نجح علماء أعصاب من 22 مختبراً حول العالم في رسم أول خريطة عصبية شاملة تُظهر ما يحدث داخل الدماغ أثناء اتخاذ القرار.هذا التعاون الدولي، الذي استغرق سبع سنوات، يمثل نقطة تحول في علم الأعصاب ويُتوقع أن يُسجَّل كأحد أعظم إنجازاته.بيانات هائلة: دراسة 600 ألف خلية عصبيةاعتمد الباحثون على بيانات من 139 فأراً، شملت نشاط أكثر من 600 ألف خلية عصبية في 279 منطقة دماغية، أي ما يعادل نحو 95% من دماغ الفأر.هذه المرة الأولى التي يتم فيها تقديم صورة متكاملة لأنماط النشاط العصبي عبر الدماغ بأكمله خلال اتخاذ القرارات.كيف أُنشئت الخريطة؟• وضع الباحثون بروتوكولاً موحداً لجمع البيانات في جميع المختبرات المشاركة.• استخدمت تقنية Neuropixels وهي مجسات رقمية فائقة الحساسية تتيح تسجيل نشاط آلاف الخلايا العصبية في الوقت نفسه.• خضع الفئران لتجربة سلوكية حيث ارتدوا «خوذات أقطاب كهربائية» أثناء توجيه عجلة صغيرة لتحريك دائرة مخططة على شاشة مقابل الحصول على مكافأة من ماء السكر.نتائج مزدوجة: نشاط عصبي واسع وتوقعات مسبقةأثمرت الدراسة عن ورقتين علميتين نُشرتا في مجلة Nature:1- أثبتت أن النشاط الكهربائي المرتبط باتخاذ القرار منتشر في جميع أنحاء الدماغ وليس مقتصراً على مناطق الإدراك أو الحركة كما كان يُعتقد سابقاً.2- ركزت على دور المعرفة السابقة (Prior Knowledge) في تشكيل القرارات، حيث تبين أن الدماغ يستعين بتجارب سابقة منذ اللحظات الأولى لبدء معالجة المؤثرات الحسية.من خلية واحدة إلى شبكة هائلةعلى مدى عقود، اقتصرت الأبحاث على تسجيل نشاط خلية عصبية واحدة باستخدام الأقطاب الكهربائية التقليدية وهو عمل بطيء ينتج بيانات محدودة.لكن مع Neuropixels، قفز العلم من تسجيل مئات الخلايا في منطقة واحدة إلى مراقبة مئات الآلاف عبر الدماغ بأكمله.مراحل اتخاذ القرار داخل الدماغ• البداية: نشاط مكثف في المناطق الخلفية المسؤولة عن الرؤية.• الوسط: انتقال النشاط إلى مناطق التحكم الحركي مع اقتراب اتخاذ القرار.• أخيراً: انفجار من النشاط العصبي عند تلقي المكافأة.يوضح ذلك أن عملية اتخاذ القرار ليست نتاج منطقة واحدة، بل شبكة دماغية واسعة تعمل بتناغم.ثورة في علم الأعصاب: مسح رقمي للدماغشبّه العلماء هذا المشروع بـ مسح سلون الرقمي للسماء (Sloan Digital Sky Survey) الذي غيّر علم الفلك بفضل تعاون مئات الباحثين لإنتاج خرائط ثلاثية الأبعاد دقيقة للكون.وصف بول غليمتشر من جامعة نيويورك المشروع بأنه «حدث تاريخي» سيعيد تشكيل طريقة دراسة الدماغ، بينما يأمل القائمون على «المختبر الدولي للدماغ» (IBL) أن يصبح نموذجاً لتعاونات مستقبلية أوسع.بداية لعلاج الأمراض العصبية والنفسيةلا تعد هذه الخريطة نهاية المطاف، بل بداية عصر جديد من الأبحاث التي ستساعد العلماء على فهم السلوك المعقد والاضطرابات المرتبطة بالدماغ وربما تمهّد الطريق نحو علاجات مبتكرة للأمراض العصبية والنفسية.