في ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها مصر في قطاع الطاقة، يبرز معدن الثوريوم كأحد الحلول المحتملة لإنهاء أزمة انقطاع الكهرباء وتخفيف العبء الاقتصادي الناتج عن فواتير الطاقة الشهرية. وتمتلك مصر احتياطيات ضخمة من هذا المعدن الاستراتيجي، والذي يعد بديلاً آمنًا ومستدامًا لليورانيوم في إنتاج الطاقة النووية، مما يفتح آفاقًا جديدة لتحقيق أمن الطاقة واستدامة الاقتصاد المصري. وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض قيمة معدن الثوريوم، وماذا يمكنه أن يقدم للاقتصاد المصري. الثوريوم كنز مصر الخفي ويعد الثوريوم معدنًا مشعًا يوجد بكثرة في الرمال السوداء على السواحل المصرية، خاصة في مناطق الدلتا والساحل الشمالي. وتمتلك مصر حوالي 7% من احتياطيات الثوريوم العالمية، بما يقدر بحوالي 380 ألف طن من الاحتياطيات المؤكدة، مع إمكانية أن تكون الاحتياطات الفعلية أعلى من ذلك. وهذه الكمية تجعل مصر من بين الدول الرائدة عالميًا في امتلاك هذا المعدن، إلى جانب دول مثل الهند وأستراليا والبرازيل والصين. وأشار الدكتور هشام ناصف، مدير تطوير المفاعلات النووية في اليابان، إلى أن الثوريوم يمكن أن يكون بديلاً فعالاً لليورانيوم في تشغيل المفاعلات النووية، نظرًا لتوافره بكثرة وأمانه العالي. كما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مصر تملك احتياطيًا مؤكدًا يبلغ 100 ألف طن، مع احتياطيات غير مؤكدة تصل إلى 200 ألف طن إضافية، مما يعزز من إمكانيات استخدامه لتوليد الطاقة لآلاف السنين. الثوريوم وأزمة الكهرباء في مصر وتشهد مصر منذ سنوات تحديات كبيرة في قطاع الطاقة، حيث تتسبب موجات الحر الشديدة ونقص إمدادات الغاز الطبيعي في انقطاعات متكررة للكهرباء، مما يؤثر على الحياة اليومية والاقتصاد. ومع ارتفاع استهلاك الكهرباء خلال الصيف، يزداد الضغط على الشبكة الكهربائية، التي تعتمد بشكل رئيسي على الغاز الطبيعي والمازوت. ويقدم الثوريوم حلاً واعدًا لهذه الأزمة، فوفقًا للدكتور منير عبد الفتاح، رئيس قطاع الإنتاج السابق بهيئة المواد النووية، فإن 50 كيلوغرامًا فقط من الثوريوم كافية لتشغيل مفاعل نووي بقدرة 1000 ميغاوات لمدة تتراوح بين 20 إلى 40 عامًا، مما يعني أن الاحتياطيات المصرية يمكن أن توفر طاقة كهربائية مستدامة لعقود طويلة. وهذا يعني أن الاستثمار في مفاعلات الثوريوم قد ينهي الحاجة إلى تخفيف الأحمال ويقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري. معدن الثوريوم مزايا الثوريوم: أمان واستدامة ويتميز الثوريوم بعدة مزايا تجعله خيارًا مثاليًا مقارنة باليورانيوم، فهو أكثر أمانًا، حيث تنتج مفاعلات الثوريوم نفايات مشعة أقل ولا يمكن استخدامها في تصنيع الأسلحة النووية. كما يتمتع الثوريوم بكفاءة إنتاجية تفوق اليورانيوم بـ 200 مرة، مما يجعله أكثر اقتصادية، ويتم استخراج الثوريوم من الرمال السوداء، وهي مورد طبيعي متوفر بكثرة في مصر، مما يقلل من الاعتماد على الواردات. من الاحتياطيات إلى التنفيذ وعلى الرغم من هذه الإمكانيات الهائلة، تواجه مصر تحديات في استغلال الثوريوم، حيث إن استخدامه يتطلب مفاعلات بتكنولوجيا متقدمة، مثل مفاعلات الجيل الرابع، التي لا تزال قيد التطوير عالميًا. كما أن هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية والتدريب لتطوير هذا القطاع. تأثير اقتصادي واجتماعي ونجاح مصر في استغلال الثوريوم لن يقتصر على حل أزمة الكهرباء فحسب، بل سيعزز أيضًا الاقتصاد الوطني. وتوفير طاقة رخيصة ومستدامة سيقلل من تكلفة فواتير الكهرباء الشهرية للمواطنين، مما يخفف الأعباء المالية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. كما أن تطوير صناعة الثوريوم سيخلق فرص عمل جديدة ويعزز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة. الخطوات المستقبلية ولتحقيق هذا الحلم، يتعين على مصر وضع استراتيجية شاملة تشمل التعاون مع دول مثل الصين والهند، اللتين بدأتا بالفعل في تطوير مفاعلات تعمل بالثوريوم. كما يجب الاستثمار في البحث العلمي وتطوير الكوادر البشرية لضمان التنفيذ الفعال، حيث إن الثوريوم ليس مجرد معدن، بل هو كنز وطني قد يغير وجه مصر الاقتصادي والطاقي إذا تم استغلاله بالشكل الأمثل. ويمثل الثوريوم فرصة ذهبية لمصر لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الطاقة، وإنهاء أزمة انقطاع الكهرباء، وتخفيف العبء الاقتصادي عن المواطنين. ولكن التحدي يكمن في تحويل هذا المخزون الضخم من الموارد إلى واقع ملموس، وهو ما يتطلب رؤية استراتيجية وتعاونًا دوليًا.