يعتبر «البورتريه» من الفنون الصعبة في فضاء الفن التشكيلي، والذي يحتاج إلى رسام محترف، يمتاز بحساسة عالية ومهارة لجهة إبراز تفاصيل الوجه وتلك الملامح الدقيقة التي تعبر عن الشخصية المرسومة، مع خبرة في مزج الألوان ودراسة الملامح التعبيرية، خصوصاً في رسم العينين والأنف والوجنتين، والشعر، وغير ذلك مما يحمله الوجه من تفاصيل تحاول استنطاق الشخصية. «البورتريه» الذي نشاهده اليوم للفنانة الإماراتية شما العامري، وهو يصور وجه طفلة بريئة بملامح وردية ناعمة، استطاعت الفنانة شما من خلاله أن تبرز التفاصيل الصغيرة التي ظهرت في صورة من الإتقان الشديد، وكأنها صورة واقعية أو طبق الأصل عن الصورة المرسومة. الصورة هنا، أقرب إلى التصوير الفوتوغرافي، و«البورتريه» يظهر مزيجاً من ملامح البراءة والنعومة التي تغلب على معظم بورتريهات الأطفال، ومن يدقق في تفاصيل الوجه يلحظ بسهولة حجم الحرفية التي بذلتها العامري في إتقان صورة بصرية ناطقة –إن جاز التعبير- من حيث لغة العينين، وذلك الملمس الناعم في التكوين العام للوجه والذي –ربما تطلب من الفنانة دقة متناهية في تجسيد مثل هذا الإبداع الذي يجسد الطهارة والنقاء، فهذه العوامل مجتمعة والتي ظهرت في تلك التفاصيل سواء في العينين أو الشعر أو استدارة الوجه والخدود والعنق، أكسبت البورتريه ملمحاً فنياً رائعاً، خاصة ونحن ندقق في تلك التفاصيل المؤثرة في وجه الطفلة. كل ذلك انعكس في رسم مميز لشما العامري التي أبرزت نوعاً من الهدوء مع ابتسامة خفيفة وربما لمسة من الخجل على شفتي الطفلة، وهذا بدوره تجلى في عيني الطفلة الواسعتين، بلونهما الأزرق الفاتح، وتلك الرموش الخفيفة حول العينين. تلك النظرة الحائرة في وجه الطفلة البريئة، أظهرت براعة الفنانة شما العامري في منح اللوحة نوعاً من الغموض الجذاب، الذي يترك المشاهد في حيرة ممتعة، وهو يتفحص تفاصل هذا الوجه. تقنية اللون نجحت الفنانة شما العامري في استخدام تقنية لونية حرفية في مزج أكثر من لون لوجه وردي شفاف، حيث يحتاج البورتريه على وجه الخصوص إلى دقة في مزج الألوان، لإنشاء درجات لون البشرة التي تميل إلى اللون الفاتح.. ولعل أكثر ما يلفت النظر في استخدام التقنية اللونية نجده يتركز في لون العينين، ربما تطلب ذلك مزيجاً من طبقات اللون التي أظهرت هذه الزرقة الشفيفة في لون العينين، وربما بدرجة أقل في شعر الطفلة الذي ظهر بتموجات وتجعيدات خفيفة ويتناسب تماماً مع درجات اللون في الوجه بشكل عام. من المؤكد أن الفنانة شما العامري قد استخدمت مهارة استثنائية في تكوين هذا البورتريه، والذي بتحليل بقية التفاصيل في الوجه، يمكن أن نتوقف عند لوحة جاذبة بمكوناتها اللونية فشعر الطفلة على سبيل المثال ظهر بلون جمع بين الأشقر والبني الفاتح، وهو ينسدل على وجهها في تجعيدات ناعمة أو خصلات شعر مموجة، هذه التفاصيل أكسبت الرسم مزيجاً من الحيوية والبراءة، حيث يغلب على الوجه لون وردي ينسجم مع تفاصيل اللون في مجمل اللوحة. وهناك الأنف الرقيق والصغير الذي يتناسب في درجات لونه مع اللون الغالب في البورتريه، كما هي حال خدود الطفلة التي ظهرت شبه ممتلئة وناعمة بلون وردي خفيف. إضاءة عشقت شما الفنون منذ الصغر، وشغفت بفن البورتريه في حالة تناغم مع فرشاته وألوانها، حيث ترسم بخفة متناهية ملامح لوجوه شخصياتها الواقعية بكل مهارة وحرفية، مهارة في رسم الخطوط والتفاصيل الصغيرة لشخصيات إماراتية مؤثرة من القادة والمؤسسين في دولة الإمارات العربية المتحدة، وغيرها من اللوحات الواقعية لأطفال صادفتهم أو عثرت عليهم من خلال الصور، التي كشفت عن ملامح تعزز حسها الإبداعي والإنساني. اهتمامها بتجسيد ملامح الطفولة بما تنطوي عليه من رقة وبراءة وصدق وشفافية انعكس في معظم ما أنجزته من لوحات، فلكل لوحة تأثيرها الخاص في وجدان الفنان الذي يقدر الفن بوصفه مرآة ثقافية قادرة على التطور والتغيير والتواصل مع كافة ثقافات العالم.