أكد خبراء في قطاع الطاقة واقتصاديون تحدث إليهم “مصراوي” أن التعند الإسرائيلي بإرجاء تنفيذ اتفاقية الغاز مع مصر لن يترك أثرًا جوهريًا على السوق المصرية أو التزاماتها التصديرية. وأشاروا إلى أن إسرائيل هي الطرف الأكثر تضررًا من تعطيل الاتفاق في ظل محدودية خياراتها لتصريف الغاز، بينما تمتلك مصر بنية تحتية متقدمة ومحطات إسالة تمنحها مرونة في استيراد الغاز وإعادة تصديره، إلى جانب استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية في القطاع بوتيرة مستقرة. وتشهد اتفاقية تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر أزمة جديدة، بعد رفض وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين التصديق على بنودها النهائية تمهيدًا لتفعيلها، رغم المساعي الأمريكية لتقريب وجهات النظر ودفع الاتفاق نحو التنفيذ. تفاصيل الاتفاق المجمد بين مصر وإسرائيل كان الاتفاق الذي أعلن عنه في أغسطس الماضي بقيمة تقديرية تبلغ نحو 35 مليار دولار يقضي بتوريد الغاز من حقل “ليفياثان” الإسرائيلي إلى مصر حتى عام 2040 بإجمالي كميات تصل إلى 130 مليار متر مكعب، ليعد من أضخم عقود الطاقة المبرمة بين الجانبين منذ توقيع اتفاق تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل مطلع الألفية الجديدة. ويشمل الترتيب مرحلتين رئيسيتين، تبدأ الأولى بإمدادات جزئية عام 2026، تعقبها مرحلة ثانية بعد استكمال توسعة البنية التحتية وخطوط الأنابيب التي تربط الحقل بمحطتي الإسالة في إدكو ودمياط، تمهيدًا لإعادة تصدير الغاز المصري والإسرائيلي معًا إلى الأسواق الأوروبية. التطورات الأخيرة قلبت المشهد بعد رفض كوهين اعتماد الاتفاق رسميًا، في وقت تحدثت فيه تقارير عبرية عن إلغاء وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت زيارته إلى تل أبيب احتجاجًا على القرار، ما اعتبره مراقبون مؤشرًا على تصاعد التوتر داخل محور التعاون الثلاثي بين القاهرة وتل أبيب وواشنطن. إسرائيل محدودة الخيارات ومصر في موقع قوة قال الدكتور حسام عرفات، أستاذ البترول والتعدين بكلية الهندسة جامعة القاهرة ورئيس شعبة المواد البترولية باتحاد الغرف التجارية سابقًا، إن قرار الجانب الإسرائيلي بوقف تصدير الغاز إلى مصر لا يمثل سوى ورقة ضغط مؤقتة، مؤكدًا أن الطرف الإسرائيلي هو المتضرر الأكبر من هذا الإجراء، موضحًا أن تل أبيب تتعامل مع القرار باعتباره ورقة رابحة، غير أن الواقع يؤكد العكس، إذ لا تملك بدائل حقيقية لتصريف الغاز بعيدًا عن مصر. وأشار إلى أن خيارات إسرائيل محدودة للغاية في تصدير الغاز، إذ لا يتاح أمامها سوى الاستهلاك المحلي أو التصدير عبر الخطوط القائمة باتجاه مصر أو الأردن، وهو ما يجعل القاهرة المنفذ الوحيد تقريبًا أمام الغاز الإسرائيلي، مضيفًا أن مصر تمتلك بنية تحتية متكاملة تتيح لها التعامل بكفاءة مع أي اضطرابات، بفضل امتلاكها محطتين للإسالة وأربع محطات تغويز تمنحها مرونة في الاستيراد وإعادة التصدير. وأضاف عرفات أن الجانب الإسرائيلي ينظر إلى أن مصر تورد الغاز من محطات الإسالة إلى أوروبا مقابل 14 دولاراً لكل وحدة حرارية، في حين تشتريه منها بسعر 8 دولارات، بدون النظر إلى ميزانيات إنشاء محطات الإسالة وتشغيلها، وهذه ورقة رابحة تلعب بها مصر، فيما ترى الحكومة الإسرائيلية أنها يمكنها المساومة لرفع السعر أو الحصول على مكاسب سياسية. وأكد أن السوق المحلي يتمتع باستقرار في إمدادات الطاقة، إذ لم تشهد البلاد أي أزمات كهرباء خلال الصيف الماضي، ما يعكس مرونة المنظومة المحلية وقدرتها على تعويض أي نقص محتمل من مصادر بديلة مثل قبرص. وأوضح عرفات أن وقف ضخ الغاز له أبعاد سياسية متعلقة بالأزمة في غزة، موضحًا أن إسرائيل لجأت إلى استخدام الغاز كوسيلة ضغط بعد الموقف المصري الثابت الرافض لأي مشروعات للتهجير. وأشار عرفات إلى أن وقف الإمدادات في بداية الأزمة استمر لنحو أسبوعين قبل أن تعود التدفقات تدريجيًا، بما يعكس الترابط الوثيق بين الملفين السياسي والاقتصادي. وأضاف عرفات أن خطة وزارة البترول لحفر 480 بئرًا جديدة خلال خمس سنوات باستثمارات تبلغ 5 مليارات دولار تؤكد ثقة الشركات العالمية في السوق المصرية، مشيرًا إلى أن وجود 12 شركة دولية رئيسية تعمل حاليًا في تنمية الحقول داخل مصر يعكس جاذبية القطاع. وأكد أن الشركات الأجنبية لا تستثمر في مناطق غير مؤهلة، ووجودها في مصر دليل على أن الاحتياطات واعدة والبنية مؤهلة لمزيد من الإنتاج. البنية التحتية والإنتاج المحلي يعززان موقف مصر من جانبه، قال الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادي، إن الاتفاق الموقع بين الجانبين يلزم كل طرف باستخراج التصريحات اللازمة لإتمام الصفقة، مشيرًا إلى أن الطرف الآخر هو المسؤول عن استكمال الإجراءات النهائية المتعلقة بشركة “شيفرون”. وأضاف أن مصر لن يكون لديها مشكلة في هذا الشأن، مؤكدًا أن هناك ضغوطًا أمريكية تمارس لإتمام الصفقة قبل نهاية الأسبوع الجاري وفق الجدول الزمني المحدد. وأوضح فؤاد أنه في حال عدم تنفيذ الاتفاق خلال المهلة المحددة، يصبح لاغيًا تلقائيًا، مشيرًا إلى أن الإلغاء سيقتصر على الكميات الجديدة فقط، بينما تستمر الكميات الحالية دون تأثر. وأكد أن مصر قادرة على تعويض أي نقص محتمل في الغاز بفضل بنيتها التحتية المتطورة لمحطات التغويز وشبكات خطوط الغاز والإنتاج المحلي، وهو ما يجعل التأثير محدودًا على المدى القصير، مضيفًا أن موقف مصر في الاتفاق واضح ومستقر، وأن البلاد تظل في موقع قوة بفضل توازنها بين اعتبارات السوق وضرورات الأمن القومي.