كتبت: هدى النقبي في زوايا الوطن، حيث يمتزج تراب الصحراء بعزيمة الرجال، تولد المبادرات النبيلة من رحم الحاجة، وتكبر بروح الانتماء. «سواعد السيوح» ليس مجرد اسم فريق، بل قصة إنسانية كتب سطورها شباب آمنوا بأن العطاء لا يحتاج إلى مال أو شهرة، بل إلى قلب ينبض بالخير وسواعد لا تتردد في الامتداد للآخر من أعماق الرمال، حيث قد تُصبح لحظة عطل صغيرة مأزقاً كبيراً، قرر هؤلاء المتطوعون أن يكونوا اليد التي تُنقذ، والصوت الذي يلبّي نداء الاستغاثة، لم تمنعهم حرارة الشمس، ولا وعورة الطرق، ولا حتى مشاغل الحياة، من أن يكونوا جزءاً من الحل، ونقطة ضوء في أوقات الظلمة، إنها مبادرة ولدت من الأزمة، واستمرت لأن القلوب التي تحملها كانت صادقة. يقول حمد عبدالله الحمادي، أحد مؤسسي فريق سواعد السيوح التطوعي: «البداية.. انطلقت الفكرة في أواخر عام 2021، مع اندلاع جائحة كورونا، حين أصبح التنقل بين المناطق مقيداً بتعليمات الجهات المختصة، في وقت سُمح فقط لشركات التوصيل بالتحرك لتلبية الاحتياجات الضرورية، من هذا الواقع، ولد الدافع: لمَ لا نكون نحن شباب المنطقة من يلبّي نداء الاستغاثة ويقدم المساعدة؟ بهذا الشعور بالمسؤولية، اجتمع أبناء السيوح ممن يملكون دراية بطبيعة المنطقة الصحراوية، وأطلقوا جهوداً تطوعية بسيطة تحولت بسرعة إلى فريق منظم يعمل بروح جماعية ووعي مجتمعي عالٍ، لم يكن الهدف الشهرة أو المقابل، بل السعي لرد الجميل لوطن أعطاهم الكثير». ويضيف: «توسع الفريق شيئاً فشيئاً، حتى بات يُعرف اليوم كفريق إنقاذ تطوعي في الشارقة، يخدم ضاحية السيوح والرحمانية؛ لأنها منطقة صحراوية والطرق غير معبدة، ويمتد إلى أي سائق أو شخص يحتاج إلى مساعدة، دون تمييز أو حدود وخاصة كبار السن، فالهدف هو التخفيف عن الجهات الرسمية من الشرطة والدفاع المدني، ويتعامل الفريق مع بلاغات التغريز في الرمال، والأعطال الميكانيكية، ونفاد الوقود، أو حتى بطاريات السيارات الفارغة، وفراغ إطار من الهواء، وكان له تجارب كثيرة في إنقاذ باصات المدارس والشاحنات العالقة في الرمال». ويقول الحمادي: «البدايات لم تكن سهلة، فقد عانى الفريق نقصاً في عدد المنقذين، لكن ما ميزهم هو حرصهم على انتقاء الأعضاء ممن يتحلّون بالأخلاق العالية والاتزان الفكري، ومع مرور الوقت ومع التدريب والتجارب، أصبح الفريق أكثر احترافية وقدرة على التعامل مع مختلف البلاغات، في أصعب الظروف وما يميز «سواعد السيوح» هو إيمانهم بأن الخير لا يُشترى، بل يُمنح رغم ما يتطلبه العمل من توفير معدات ومستلزمات الإنقاذ من راتبهم الخاص، الجميع في الفريق موظفون في وظائفهم الأساسية، ويقدمون وقتهم وجهدهم خارج ساعات العمل لخدمة الناس، كما تلقوا عروضاً عدة من جهات رسمية أو مجتمعية لدعمهم، لكنهم اختاروا أن تبقى المبادرة نابعة من القلب، وأن يكون العمل خالصاً لوجه الله». يضيف حمد الحمادي: «الناس ترد الجميل بكلمات طيبة ودعوات صادقة ونكون سعداء بهذا الثناء، وهذه الكلمات هي الدافع الأهم الذي يدفع الفريق للاستمرار، فكل مرة يتم فيها إخراج سيارة عالقة أو مساعدة مسن في الصحراء، تكون لحظة انتصار صغيرة تُكتب في سجل إنساني ناصع».واليوم لا يكتفي الفريق بما وصل إليه، بل يخطط لبناء منظومة تطوعية متكاملة، تكون درعاً في وقت الأزمات والطوارئ، ومصدراً للفخر في كل مناسبة، لكنهم أبطال في عيون كل من أنقذوهم، يظل وجود «سواعد السيوح» دليلاً على أن الإنسانية لا تزال تنبض، وتتمدد من رمال السيوح. وهكذا، تمضي سواعد السيوح في طريقها خطوة بخطوة، وغرساً بعد غرس، تروي أرض الوطن بروح العطاء والعمل النبيل، هم أولئك الذين لا ينتظرون شكراً ولا يبحثون عن أضواء، بل يصنعون أثرهم في صمت، ويتركون بصمة لا تُنسى في قلوب الناس، في زمن يتغير فيه كل شيء بسرعة، يظل الخير ثابتاً ما دام هناك من يؤمن بأن الإنسان خُلق ليعين أخاه، وأن الوطن يستحق منّا أن نكون سنده في كل وقت، فكل تغريزة تُحل، وكل سيارة تُسحب، وكل شخص يُنقَذ، ليست مجرد مهمة... بل هي رسالة إنسانية تُجسدها «سواعد السيوح» بكل فخر وصدق.