مريم سلطان المزروعي * يُعد مطار الشارقة أو ما عُرف محلياً في البداية ب«مطار المحطة»، مرحلة مفصلية في تاريخ الطيران بمنطقة الخليج العربي، ليس فقط لأنه أول مطار يُنشأ في المنطقة، بل لأنه شكّل بوابة استراتيجية وحضارية ربطت بين الشرق والغرب وأسهمت في إدخال المنطقة مبكراً إلى عصر المواصلات الجوية الحديثة.افتُتح المطار عام 1932 بموافقة حاكم الشارقة آنذاك الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، بعد أن رأت بريطانيا في موقع الإمارة نقطة توقف مثالية على «طريق الإمبراطورية» الذي يربط لندن بالهند ودول الشرق الأقصى ومنذ تلك اللحظة، سُجل اسم الشارقة على خرائط الطيران العالمية باعتبارها حلقة وصل رئيسية بين القارات. واستقبل المطار رحلات شركة «إمبريال إيرويز»، التي اتخذت من الشارقة محطة بعد البحرين في طريقها شرقاً نحو الهند وأستراليا.لم يكن المطار مجرد مدرج، بل بُني مجمعاً متكاملاً بمعايير زمنه، فضم استراحة للمسافرين وغرفاً للطيارين ومرافق للبريد وخزانات وقود ومركزاً للأرصاد الجوية. كما أضيفت قاعة سينما للجنود البريطانيين بين عامي 1949 و1959، في مشهد يكشف عن تحول المطار إلى فضاء متعدد الأبعاد يجمع بين الطيران والخدمات والأنشطة الاجتماعية. بعد استراتيجي مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، اكتسب المطار بعداً استراتيجياً جديداً، إذ استُخدم قاعدة انطلاق للعمليات العسكرية البريطانية ومركزاً لنقل الإمدادات الجوية، فغدا جزءاً من شبكة الدفاع في الشرق الأوسط، هذا الاستخدام العسكري عزز قيمة المطار الجيوسياسية وربطه بالأحداث الكبرى في النصف الأول من القرن العشرين.على المستوى المحلي، انعكس وجود المطار على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الشارقة، فقد أسهم في تسهيل حركة التجارة والبريد وربط الأهالي بالعالم الخارجي وفتح المجال أمام تدفق تيارات ثقافية جديدة عبر المسافرين والعاملين ولذا ارتبط المطار في ذاكرة المجتمع باسم «المحطة»، رمزاً للحداثة والانفتاح ونافذة أولى تطل منها الإمارة على السماء والعالم، غير أن دور المطار بدأ يتراجع بعد عام 1947، حين أعلنت الخطوط الجوية البريطانية الاستغناء عن التوقف في الشارقة، لتغادر آخر طائرة مدنية تابعة لها في 10 يناير/كانون الثاني من ذلك العام ورغم استمرار استخدام المطار جزئياً، خصوصاً من قبل القوات البريطانية، فإن آخر الطائرات العسكرية غادرت عام 1971 مع انسحاب القوات عشية قيام دولة الإمارات، بذلك طُوي فصل طويل من تاريخ المطار كمحطة جوية دولية، إدراكاً لقيمته الرمزية والتاريخية، حوّلت حكومة الشارقة المطار إلى متحف المحطة الذي يضم اليوم مقتنيات من الطائرات القديمة ومركبات التزود بالوقود وأجهزة الاتصالات والملاحة، إضافة إلى صور ووثائق تؤرخ لتلك المرحلة المبكرة من تاريخ الطيران في الخليج. وبذلك لم يتحول المطار إلى معلم سياحي فحسب، بل إلى سجل حي يوثق نشأة الطيران في المنطقة ويُبرز دور الشارقة الريادي في هذا المجال. مسار فريد إن قصة مطار المحطة تلخص مساراً فريداً من الانتقال من المحلية إلى العالمية ومن البساطة إلى الحداثة، فقد بدأ منشأة تخدم رحلات الطيران الإمبراطوري، ثم صار قاعدة عسكرية أثناء الحرب وانتهى متحفاً يحفظ الذاكرة ويجسد بدايات الطيران في الإمارات والخليج.وعلى الرغم من توقف المطار عن العمل منذ عقود، فإن تأثيره ظل ممتداً، باعتباره البوابة الأولى التي عبرت منها الإمارات إلى السماء، ومنها إلى العالم. * باحثة في التراث