تجذب أطلال منطقة تل تنيس الواقعة في قلب بحيرة المنزلة شمال مصر، العديد من الباحثين وعشاق التاريخ والحضارة على حد سواء، للتعرف عن قرب إلى تاريخ تلك الجزيرة الغامضة، التي ظلت على مر التاريخ تمثل واحدة من أهم المدن والموانئ التجارية على ساحل المتوسط، قبل أن تبتلعها مياه البحر، وتحول تاريخها الموغل في القدم إلى أثر بعد عين.
تبعد مدينة تنيس القديمة عن مدينة بورسعيد الحالية، بنحو 8 كيلومترات من ناحية الغرب، على الجانب الجنوبي من قناة المعدية التي تربط بين بورسعيد والمطرية وبحيرة المنزلة، وهي واحدة من بين عشرات من الجزر التي توجد داخل البحيرة، التي تكونت بفعل عوامل بيئية متباينة، إذ تشكل بعضها في الأماكن التي كان يشغلها خط الساحل القديم، قبل أن يمتد شمالاً إلى موقعه الحالي، قرابة منتصف الألفية الأولى قبل الميلاد، فيما تشكل البعض الآخر، على ضفاف أفرع نهر النيل القديمة التي لم يعد لها وجود في الوقت الحاضر.
تعد تنيس واسمها القبطي ثنيسوس واحدة من أقدم المدن التي تشكلت بالقرب من الساحل المصري في تلك المنطقة، حيث ورد ذكرها فيما كتبه الرحالة جون كاسيان الذي زار مصر في القرن الرابع الميلادي، ووصف سكانها بأنهم «محاطون بالبحر والمستنقعات الملحية من كل جانب»، وقد كان هذا الموقع الفريد سبباً في أن يحترف سكان تلك المدينة في الزمان الغابر التجارة، وهو ما حولها إلى ميناء بحري تجاري، زادت أهميته بعد الفتح الإسلامي لمصر، وشهد أوج تألقه في عصر الخليفة العباسي المتوكل، الذي أنشأ العديد من الأسوار الدفاعية عن المدينة، قبل أن يقوم أحمد بن طولون بإنشاء عدد من الأسواق بها، إلى جانب صهاريج المياه، وتطوير صناعة النسيج بها، حيث تميزت المدينة في عصره بإنتاج الملابس ذات الجودة الفاخرة.
نشاط كبير
استقبلت مدينة تنيس القديمة آلاف السكان نظراً لنشاطها التجاري والصناعي الكبير، ويصفها المؤرخ المقديسي الذي عاش في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي، بأنها «بغداد الصغرى» رغم كونها جزيرة ضيقة يحاصرها البحر، ما جعلها عرضة لتقلبات البحر في أزمنة عدة، وهو ما دفع سكانها إلى النزوح منها تدريجياً، حتى لم يتبق فيها سوى الحامية الأيوبية فقط، لمواجهة الغزو الصليبي في عصر صلاح الدين الأيوبي، لكن هذا الوضع لم يستمر طويلاً، إذ سرعان ما تحولت إلى مدينة خاوية، بعدما انسحبت الحامية تحت وطأة هجوم البحر، لتتحول الدفاعات إلى شمال شرق الدلتا وتتركز في مدينة دمياط.
تعكس أطلال الآثار المتبقية في تنيس، حجم الازدهار الذي عاشته تلك المدينة في العصور الغابرة، وهو ما يظهر بوضوح في الآثار المتبقية لعدد من المباني المهمة على الجزيرة، ومن بينها كنيسة كبيرة أنشئت وفق الطراز المعماري الذي كان سائداً في القرن الخامس والسادس، وهو الطراز البازيليكي ثلاثي الممشى، إلى جانب أطلال فندق «خان» قديم، أقيم عند حدود أسوار المدينة في الركن الشمالي الشرقي، وقد كان هذا الفندق يستخدم من قبل العديد من الرحالة والتجار كاستراحة ومخزن للبضائع، كما تشير العديد من الآثار المكتشفة إلى بقايا مسجد كبير لا يعرف أحد على وجه الدقة تاريخ بنائه، لم يتبق منه سوى جدار القبلة الموجه ناحية الجنوب، وهو ما يشير إلى أن المسجد بني على غرار المساجد ذات الصحن المركزي، التي كانت تحاط بأروقة مقنطرة على الجوانب الأربعة.
وتشير الآثار المتبقية لصهاريج المياه، إلى أن سكان تنيس كانوا يستخدمون السواقي في رفع المياه من البحيرة أثناء موسم الفيضان، قبل تخزينها في الصهاريج لاستخدامها طوال العام، خصوصاً في الفترات التي تزداد فيها مياه البحيرة ملوحة، تحت وطأة هجوم البحر، وقد أظهرت الحفائر أن أكبر الصهاريج التي أنشئت في المدينة، كان مغطى بمجموعة من ألواح الرخام الأبيض، ربما مثلت أرضيات فناء داخل مبنى مهم مثل المسجد، ما يشير إلى أن هذا الصهريج كان موجوداً تحت بناء المسجد لتوصيل المياه اللازمة للوضوء. ارتبطت مدينة تنيس بالمتوسط عبر قناة كبيرة، كانت تخترق وسط المدينة باتجاه البحر، وهو ما يشير إلى أن المراكب الكبيرة كانت ترسو حول ضفاف الجزيرة، وتخترق بواباتها وأسوارها عبر تلك القناة في رحلتها إلى البحر المفتوح، وقد استخدمت تلك القناة من قبل مراكب الصيد أيضاً، حيث مثل الصيد أحد أبرز النشاطات الاقتصادية للسكان في أزمنة عدة.
ملامح الحياة
تشير العديد من قطع اللقى الأثرية التي عثر عليها على سطح الجزيرة، إلى ملامح الحياة عليها في الأزمنة الغابرة، حيث تتميز تلك اللقى بألوانها المختلفة المطلية وغير المطلية، وهو ما يشير إلى أن البعض منها قد أتى من أماكن بعيدة، مثل البورسلين الأبيض فضلاً عن الأواني الفخارية الشبيهة بالبورسلين والتي يرجح أنها كانت تأتي من الصين وإيران، إلى جانب أجزاء من أوان فخارية ضخمة، يبدو أنها قد استخدمت في نقل وتخزين الزيوت التي تم إنتاجها في فلسطين، فضلاً عن بقايا مجموعة من السلطانيات المطلية والتي تمت صناعتها في مصر.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.