منوعات / صحيفة الخليج

العطاء والسخاء والعون.. قيم تحت ظلال النخلة

الشارقة: سارة المزروعي

في الذاكرة الإماراتية، لا تُعد النخلة مجرد شجرة، بل هي أيقونة راسخة للكرم والثبات، ومكون أصيل من الهوية الوطنية والوجدان الجمعي، فقد ارتبطت النخلة وجدانياً بأجيال متعاقبة، إذ كانت حاضرة في تفاصيل الحياة اليومية، لا سيما في البيئات الصحراوية والزراعية، حيث شكّلت مصدراً دائماً للعون والعطاء.

قدّمت النخلة غذاءً من تمرها، وسكناً من جذعها وسعفها، ودواءً مــــن ليفهـــا، لتجسد بذلك مفهــــوم الاعتماد على النفـــس والاكتفاء بما تجود به الطبيعة، وتحت ظلالها نشأ أبناء المجتمع على قيم العطاء والسخاء، مستلهمين من صبرها وصمودها دروساً في الكفاح والعمل، حتى غدت رمزاً يشكل جزءاً لا يتجزأ من الوعي الثقافي والهوية الإماراتية المتجذّرة في الأرض.
لعبت النخلة دوراً مهماً في البناء التقليدي، حيث استخدم سكان جذوعها القوية لبناء المنازل، بينمــــا شكّل السعـــف مادة أساسية لصناعة «العريش»، وهي بيوت صيفية خفيفة توفر الظل وتحمي من حرارة الشمس، وتحوّلت جذوع النخل إلى أعمدة تشدّ بنيان البيوت، بينما استُخدم السعف في تشييد الحوائط والأسقف، وجُدلت الحبال من الليف بخبرة يدوية، أما التمر، فكان زاداً موسمياً لا يُستغنى عنه في البيوت الإماراتية.
وتقول أم أحمد، التي عاصرت مراحل متعددة من الزمن: «لم نكتفِ باستخدام السعف والجريد لبناء البيوت فقط، بل صنعنــا منــه السلال والحصــر التي كانــت جزءاً مهمــاً من الحيــاة اليومية، إضافة إلى استخدام نواة التمر فـي علــف الحيوانات».

حضور


تسهم المهرجانات التراثية في تعزيز حضور النخلة ومكانتها لدى الأجيال الجديدة، حيث تعد منصة فاعلة للتوعية بأهمية المحافظة على هذه الثروة الطبيعية والثقافية التي شكلت جزءاً من هوية المجتمع الإماراتي.
وفي هذا الإطار، أوضح محمد الكتبي، أحد المشاركين في مهرجانات التمور والنخيل، أن الهدف من هذه الفعاليات يتمثل في تثقيف الزوار وتسليط الضوء على الدور الحيوي للنخيل والتمر في التراث المحلي، مشيراً إلى تنظيم أنشطة تفاعلية متنوعة، تعد فعالية غرس أشجار النخيل من الأنشطة التي جذبت اهتمـــام المشاركين، لما تحمله من رمزية تراثية تهدف إلى تعزيز ارتباط الجمهور بالبيئة الزراعية وتعميق فهمهم لتاريخ النخلة.
من جانبه، أكد حمدان المنصوري، أن هذه المهرجانات تسلط الضوء على أهمية النخلة ومنتجاتها، كما تشجع فئة الشباب على الاهتمام بها عبر مسابقات وفعاليات تحيي القيم التراثية وتعزز الانتماء الوطني.
وتُعد «جائزة خليفة الدولية لنخيل التمـــر والابتـــكار الزراعي» من أبــــرز المبادرات العالميــة الداعمـــة لتطويــــر قطـــاع النخيـــل، عبر تشجيع البحث العلمي والتقنيات الزراعية الحديثة، كما تسهــم مهرجانات نوعية مثل «مهرجان الإمارات الدولي للنخيــل والتمر» و«مهرجان العين للتمور» في تعزيز استدامة هذا القطاع، من خلال توفير منصات لتبادل التجارب، وتسويق المنتجات، والتوعية بالقيمة الاقتصادية والتراثية للنخلة.

حكايات شعبية وأمثال


في الموروث الشعبي الإماراتي، حضرت النخلة في الحكايات المتداولة على ألسنة الأجداد كرفيقة للإنسان في رحلته مع الحياة، ومصدرٍ للظلال والقوت في أوقات العسر والتعب.
تؤكد نورة النقبي أن النخلة ارتبطت بذاكرتها منذ الطفولة، قائلة: «من يوم كنا صغار والقصص ما كانت توقف عن النخلة، تربينا على حكاياتها وتعلمنا منها القيم.»
وتستحضر إحدى القصص الشعبية المتداولة، التي تروي حكاية رجل كريم غرس نخيلاً كثيراً في أرضه، وحينما أصاب القرية الجفاف ورحل أهلها، بقيت نخيله صامدة تثمر وتمنح عطاياها للمحتاجين والمسافرين، حتى غدت رمزاً خالداً في الذاكرة الشعبية للكرم والثبات والعطاء الذي لا ينضب. هذا الحضور العميق للنخلة في وجدان المجتمع تجلّى في قصص وأمثال شعبية كثيرة، أبرزها: «من يزرع النخيل ما يخيب»، و«النخلة ما تنحني إلا لخير»، وهما مثلان يُجسدان القيمة المعنوية والاقتصادية لهذه الشجرة، ويعبّران عن الوفاء والصبر والثبات.
وتكشف الأمثال الإماراتية عن خبرات عملية متراكمة اكتسبها الأجداد في تعاملهم مع النخيل. ومثل «كل نخلة وألها سقية»، في إشارة إلى خصوصية الاحتياجات واختلاف الطبائع بين الناس كما النخيل.
تضيف ميثاء المهيري أن لدينا في مخزوننا التراثي الإماراتي العديد من الأمثال ذات الدلالات العميقة، التي تعكس الحكمة وجسد القيم المتوارثة جيلاً بعد جيل، وفي جانب النقد الاجتماعي، تشير المهيري إلى مثل: «الطول طول النخلة والعقل عقل سخلة»، وهو يُستخدم في سياق الأمثال الشعبية ذات الطابع النقدي، ويُستخدم للتعبير عن التناقض بين المظهر الخارجي والسلوك أو التفكير، حيث يُطلق على من لا توازي قامته أو هيئته مستوى نضجه العقلي.
وتضيف المهيري مثلاً آخر يُبرز البُعد الاجتماعي للنخلة في الثقافة المحلية، قائلة: «اللي ما يزرع الدبّاس ما ياخذ بنات الناس»، في إشارة رمزية إلى ارتباط النخلة بقيم الكرم وتحمل المسؤولية، حيث يُعد التمر رمزاً للعطاء والاستقرار، ما يجعل هذا المثل تعبيراً شعبياً عن الجدارة في بناء الأسرة والمجتمع.

قصيدة


استأثرت النخلة بمكانة بارزة في القصيدة الإماراتية، فحضورها تجسيد لارتباط روحي وثيق بين الإنسان والأرض، وقد اختارها الشعراء رمزاً للصمود والكرم، مستلهمين منها صوراً شعرية تعبّر عن قيم الوفاء والأصالة.
في القصائد الشعبية، تظهر النخلة شامخة، معتزة بمكانتها، حاضرة بجمالها، يتغنّى بها الشعراء ويشبّهون بها المحبوبة تعبيراً عن العفة والرفعة، أو يستحضرونها رمزاً للأهل والأجداد، بما تمثله من كرم وثبات وصبر.
حمدان المنصوري: المهرجانات تحيي القيم التراثية للنخيل

«شيخة الرمل»

من بين القصائد التي احتفت بالنخلة كرمز للعطاء المتجذر في الوجدان الشعبي، قصيدة الشاعر عتيق خلفان الكعبي بعنوان «شيخة الرمل». استهل الشاعر أبياته بصورة فخرية، ليمنح النخلة مكانة تليق بها بوصفها «شيخة»، تشهد على أصالة التراث وسمو القيم.هز جذع النخيل وشوف كيف الكرم.. أيتساقط بكفك من سماواتهاثابت المجد فيها من عصور القدم.. واسمها عز يتلى بين آيتها قال عنها الرسول وهي حديثه نعم.. عمه لكل مسلم صان خيراتهاشيخة الرمل تبقى فوق كل القمم.. في المعالي وتسمو في مقاماتهازايد اللي غرسها بالصبر والعزم.. وزف كل البشاير في مساحاتها.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا