الشارقة: سارة المزروعيمع حلول إبريل/نيسان وارتفاع درجات الحرارة التدريجي، بدأت رائحة زهور أشجار «السمر» تنتشر في الأودية والمناطق الجبلية، معلنة انطلاق موسم «البرم»، وهو الاسم المحلي الذي يُطلق على أزهار هذه الشجرة التي تُعد من أهم رموز البيئة المحلية في الإمارات، وتُعرف أشجار السمر بقدرتها على التكيّف مع البيئات الصحراوية القاسية، كما تشكّل مصدراً غنياً للرحيق الذي تعتمد عليه خلايا النحل لإنتاج واحد من أندر وأجود أنواع العسل المحلي.وتشهد المناطق الشمالية والوسطى من الدولة هذا العام تفتحاً مبكراً وكثيفاً لأزهار السمر، ما ينبئ بموسم واعد لإنتاج عسل السمر، الذي يتميّز بلونه الداكن ونكهته القوية وقلة حلاوته مقارنةً بأنواع العسل الأخرى، مما يجعله خياراً مفضلاً لدى من يفضلون الطعم الطبيعي الأكثر اعتدالاً.يُعدّ شهرا مايو ويونيو ذروة موسم إنتاج عسل السمر، حيث يتغذى النحل خلال هذه الفترة على رحيق الأزهار المتفتحة بكثافة.ويكثّف مربّو النحل والهواة نشاطهم في هذا التوقيت، متتبعين مسارات الجبال وممرات الوديان بحثاً عن خلايا النحل التي غالباً ما تكون مخفاة في أماكن يصعب الوصول إليها.ويقول داوود العبدولي، أحد هواة البحث عن العسل، إنّ مراقبة النحل أثناء توجّهه إلى مصادر المياه تُعد من أبرز الطرق التقليدية في هذا المجال، موضحاً: «تتبّع مسار عودة النحل بعد الشرب يُعد وسيلة فعالة لاكتشاف أماكن وجود الخلايا، خصوصاً تلك المحمية بين الصخور أو داخل الكهوف الجبلية».ويضيف: إن هذا الأسلوب يتطلب كثيراً من الصبر والانتباه، إلى جانب معرفة جيدة بطبيعة التضاريس، إذ تتحرك أسراب النحل في أنماط منتظمة يمكن للمتمرّسين تمييزها بسهولة، ويُلاحظ تكرار حركة النحل باتجاه نقطة معينة، ما يشير غالباً إلى وجود خلية قريبة.ويتابع موضحاً أن عسل البرم يُعد من الأنواع التي تزدهر في البيئات الحارة والجافة، إذ يعتمد إنتاجه على درجات حرارة مرتفعة، فيما يتراجع في الأجواء الباردة، وعلى الرغم من قلة الأمطار التي أعقبت موسم الشتاء، شهد هذا العام تفتحاً كثيفاً لأزهار السمر.ويأمل مربّو النحل أن ينعكس هذا التزهير الاستثنائي إيجاباً على جودة المحصول وكمياته، لاسيما في المناطق المعروفة بإنتاج العسل مثل حتا، الفجيرة، وأعالي جبال رأس الخيمة. كائنات بيئية في أطراف إحدى المزارع الواقعة في مدينة الطويين، ضمن بيئة زراعية غنية، يبدأ راشد اليماحي صباحه بتفقد خلايا النحل التي يعتني بها منذ سنوات. لا يتعامل معها كمصدر لإنتاج العسل فقط، بل ككائنات بيئية تؤدي دوراً حيوياً في الحفاظ على التوازن الطبيعي. فالنحل، كما يؤمن، هو شريك صامت في دورة الحياة النباتية، من خلال تلقيح الأزهار والمساهمة في تكاثر النباتات البرية والمزروعة، مما ينعكس إيجاباً على التنوع البيولوجي والإنتاج الزراعي في المنطقة.يقول اليماحي، الذي اختار الاستقرار في موقع زراعي ثابت بدلاً من نقل المناحل، إن قراره جاء مدروساً لتوفير بيئة مستقرة وآمنة للنحل، تعتمد على وجود مصادر غذاء طبيعية على مدار العام، وتجنّب الضغط الذي قد تسببه عمليات التنقّل المستمرة. ويضيف: «النحل لا يُنتج العسل فقط، بل يقوم بوظيفة بيئية لا تقل أهمية، وهي الحفاظ على استمرارية الحياة النباتية من خلال عملية التلقيح».وحول هذا التنوع، يوضح اليماحي أن العسل الإماراتي يمتاز بجودة عالية وتعدد موسمي في أنواعه، فكل موسم يقدم نكهة مختلفة تعكس ما تنتجه الطبيعة. ففي موسم السدر، يكون العسل بلون فاتح ومذاق خفيف، بينما يمنح عسل السمر طعماً أغنى ولوناً ذهبياً داكناً، ويليهما عسل الغاف، المستخرج من أشجار تُعد جزءاً من الهوية البيئية للدولة، ثم عسل الزهور الذي يُنتج مع بداية الربيع من تنوّع الأزهار البرية.