منوعات / صحيفة الخليج

«سينرز».. رعب على وقع الموسيقى والاستعراضات

مارلين سلوم

يبدو أن المخرج راين كوجلر أراد تجسيد «الرقص مع الشيطان» حرفياً في رعب يخلط فيه بين الموسيقى والغناء والرقص، معرجاً على القضايا السياسية والإنسانية والتمييز العنصري الذي عانى منه طويلاً أصحاب البشرة السمراء في أمريكا، دون أن ينسى تذكيرنا بالهنود الحمر أهل الأرض الأصليين ولو بمشهد واحد. مجموعة قضايا جمعها في فيلم الرعب «سينرز»، الذي يمتد لأكثر من ساعتين وربع الساعة، دون أن يدخلك في دوامة الملل، رغم أن بدايته تبدو درامية غير مخيفة، بل تشعر بأنها إحدى قصص أفلام الموسيقى والجريمة لا الرعب، لينتقل بك لاحقاً إلى مرحلة أكثر قسوة وتجد نفسك أمام فيلم مثالي عن مصاصي الدماء، بكل التعويذات والخرافات التقليدية التي نشاهدها في كل تلك النوعية من الأفلام، مع لمسات كوجلر المميزة التي تجعل الفيلم ناجحاً ومميزاً.
مقدمة «سينرز» تمهّد لأحداث سيكون محركها الشر و«حراس النار»، ويدفع الثمن فيها كل من يحاول العبث معهم، وكل من يرتكب أخطاء جسيمة؛ مقدمة تعكس مباشرة المعنى الحقيقي لعنوان الفيلم، ثم يأخذنا المؤلف والمخرج راين كوجلر إلى مشهد غامض يشكل هو الآخر مقدمة غامضة؛ حيث نرى شاباً يصل إلى كنيسة قرية، يدخلها بخطى متثاقلة، وثيابه ممزقة وعلى وجهه ورقبته آثار جروح عميقة كأنها معركة مع وحش شرس، الدماء مازالت ظاهرة، وفي يده يحمل سامويل (مايلز كاتون) بقايا غيتار يرفض التخلي عنه؛ ثم ينتقل بنا المخرج إلى ما قبل هذا المشهد الغريب، لا يبتعد كثيراً بل يرجع يوماً إلى الوراء، فنجد سامويل يقطف القطن ويعود إلى المنزل وهو يغني، تطلب منه والدته إيقاظ إخوته الصغار، ثم نفهم أنه يرغب في الذهاب بعيداً لتحقيق حلمه في الغناء، وهو ما يفعله رغماً عن والده، كاهن البلدة الذي يرى أن ابنه يضل الطريق، ويقول له: «إذا بقيت ترقص مع الشيطان، فسيلحق بك يوماً إلى المنزل».

تحقيق


سامويل يجد في ابني عمه التوأم سموك وستارك (يجسدهما مايكل جوردان) الأمل في تحقيق حلمه، هما القادمان من شيكاغو، يملكان المال الوفير والكل يخاف منهما، غادرا البلدة بعد أن قتلا والدهما كما تقول الشائعات، يملكان المال والسلاح، ويكفي أن تذكر لقبهما «التوأم» حتى يرتعش الجميع وينبهر الصغار.. جوردان يمنح الشخصيتين الهيبة المطلوبة والغموض في النظرات والطيبة المخفية والتي لا تظهر إلا في تعاملهما مع أشخاص معينين، مثل سامويل وصديقهما بو تشاو (ياو) وزوجته جرايس (لي جون لي)، وساحرة هودو التي تُدعى آني (وونمي موساكو) والتي كانت حبيبة سموك قبل أن يتركها ويغادر إلى شيكاغو.
سبق أن اشترى التوأم منشأة قديمة مهجورة لذلك يستعينان بمعارفهما من أجل تحويلها إلى مطعم سيتم افتتاحه في نفس اليوم، يحضران عازف البلوز القديم دلتا سليم (ديلروي ليندو) ليعزف على البيانو ويقدم سامويل في أول إطلالة له كمغني البلوز، كما تأتي آني لطهي الطعام، فيما تتولى جريس وزوجها بو تشاو تركيب اليافطة والعمل في المطعم لخدمة الزبائن، وكورنبريد (عمر بنسون ميلر) يتولى حراسة الباب. الافتتاح يفوق توقعات التوأم، يصل الزبائن وكلهم من الأمريكيين من أصول إفريقية، أي أصحاب البشرة السمراء، باستثناء ماري حبيبة ستاك السابقة (هايلي ستاينفيلد)، التي يخطئ الكثيرون باعتبارها بيضاء، بينما هي مثلهم من أصول إفريقية لكنها ابنة زواج مختلط، كما تظهر بيرلين (جايمي لوسون)، الفتاة ذات الصوت الجميل التي يُعجب بها سامويل.
كل هذه التفاصيل التمهيدية تجعلنا نغرق في أجواء بعيدة تماماً عن الرعب، وكل تلك التحضيرات تأخذنا إلى حكايات الشخصيات وطبيعة علاقتها بالتوأم سموك وستاك، ويستغرق تراكم الشخصيات والقصص الخلفية وقتاً طويلاً لدرجة أننا لا نصل إلى افتتاح المطعم إلا بعد مرور ساعة تقريباً من بداية الفيلم؛ حكايات يطرح فيها المؤلف والمخرج كوجلر مجموعة قضايا، أبرزها العنصرية التي عانى منها طويلاً الأمريكيون من أصول إفريقية وما عرفته أمريكا من حروب وقتل وتمييز وتلفيق قضايا وسجن وتعذيب على أيدي أصحاب البشرة البيضاء؛ ويُذكّر بتاريخ وجذور شعبه الأسمر، بعبارات تعكس الواقع، مثل عبارة يقولها سليم لسامويل «البلوز لم يُفرض علينا بل جلبناه معنا إلى هذه الأرض»، رغم عمل التوأم في شيكاغو مع عصابة كابوني، وعودتهما إلى دلتا المسيسيبي ومعهما الكثير من النقود السلاح وكل ما يحتاجان إليه لفتح مطعم وملهى، إلا أنهما لم يتمكّنا من منع تلك النظرة الفوقية والعنصرية التي تعامل معهما بها صاحب المنشرة الأبيض، والذي يتبيّن لاحقاً أنه خدعهما فتسبب لهما ولكل من حضر افتتاح المطعم بكارثة كبرى.

وسائل بدائية


يمكن القول، إن المخرج جعل نصف فيلمه الأول درامياً ونصفه الثاني رعباً ودماء وظهوراً لمصاصي الدماء، مع الاحتفاظ بكل الثيمة المعهودة والتي تتكرر في كل هذه النوعية من الأفلام؛ حيث تتم مواجهة مصاصي الدماء بوسائل بدائية وهي الوحيدة القادرة على التخلص من هؤلاء «الأموات- الأحياء»، مثل الثوم الذي يكشف ما إذا كان الإنسان عادياً أم تحول بعد مقتله إلى مصاص دماء، وماء لا يتحمله هؤلاء، شروق الشمس يحرقهم، أوتاد خشبية صلبة قادرة على اختراق القلب فتُبطل مفعولهم وتقضي عليهم.. المنشأة لها قصة مع مصاصي الدماء، ما يعني أنها مسكونة، وأن الحفلة التي يملأها سامويل وسليم وبيرلين رقصاً وغناء وفرحاً تتحول إلى ليلة رعب مخيفة، نصبح أمام فيلم رعب موسيقي، ويبرع كوجلر في تقديم وجهي القصة والانتقال بمنطق وسلاسة من الحالة الدرامية الاجتماعية السياسية الأولى، إلى حالة الرعب الدموية، والتي نحسبها تنتهي عند نقطة البداية، حيث يعود بنا كوجلر إلى مشهد عودة سامويل إلى بلدته وبيده بقايا الغيتار، الآن نفهم سبب حالته المزرية وتلك الآثار على وجهه ورقبته.. لكن لا تكون هنا، صحيح أننا نفهم من تلك العودة رغبة المؤلف في التذكير بأن الإيمان يكون هو الخلاص والقادر على مواجهة الشيطان، لكن كوجلر يذهب أبعد من ذلك، ويصل بنا إلى مفهوم آخر، حيث يستكمل الأحداث بمشهد يخبرنا فيه أن محاولات الشيطان لا تعرف اليأس، وأنها قادرة على ملاحقة الإنسان حتى بعد تقدمه في العمر، فهل ينتصر؟.

شخصيتان متشابهتان


راين كوجلر الذي سبق أن شاهدنا له أفلاماً متميزة وقوية مثل « الأسود: واكاندا للأبد»، لا بد أن يذكر الجمهور بأصوله الإفريقية وما عاناه شعبه من العنصرية الأمريكية، عقدة ترافقه وينجح في التركيز على هذه الجزئية في «سينرز»، كما ينجح في اختياره لمايكل جوردان ليقوم بأداء مزدوج وناجح لشخصيتين متشابهتين مع بعض الفروقات التي تبرز أحياناً وتغيب أحياناً أخرى فيختلط علينا الأمر بين سموك وستاك، علماً أن براعة المخرج جعلتنا نحسب فعلياً أن البطلين توأمان في الحقيقة ولا يؤديهما شخص واحد، كذلك تألق مايلز كاتون بدور سامويل ونافس جوردان بقوة، لدرجة أنه جعلنا تتساءل هل هذه قصة سموك وستاك أم قصة سامويل؟ ولماذا بدأ عمله كوجلر بسامويل وأنهاه فيه ومعه فشعرنا بأنه البطل الرئيسي؟.
يتميز «سينرز» أيضاً بأنه عمل موسيقي واستعراضي، وفي أصعب لحظات الفيلم وأشدها رعباً، يختلط غناء مصاصي الدماء مع غناء زبائن المطعم، مشهد استعراضي في الداخل يليه مشهد استعراضي آخر يجتمع فيه مصاصو الدماء وكأنهم يستعدون للوليمة الكبرى؛ ونظراً إلى تضمن الفيلم مشاهد لا تليق بالمشاهدة الأسرية ولا بالأطفال، ننصح بعدم مشاهدته إلا لمن يحبون هذه النوعية من الأفلام وهم من البالغين.

[email protected]

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا