مرحلة المراهقة من المراحل التي تعتبر من المراحل الحساسة التي يقع فيها الأبناء وعلى الأهل الحفاظ على أبنائهم من الانزلاق نحو العادات الخطرة ورفقاء السوء، إن بناء جسر متين من الثقة مع قدر واعٍ من الرقابة، يظل السلاح الأهم لحماية المراهقين من مخاطر قد تغيّر مسار حياتهم بين الحرية المطلوبة والتوجيه المسؤول من قبل الأبوين، وهكذا تتحقق المعادلة الصعبة التي تحفظ الأبناء وتقوّي الروابط الأسرية. المراهقة ليست أزمة بل فرصة ذهبية لبناء شخصية قوية ولابد من زرع الثقة بالأبناء، فكيف يمكن للآباء ممارسة الرقابة والتوجيه؟ وهل المراقبة الدائمة والإلحاح بالسؤال يُنفر الأبناء أم يحصنهم؟. تقول د. مريم اليماحي، مستشارة أسرية (تنفيذي رئيسي-وزارة الأسرة) إن التوازن بين الرقابة والحرية يتحقق عندما يفهم الأهل أن دورهم يتمثل في التوجيه لا التحكم، ولابد من وضع قواعد واضحة ومُتفق عليها بشأن السلوك، مع توضيح أسبابها، واحترام خصوصية المراهق، مع الإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة. ومراقبة غير مباشرة عبر الاهتمام بالحياة اليومية دون التدخل المفرط، مع تنمية المسؤولية الذاتية عند المراهق من خلال تشجيعه على اتخاذ القرار وتحمل نتائجه. أضافت د. مريم: «عندما تتحول الرقابة إلى قيود تظهر بعض المؤشرات مثل لجوء المراهق للكذب أو إخفاء المعلومات خوفاً من العقاب وظهور سلوكيات تمردية، مثل تحدي القواعد أو الانعزال وضعف الثقة المتبادلة وصعوبة الحديث عن القضايا الشخصية أيضاً الشعور الدائم بالمراقبة، مما يولد توتراً نفسياً وقلقاً وإن الثقة لا تُمنح فجأة بل تُبنى عبر الزمن، ويكون ذلك من خلال الالتزام بالاستماع دون إصدار أحكام مسبقة والاحترام المتبادل، وإظهار التقدير لرأي المراهق مشاركة الأهل بعض تجاربهم الشخصية لإضفاء روح الأمان والانفتاح، مكافأة الصراحة والصدق بتعزيز الثقة ومنح مساحة أكبر من الحرية». وأضافت: الحوار الإيجابي هو العمود الفقري لعلاقة سليمة مع الأبناء، ويعمل على توجيه المراهقين بطريقة مرنة تحترم تفكيرهم وتطلعاتهم وتقديم النصائح بلغة تفاهم وشراكة بدلاً من إصدار الأوامر، استخدام الأسئلة المفتوحة بدلاً من التحقيق لتشجيع التعبير الحر، وفي بناء علاقة تقوم على الاحتواء لا على الشك. واختتمت مريم اليماحي كلامها: إنه في عصر التكنولوجيا تصبح الرقابة الذكية أكثر فاعلية من الرقابة الصارمة في تثقيف المراهقين حول مخاطر الإنترنت بدلاً من حظر الاستخدام، بالاتفاق معهم على قواعد لاستخدام الأجهزة والتطبيقات كنوع من التعاقد الأسري في استخدام برامج الرقابة الأبوية بشفافية، مع توضيح الهدف الوقائي منها وبمتابعة سلوكهم عبر ملاحظة التغيرات النفسية والاجتماعية بدلاً من التلصص الرقمي. أصعب المراحل تقول أم ميثاء الظهوري إن مرحلة المراهقة تعد من أصعب المراحل التي تمر بها الأسرة، خاصةً الأمهات اللواتي يواجهن مشاعر متضاربة بين الثقة والقلق، وتضيف:«أصبحت أعيش نوعاً من الوسواس كلما خرجت بناتي مع صديقاتهن المقربات إلى المول، رغم أنني أعرفهن جيداً وأثق بهن كثيراً، لكن لا أستطيع منع نفسي من السؤال عنهن باستمرار والاطمئنان عليهن في كل حين، ولا أرتاح إلى حين وصولهن للمنزل. تقديم النصيحة يقول أبو يوسف الزعابي، لديّ ولدان في سن المراهقة ودوري كأب أقدم لهما النصيحة ولكن الضغط الزائد يولّد العناد ولكني لا أتركهما بلا رقابة، أتابعهما عن بُعد، وأتواصل هاتفياً دائماً وسؤالهما عن أحوالهما وماذا يفعلان؟ لأني أراها طريقة مفيدة لكي لايقع أحد بالخطأ وأضع حدوداً لا يمكن تجاوزها، كعدم المبيت خارج البيت وعدم صحبة رفاق السوء، وفي حال تعرض لمضايقات أن يعلمني لتفادى أي سلوك خاطئ قد يقع به. يقول سعيد محمد النقبي: في هذه السنّ أصبحت أقلق على أبنائي كثيراً، بحكم عملي أسعى بأن يكون لأبني صداقات محدودة ضمن الصحبة الطيبة وذات السلوك الجيد وبهذا ارتاح ولا أفكر بانه سوف يفعل سلوكيات خاطئة في الخارج. ويضيف: تعزيز الثقة بين الوالدين والأبناء في سن المراهقة هو حجر الأساس لعلاقة صحية ومستقرة تنمو مع مرور الوقت، وإن الاستثمار في هذه الثقة يضمن بيئة أسرية داعمة تثمر جيلاً قوياً وواعياً، بالحب والتفاهم والحوار البناء يمكن تجاوز تحديات هذه المرحلة بنجاح.