ربما سمعتَ أن تكوين عادة جديدة يحتاج إلى نحو 21 يومًا، فهي إحدى تلك المعلومات التي يعرفها الجميع. لكن كثيرًا من أمثال هذه المقولات لا يصمد عند إمعان النظر في الواقع العملي. يوضح موقع (علم العادات) التابع لكلية لندن الجامعية أن مصدر هذه الأسطورة يبرز من أدلة قصصية تتعلق بفترة التكيف بعد جراحات التجميل، لكنها لا تتعلق في الواقع بالعادات كما نعرفها.
ولسوء الحظ، الفترة أطول من ذلك. ففي دراسة أجريت عام 2010، تتبع الباحثون قرابة 100 شخص في أثناء محاولتهم اكتساب عادة صحية. ووجدوا أن تكوين عادة جديدة قد يستغرق ما يصل إلى 254 يومًا، أي ما يفوق تسعة أشهر.
لكن هذا لا يعني بالضرورة الحاجة إلى كل هذه المدة لاكتساب عادة جديدة. في الحقيقة، اكتشف الباحثون أن المتوسط 66 يومًا فقط، أي ما يزيد قليلًا على تسعة أسابيع. وهذا هو الوقت الذي احتاج إليه المشاركون للوصول إلى تلقائية القيام بالعادة بنسبة 95%، أي النقطة التي احتاجوا فيها إلى القيام بالعادة بوعي مرة واحدة فقط من بين كل 20 مرة.
نعلم أن تسعة أو عشرة أسابيع تظل مدة طويلة. لكن هناك جانبًا إيجابيًا: هذا التباين الكبير في المدة الزمنية يسير في كلا الاتجاهين، فقد تمكن أحد المشاركين في الدراسة نفسها من تكوين عادة خلال 18 يومًا فقط، وهذا أسرع حتى من الرقم الأسطوري (ثلاثة أسابيع)، فما الذي يصنع الفرق؟
توضح جامعة لندن أن 66 يومًا هو ما يستغرقه تكوين عادة جديدة في المتوسط بعد المرة الأولى من أدائها، لكن هذه المدة تختلف من شخص لآخر ومن عادة إلى أخرى. فبالمثل، تكوين العادات المتعلقة بالسلوكيات البسيطة -كشرب كوب من الماء- أسرع بكثير من السلوكيات المعقدة -كأداء 50 تمرين ضغط-.
تأمل مثلًا دراسة أُجريت عام 2023، تابعت ملايين المشاركين في سعيهم لاكتساب إحدى عادتين: إما الانتظام في الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، أو غسل اليدين بانتظام. من الواضح زيادة تعقيد أحد هذين الهدفين وصعوبته مقارنةً بالآخر، وقد أثبتت النتائج ذلك. يقول الباحثون: «خلافًا للاعتقاد الشائع بوجود رقم سحري من الأيام لتكوين عادة، وجدنا أن الأمر يستغرق عادةً شهورًا لتكوين عادة الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، بينما يحتاج الأمر أسابيع فقط لتكوين عادة غسل اليدين في المستشفى».
إن صح التعبير: إذا كنت تأمُل إلى سرعة اكتساب عادةٍ ما، فاستهدف أهدافًا متواضعة، وقد تصل إلى تلقائية القيام بها خلال شهر واحد فقط.
هل يوجد حيلة لتكوين العادات؟في الواقع، نعم. تقول فيليبا لالي، كبيرة المحاضرين في علم النفس بجامعة ساري، في تصريح يعود إلى عام 2009: «لتكوين عادة، تحتاج إلى تكرار السلوك في الموقف نفسه. من المهم وجود عنصر ثابت في البيئة التي تؤدي فيها السلوك ليكون بمثابة محفز يشير إلى السلوك. فإذا اخترت الإشارة المناسبة للسياق -بعد الغداء مثلًا- فلا نعتقد أن توقيت تناول الغداء يُحدث فارقًا حتى لو اختلف من يوم إلى آخر».
قد تكون هذه الإشارات أي شيء: وقتًا محددًا من اليوم أو فعلًا معينًا أو حتى مقابلة شخصٍ ما. في الواقع، كلما كانت الإشارة أغرب وأكثر تميزًا، كان ذلك أفضل. فبحسب دراسة أُجريت عام 2016، تعمل الإشارات بكفاءة أكبر عندما تبرز عن بقية روتينك اليومي. لذلك، يقترح علماء السلوك ربط ذهابك اليومي إلى صالة الألعاب الرياضية، مثلًًا، بأداء حماسي لأغنية (Physical) لأوليفيا نيوتن-جون، بدلًا من الأمل في تذكر الذهاب بعد فنجان القهوة الثالث.
يوجد أمر آخر لا يقل أهمية وهو وضع خطة. إذ توضح ورقة بحثية نُشرت عام 2015 وجود مراجع متعمقة حول هذا الموضوع، وحول قوة الأهداف، وتحديدها، والمحاكاة الذهنية. وتُظهر الأدلة بوضوح زيادة احتمالية الالتزام نتيجة وضع خطة محددة.
لنفترض تمثل هدفك في اكتساب عادة تناول الفاكهة يوميًا. لا تكتفِ بوضع الهدف؛ اذهب إلى المتجر، اشترِ بعض التفاح، ضعها في حقيبتك، واضبط منبهًا يذكّرك بتناولها في وقت محدد. توضح الورقة تفصيل متى وأين وكيفية تنفيذ النية ما يزيد من احتمالات التقدم والمتابعة. ويرجع ذلك جزئيًا إلى تغلب وضع خطة إلى ميل معظمنا إلى التسويف عندما ننوي القيام بأعمال مفيدة لا تحقق إشباعًا فوريًا، وعلى ميلنا للتفاؤل المفرط بشأن الوقت المطلوب لإنجاز المهمة.
لكن هذا ليس كل شيء، فوفقًا لإحدى الدراسات كلما زاد تفصيل خطتك، قلّ احتمال إخفاقك جراء النسيان، الذي يُعزى إليه ما يصل إلى 70% من الأهداف الفائتة، إضافةً إلى ذلك، يزيد تفصيل الخطة من الشعور بالذنب عند عدم الالتزام، فالإخفاق في متابعة التزام واضح يضيف شعورًا بعدم الارتياح، ومن المحتمل أن توقّع هذا الانزعاج يساهم في السبب الذي يجعل خطط العمل تعزز المتابعة. وإن رغبت حقًا في زيادة هذا الانزعاج، أخبر شخصًا آخر بما تنوي فعله، فلا شيء يحفزنا كالضغط الاجتماعي!
التخلص من عادةمن الجيد اكتساب عادةٍ نافعة؛ أما التخلص من أخرى سيئة فأمر مختلف تمامًا. فالإقلاع عن التدخين، ممكن، لكن لسوء الحظ التخلص من العادات أمر صعب.
فأولًا وقبل كل شيء، عليك أن ترغب فعلًا في التخلص منها. إذ يصعُب التخلص من أي عادة حتى عندما تكون متحفزًا لذلك، أما إذا كنت مترددًا بشأن الإقلاع عنها، فستكون فرص نجاحك أقل.
لكن بافتراض ذلك، تنطبق عمومًا نفس النصيحة، وهي إحكام السيطرة على بيئتك بحيث تجعل عدم أداء العادة سهلًا قدر الإمكان. فمثلًا لا تحتفظ بالسجائر معك، وإذا كنت تحاول التقليل من تناول السكر، فلا ترافق ذلك الصديق الذي دائمًا ما يغريك بقطعة كيت كات.
وأخيرًا: إذا أخفقت، فلا تيأس. تكوين العادات هو عملية مستمرة، لا شيء لحظي من يوم وليلة. من المفيد بالتأكيد أن تكون منضبطًا، لكن تضييع فرصة واحدة لن يؤثر تأثيرًا كبيرًا على عملية تكوين العادة.
لكن لالى حذرت أن الأشخاص الذين كانوا شديدي التذبذب في أداء السلوك لم ينجحوا في تكوين عادات، ولا نعرف بعد ما هو الحد الأدنى من الانضباط اللازم لتكوين العادة.
اقرأ أيضًا:
هل يمكن أن يجعلك تزييف الابتسامة تشعر بالسعادة؟
12 طريقة لمساعدتك على تحقيق أهدافك وبناء عادات صحية
ترجمة: حسن السعيد
تدقيق: مؤمن محمد حلمي
مراجعة: محمد حسان عجك
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة انا اصدق العلم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من انا اصدق العلم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.