مارلين سلوم
لا يبدو اختيار كاتب السيناريو والمخرج بول توماس أندرسون لرواية توماس بينشون التي تدور أحداثها في الثمانينات غريباً أو بعيداً عما نعيشه اليوم، فالعالم مازال يغلي والمعارك السياسية تشتعل في أماكن مختلفة وكثير من حدود الدول تشهد عمليات هجرة منها الشرعي ومنها غير الشرعي ومازال هناك تنظيمات ومنظمات ومجموعات وجماعات وثوار يقومون بعمليات متفرقة ويختبئون في الجحور ويهربون من الشرطة.
فيلم «معركة تلو الأخرى» المعروض حالياً في الصالات، من الأفلام الطويلة التي تمتد إلى ساعتين و41 دقيقة، لا يعتمد على شهرة أبطاله بل ينجح معهم في تحقيق التميز وهو لا يبدو معقداً ولكنه يحتاج إلى كثير من التركيز للتوصل إلى فهم كل ما يناقشه من قضايا سياسية وما يحمله من معانٍ إنسانية، لكنه لا يصلح للمشاهدة العائلية ولمن هم دون سن الرشد.
ربما اختار بول توماس أندرسون تقديم «معركة تلو الأخرى» الآن، ليعكس صورة عن الواقع الذي يعيشه العالم كل يوم، من صراعات وحروب وأحياناً تمييز عنصري بوجوه عدة ويسلط الضوء على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية في الثمانينات، وكأنه يريد القول إن تلك الأوضاع المأساوية للمهاجرين ما زالت على حالها، يتطور الإنسان ويزيد من ابتكاراته وتبقى السياسة والأفكار التقليدية على حالها ويبقى هناك من يشكل مجموعات من الثوار والغاضبين والساعين إلى التغيير.
ويركز كثيراً على معاملة قوات الأمن عند الحدود «غير الآدمية» للمهاجرين الذين يتم احتجازهم عند الحدود بين المكسيك وأمريكا وكذلك هؤلاء الذين يجدون من يخبئهم في منزل مجهز لإيوائهم وتسهيل عملية اختبائهم إذا داهمت الشرطة المكان.
أندرسون وضع سيناريو جيداً لقصة مقاومة خالدة، تشبه كثيراً من قصص المقاومين حول العالم، الجوهر والمعنى الإنساني واحد، بينما التفاصيل تتغير وأندرسون برع في الإخراج حيث تميز بالتصوير السينمائي المعبّر عن المتمردين، شباب يتحركون في كل الاتجاهات بدافع من الإحساس بالعنفوان والرغبة في التمرد وتغيير الواقع بل تغيير العالم، من ملفت أنه لا يرسم لهم صورة الشباب المثالي المناضل المدرك لأبعاد وتبعات مخططاته، بل يعيشون في فوضى، يتهورون في اتخاذ القرارات، تسوقهم نزواتهم أيضاً ولا يتحركون جميعاً وفق مبادئ وطنية ثابتة، فالبطلة بيرفيديا بيفرلي هيلز (تيانا تايلور) الأكثر اندفاعاً بين المجموعة الثورية التي تطلق على نفسها اسم «فرنش 75»، لا تتردد في الإفشاء عن أسماء زملائها في عملية سطو قاموا بها، فبجرد إلقاء القبض عليها والتحقيق معها توافق على صفقة تسليم «الرفاق» مقابل حصولها على حريتها باعتبارها «شاهدة ملك» لا كمتهمة وتخرج فعلياً دون ندم على ما تسببت به لرفاقها.
تقرير المصير
يقدم الفيلم قصة اجتماعية سياسية إنسانية، إذ تقوم المجموعة «فرنش 75»، بعملية على الحدود المكسيكية الأمريكية، يحتجزون الضباط كرهائن ويُطلقون سراح المهاجرين الذين كانوا ينتظرون تقرير مصيرهم، تقود المجموعة بيرفيديا بيفرلي هيلز، صاحبة بشرة سوداء، شخصية قيادية حادة يلقبونها ب«القطة الشرسة»، تلقي بنفسها القبض على الكولونيل قائد الكتيبة الموجودة هناك، ستيفن جيه لوكجو (شون بن)، تُذلّه ما أن تلاحظ إعجابه بها، بل يبدو مهووساً بالنساء السمراوات، تستغل نقطة ضعفه هذه ثم تقوم مع رفاقها باحتجازه مع الضباط والفرار بعد تحرير المهاجرين، في المقابل تعيش بيرفيديا بيفرلي هيلز قصة حب مع شريكها في المجموعة بوب فيرجسون (ليوناردو دي كابريو)، الذي يتولى مسؤولية إعداد المتفجرات ويشارك في العمليات لكنه أقل تهوراً من بيرفيديا التي تستمر في هوسها في القتال وحمل السلاح رغم حملها وبعد إنجاب ابنتهما شارلين، يتعهد بوب بالابتعاد عن هذه الحياة والاستقرار من أجل تربية الطفلة، في حين أن بيرفيديا شعرت بفقدانها مكانتها وتذمرت من شدة اهتمام بوب بالطفلة، لذلك تختار الابتعاد عن بيتها وأسرتها لتلتحق مجدداً بمجموعة «فرنش 75».
تقوم بعملية سطو مع مجموعتها لكنها تفشل وينفرط عقد المجموعة بينما يلقي الضابط لوكجو القبض على «القطة الشرسة»، في المقابل يهرب بوب مع شارلين ليحميها ويتفرغ لتربيتها مع تغيير اسمها إلى ويلا، ينقلنا المخرج إلى ما بعد 16 عاماً حيث تصبح ويلا صبية جميلة (تشيس إنفينيتي) تتعلم الدفاع عن النفس على يد المدرب سيرجيو سانت كارلوس (بنيسيو ديل تورو)، الذي يأوي مهاجرين من المكسيك في منزله الذي جعل منه ملجأ له عدة مداخل ومخارج.
في المقابل لا يزال لوكجو مصراً على البحث عن بوب وابنته، خصوصاً لأن بيرفيديا خدعته وتركته بعد أن حققت له النجاح في عملية قتل كل أفراد عصابة «فرنش 75»، ما أدى إلى ترقيته، يبدأ سلسلة من المداهمات والعمليات ما يدفع بدياندرا (ريجينا هول) صديقة بيرفيديا السابقة على البحث عن ويلا وإخراجها من حفل راقص في المدرسة الثانوية وبينما تحاول دياندرا إبعاد ويلا، يستعين بوب بالمدرب سيرجيو لتجنب قوات لوكجو، لكنه لا يستطيع تذكر كلمات المرور اللازمة لمعرفة نقطة الالتقاء للعثور على ابنته.
لقطات معبّرة
الكاتب يكشف عن وجه آخر للثوار، ليسوا مناضلين طوال الوقت ولا يلتزمون بالقضايا الإنسانية والوطنية طوال الوقت، بيرفيديا تسعى خلف نزواتها وهي مندفعة ومتهورة، بوب تحوّل إلى مدمن مخدرات وكحول وينسى كلمة المرور التي تمكنه من إنقاذ نفسه وابنته.
ويُبدع أندرسون بلقطات مميزة ومعبّرة مثل لقطة لجدار الحدود وكيفية تهريب المهاجرين في حاويات «يحشرون فيها مثل السردين»، هروب مهاجرين من منزل سيرجيو في أنفاق، هروب بوب من مكان إلى آخر وشدة توتره وقلقه، حتى العقيد لوكجو يظهره المخرج أقرب في شكله الخارجي والبدني إلى أدولف هتلر.
أما بالنسبة للأداء، فقد تألق شون بن بدور لوكجو، في مشيته وحركاته ونظراته، تكاد لا تعرف أنه شون بن، بينما دي كابريو فنجح في تجسيد شخصية الثوري المتردد، يقدم على المشاركة في العمليات ضد الفيدرالية وضد العنصرية ولكنه ينحاز إلى مشاعر الأبوة فيقضي حياته أباً عازباً من أجل حماية ابنته، لا يبدو بطلاً رئيسياً لأن الأدوار توزعت بينه وتيانا تايلور التي لعبت دور بطولة وكأنها في عزف منفرد في النصف الأول من الفيلم، كذلك برعت الشابة تشيس إنفينيتي بدور ويلا الثائرة الصغيرة، التي أبعدها والدها عن كل الأجواء السياسية والثورية، لكن رسالة تركتها لها والدتها يسلمها لها بوب بعد رحلة طويلة من العناء، تدفعها لاتخاذ قرار جريء، رسالة بيرفيديا تختصر رسالة الفيلم بكلمتين «نحن فشلنا.. ربما ستنجحين في تغيير العالم».
تغيير العالم
الكاتب يقدم وجهاً آخر للعنصرية، متجسدة بالمتطرفين في نادي الأثرياء والنخبة «نادي مستكشفي يوم الميلاد»، الذين يرفعون شعار تغيير العالم أيضاً وجعله أفضل من خلال القضاء على الثوار والمقاومين والهيبيين، مجموعة قضايا محورها السياسة وتغيير العالم نحو الأفضل وتسارع في إيقاع الأحداث تفرضه الحركة المتواصلة بين كر وفر بين الأجهزة الأمنية والهاربين سواء من الثوار أو المهاجرين، ما يدفع المشاهد إلى التركيز وربما الرغبة في إعادة المشاهدة كي يلتقط كل التفاصيل، أما أهم عيوب «معركة تلو الأخرى»، تركيزه على إبراز البطلة في الجزء الأول من الفيلم كامرأة مهووسة بالقتال فقط، لدرجة مبالغ فيها وتتوالى بعض المشاهد بشكل مزعج دون أن يكون هناك حاجة ضرورية لها.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.