مارلين سلوم تستمر «هوليوود» في سياسة إعادة تدوير أفلامها، فهي تنبش في دفاترها عن أنجح أفلام الكرتون التي صنعتها قديماً وحديثاً لتعيد تقديمها، إنما مع أبطال حقيقيين من لحم ودم لا رسوم كرتونية، ولأن النتيجة مرضية تجارياً بسبب حب الجمهور لتلك الأفلام وإقباله الكبير على إعادة مشاهدتها حين تحولت إلى أفلام «آدمية» لا كرتونية، مثل «سندريلا» و«الجميلة والوحش» و«الأسد الملك»، شاهدنا هذا العام تجربتين «ليلو آند ستيتش» ثم «كيف تروّض تنينك» الفيلم الذي يعرض حالياً في الصالات ويُقبل الجمهور على مشاهدته لارتباطه بالنسخة الأولى الكرتونية التي عرضت قبل 15 عاماً، ولأن النسخة الحديثة ناجحة وتستحق المشاهدة وجاذبة وإن كانت مستنسخة بلا تعديلات أو إضافات عن سابقتها. إعادة التدوير لا تعني بالضرورة نجاح كل تجربة سينمائية، فهذا العام شاهدنا فيلم «سنو وايت» الذي أنتجته وقدمته شركة ديزني قبل نحو تسعين عاماً (تحديداً 88 عاماً) بأول نسخة رسوم متحركة وتعلّق به ملايين الأطفال حول العالم (ومازال المفضّل) ورأينا نسخاً كرتونية متعددة منه لاحقاً، لكن تقديمه بنسخة حية هذا العام فشل فشلاً ذريعاً على عكس «ليلو آند ستيتش» و«كيف تروّض تنينك»، وهذا الأخير قد يعود تطابق النسختين الكرتونية منه إنتاج 2010 والحديثة بأبطال ونجوم حقيقيين، لأن مخرجهما ومؤلفهما واحد، دين ديبلوا الذي شاركه في الكتابة ويليام ديفيز وكريسيدا كويل، وقد اختار ديبلوا إسناد أدوار البطولة لنجوم يشبهون إلى حد التطابق أيضاً الشخصيات التي تم رسمها في النسخة الأصلية، بل جسد النجم جيرارد بتلر الشخصية نفسها «ستويك» زعيم القبيلة بالصوت في الفيلم الكرتوني وبحضوره الرائع في هذا الفيلم، كما استعان بممثلين مناسبين ليحلوا محل طاقم التمثيل الصوتي الذي عمل في النسخة الكرتونية، رغم أن البطل الرئيسي ماسون ثاميس لا يتمتع بكاريزما عالية لكنه مناسب جداً لشخصية هيكاب ابن الزعيم، الفتى المراهق العنيد الشجاع الضعيف البنية الذي لا يشبه أبناء قبيلته وباقي القبائل من «الفايكينجز»، وهو يشبه في الشكل هيكاب الذي كان في خيال المؤلف منذ البداية. هو أول عمل يحوّله ديبلوا من فيلم حركة إلى فيلم حي، التجربة ناجحة من حيث المضمون، لكن ما تستغربه هو الهدف من إعادة استنساخ «كيف تروّض تنينك» بشخصيات حيّة دون تقديم أي إضافة ولو بسيطة على القصة ولا أي تفصيلة مهمة في تطور الأحداث، وكأن ديبلوا يريد التأكيد على رضاه التام عن هذا العمل لدرجة أنه لم يفكر في تغيير أي شيء بعد مرور 15 عاماً على النسخة الأولى، وفاء نادراً ما نجده لدى المخرجين والمؤلفين، خصوصاً في ظل التطور المبهر للتقنيات السينمائية ووجود أفلام ضخمة تجذب الأطفال والمراهقين بل كل الأسرة لمشاهدتها ولم يصل إلى مستواها نفسه في الإبهار، ولا مجال لمقارنته مثلاً بأفلام من نوعية «أفاتار» التي اعتمدت على المزج بين البشر والحيوانات خصوصاً التنانين التي تحلّق مع البشر عالياً وتتصارع معها. درجة التقييم هذا الوفاء لدى المخرج ديبلوا مكّن الفيلم من المحافظة على درجة التقييم نفسها التي حصل عليها في النسختين وهو إنجاز يُحسب لصناع الفيلم، تقييم عالٍ يستحقه ونجاح فاق الكثير من أفلام شاهدناها هذا العام ولنجوم كبار، ولأنها التجربة الأولى للمخرج ديبلوا في مجال تحويل التحريك إلى حي، يكون نجاحه مضاعفاً رغم بعض المآخذ على إطالة الفيلم نحو نصف ساعة عن النسخة السابقة بلا أي دواع حقيقية، أو تفاصيل مؤثرة في الأحداث، ربما سعى من خلالها ديبلوا إلى الانخراط في عالم المتعة البصرية مع تحليق بطله هيكاب مع التنين الأسود والذي يطلق عليه اسم توثليس عالياً وأخذنا معه في جولة فوق الجبال والمناظر الطبيعية. أحداث الفيلم تدور أحداث الفيلم في قرية فايكنج لقبيلة بيث، تُحاصرها باستمرار أنواع مختلفة من التنانين، لذلك اجتمع فيها فايكينجز من قبائل مختلفة، كلهم تضرروا سابقاً من التنانين، ويعيشون في حرب دائمة مع تلك المخلوقات الضخمة ويخططون للوصول إلى عش التنين لاعتقادهم أن القضاء عليه سينهي هذه الحرب فيعيشون جميعاً بسلام. ينطلق الفيلم من هجوم لتنانين وحرب شرسة تدور بين أهل القرية وهذه المخلوقات الضخمة، يخرج فيها كل رجال وشباب القرية للمساعدة والمشاركة مع محاربي بيث الكبار وزعيمهم الأكبر والأوحد ستويك (جيرارد بتلر) بينما يسعى ابنه الوحيد هيكاب (ماسون ثاميس) للمشاركة معهم فيعيده والده للوقوف في الخلف مختبئاً ليس فقط خوفاً عليه بل لأنه لا يشبههم، ليس من الفايكينج بل يشبه والدته الرقيقة والتي قضى عليها التنين في إحدى المعارك، أما هيكاب فيخجل من كونه الوحيد بين مراهقي البلدة الذي لا يشارك في أي معركة، بينما الفتاة التي يحبها أستريد (نيكو باركر) شجاعة وفايكينج حقيقية تقود فريق الإطفاء المكوّن من مراهقي الفايكينج. تقود الصدفة هيكاب إلى مكان في الغابة يجد فيه تنيناً أسود يبدو ضعيفاً لاسيما أنه مكبّل مقيّد بشباك فخ، يقرر هيكاب قتله ليثبت لنفسه وللآخرين أنه قادر على مواجهة التنانين وأنه محارب شرس، لكنه يضعف ويتراجع، ونظرة التنين توحي وكأنه طفل يستنجد وفي عينيه براءة تجعل الجمهور وليس هيكاب فقط يشفق عليه ويتعاطف معه، يضعف هيكاب ويفك أسر التنين الذي يحاول بدوره إخافة الشاب ثم يهرب بعيداً.. المخرج يعتمد أسلوب السرد في بداية الفيلم وفي محطات معينة، نسمع فيها صوت البطل هيكاب يروي بعضاً من أفكاره ومن خلفيات القبيلة وما عاشوه سابقاً وبعض التعريف عن شخصيات.. الكل يخاف من تنين «نايت فيوري» الذي لا يقدر عليه أحد ولم يره أحد، ولأن هيكاب مر بتجربة غريبة مع أحد التنانين ولم يفش بسره لأحد، لاحظ أن هذه المخلوقات ليست كما يدعي أو يتوهم والده والفايكينجز، فالتنين لم يقتله رغم قدرته على ذلك، ويكتشف أن قتل التنانين ليس الحل الوحيد لإنهاء هذه الحرب المستمرة، ثم يلاحظ أن هذا التنين يعيش وحيداً في واد ويعاني إعاقة ما تمنعه من التحليق عالياً، فيقرر مساعدته ويخترع ما يشبه ذيل التنين بشكل آلي يساعد ما أطلق عليه اسم توثليس في التحرك والطيران.. ثم يبدأ البحث عن معلومات أكثر عن أنواع التنانين، ويقرر عدم المشاركة في أي قتال في الوقت الذي يقرر فيه والده الإبحار مع باقي أفراد القبيلة على أن يبدأ ابنه مرحلة التدريب على القتال مع المدرّب جوبر (نيك فروست).. يحاول الفتى إقناع أبيه بأن قتال الوحوش ليس الحل الوحيد، لكنه كعادته لا يسمعه ولا يحاول فهم أفكاره. ستويك المهووس بالعثور على عش التنين لاعتقاده أنه سيمكّن الفايكينج من السيطرة على مخلوقات الليل التي تسرق أغنامهم وتحرق أكواخهم وتقتل وتشوّه أبناء قبيلتهم، يعود من رحلته البحرية ليفاجأ بما أنجزه ابنه في غيابه، واستطاع نيل لقب أمهر صياد تنانين بين أبناء جيله، لكن الأمور تأخذ مجرى معاكساً وتؤدي إلى معركة كبرى في قلب عش التنين.. من أجمل ما يحمله هذا الفيلم من معاني أن تحكيم الجانب الإنساني والعاطفي والعقلاني لا يعتبر ضعفاً، وأن الإعاقة ليست تشوهاً بل نرى وربما من المرات القليلة التي تعتمدها السينما، أن البطل انتصر وحقق المعادلة الصعبة والحياة الجميلة لأهل قبيلته وللتنانين ولكنه دفع الثمن غالياً. أداء جيد أداء كل الممثلين جيد خصوصاً جيرارد بتلر ونيكو باركر وماسون ثاميس، كما أن الفيلم يستحق المشاهدة وإعادة المشاهدة خصوصاً للأطفال والمراهقين خصوصاً أنه يتضمن معاني وقيماً إنسانية جميلة، والأهم أنه يخلو من الخبث والشخصيات غير السوية والشخصيات المثلية التي أصبحوا يحشرونها في كثير من الأفلام البريئة.