتماعية مع برامج التشغيل والتمكين الاقتصادي، في نموذج يجمع بين تحسين جودة الحياة وخلق فرص مستدامة للعمل والإنتاج.لقد استطاعت التجربة المصرية أن تبرهن للعالم أن الحماية الاجتماعية ليست مجرد إعانات مالية، بل سياسة تنموية شاملة تستثمر في الإنسان وتمنحه أدوات التغيير. ومن هنا، أصبحت مصر واحدة من التجارب القليلة في المنطقة التي يمكن وصفها بأنها ملهمة، لأنها تجاوزت فكرة الدعم إلى بناء منظومة اجتماعية واقتصادية متكاملة توازن بين الكرامة والعمل، وتربط بين التعليم والصحة والتمكين في إطار واحد يهدف إلى بناء الإنسان قبل أي شيء.