شهدت قرى مركز نقادة بمحافظة قنا تحولًا عميقًا لم يكن متوقعًا، فقد عانت هذه القرى لسنوات طويلة من ظاهرة حرق قش القصب التي أدت إلى تدهور جودة الهواء وتغيير ملامح الحياة، كانت السحابة السوداء تهيمن على السماء والفلاحون يعيشون في حالة من الارتباك، ومع ذلك، أطلعت هذه الأزمة على مشروع تنموي جديد. تحت إشراف جمعية تنمية المجتمع بنقادة، وبدعم من برنامج المنح الصغيرة، أُطلق مشروع يعيد تعريف العلاقة مع مخلفات القصب، حيث أصبحت القش مادة خام ذات قيمة اقتصادية، بدلاً من كونها عبئًا يُحرق في الحقول، كان هذا المشروع خطوة نحو تنمية مستدامة تهدف إلى تحسين الحياة في القرية. قبل انطلاق المشروع، كان الوضع مأساويًا، كميات هائلة من القش تتراكم في الشوارع، ورائحة الحريق تعم الأجواء، المستشفيات كانت تستقبل أعدادًا متزايدة من حالات الأمراض التنفسية، وهذا كان يُشكل معاناة مستمرة لدى الأسر، فأمهات كن يشعرن بالقلق على صحة أطفالهن. المبادرة من جمعية تنمية المجتمع لم تكن إعادة تدوير فحسب، بل كانت عملًا شاملًا لتغيير نمط التفكير، حيث ساهمت في خلق فرص عمل جديدة للشباب، مما أتاح لهم تحقيق الاستقلال الاقتصادي، وهذا جعل من مشروع إعادة تدوير القش نموذجا يُحتذى به في المجتمعات الزراعية. الشعور بالارتياح انتشر بين سكان القرية، حيث بدأت وحدات التدوير في العمل وشاركة الشباب فيها، لم يكن الأمر مجرد عمل، بل أصبح لها أثر نفسي واجتماعي عميق، حيث يشعر الشباب بأن لهم دورًا حيويًا في تحسين واقع قريتهم التي لطالما عانت. توضح العديد من القصص الشخصية عن تغير السلوكيات لدى المزارعين، فقد أدرك الفلاحون أن خياراتهم يمكن أن تتجاوز الحرق، وشهدت القرية وصول فرق الجمع بدلًا من إشعال النيران، وهذا يعكس تحولًا ثقافيًا إيجابيًا يحقق فوائد كبيرة للجميع. أما بالنسبة للصحة العامة، فقد كان لهذا المشروع آثار إيجابية واضحة، إذ بدأت الأسر تفتح نوافذها بدون خوف، متعة التنفس في هواء نقي كانت حلمًا بعيد المنال، ولكن اليوم أصبح هذا الحلم جزءًا من الواقع اليومي لأهالي نقادة. جهود المشروع امتدت لتشمل توعية الأهالي بمفاهيم جديدة مثل المناخ والاقتصاد الأخضر، وكان للأفكار الجديدة تأثير عميق على طريقة تفكير المجتمع، مما جعل الفلاحين ينظرون للبيئة من منظور إيجابي ومستدام. تمثل تجربة نقادة نموذجًا يحتذى به في كافة المراكز والمحافظات، فمحافظة قنا هي واحدة من أكبر المناطق إنتاجية للقصب في مصر، وهذا يُبرز الحاجة لحلول مستدامة في التعامل مع مخلفات هذا المحصول الحيوي، مما يعزز من أبعاد المشروع. وفي النهاية، قصة نقادة لا تعكس فقط نجاحًا في التعامل مع أزمة بيئية، بل هي قصة إنسانية حيث أثبت المجتمع أن التغيير يمكن أن يبدأ بِفكرة وإرادة، وهذا يدفعنا للأمل في مستقبل أفضل.