واصل مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب الذي تنظمه مؤسسة فن فعاليات نسخته الـ 12 والتي تضمنت تقديم مجموعة واسعة من العروض والأفلام والنقاشات التي عكست ثراء المشهد السينمائي العربي وتطوّره المستمر.واستضافت «السجادة الخضراء» عرض الفيلم السعودي «هجير» للمخرجة سارة طلب، وتدور أحداثه في جدة خلال ستينات القرن الماضي حول شاب موسيقار تنقلب حياته رأساً على عقب بعد إصابته بمرض يفقده السمع أثناء طفولته، ليكتشف مع مرور الوقت قوة الأمل والحب.وضمن جهوده الرامية إلى دعم صُناع الأفلام، شهد المهرجان أولى جلسات «عرض المشاريع السينمائية»، بهدف فتح آفاق التعاون وربط أصحاب المواهب الواعدة بالمنتجين وجهات التمويل. وخلال الجلسة، قدم أربعة صُنّاع أفلامٍ مشاريعهم أمام مجموعةٍ من المهنيين في قطاع السينما. وشملت القائمة مشاريع أفلام «أم زنبور» للمخرج السعودي مجتبى الحجي، الذي حظيت أفلامه القصيرة بإشادةٍ دولية، وشاركت في أكثر من 30 مهرجاناً حول العالم، «بيت القرم» للمخرج الإماراتي خالد المحمود، الذي اختارته مجلة «سكرين إنترناشونال» ضمن أفضل عشرة مخرجين عربٍ يستحقون المتابعة، و«تحت العباية» للمخرج السعودي أحمد الناصر، الحاصل على عدة جوائز، من بينها جائزة أفضل فيلم كوميدي في مهرجان FIT السينمائي بالولايات المتحدة الأمريكية، و«زهرة والغول» للمخرج الفلسطيني سهيل دحدل، رئيس قسم الإعلام في الجامعة الأمريكية في الشارقة، والمؤسس والمدير الإبداعي لشركة 5th Wall. الفولكلور والتاريخ نظم المهرجان في صالات فوكس سينما بسيتي سنتر الزاهية مجموعة جلسات نقاشية، من بينها «أساطير معاصرة: إعادة تصوّر الفولكلور والتاريخ العربي من خلال السينما»، التي أدارها الإعلامي إبراهيم أستادي، وشهدت تفاعلاً لافتاً من صُنّاع الأفلام الإماراتيين. وخلال الجلسة، أشارت المخرجة الإماراتية نجوم الغانم إلى أن العديد من صُنّاع الأفلام يميلون إلى تناول القصص التاريخية في أعمالهم، لأنها غالباً ما تكون أكثر أماناً من الناحية التعبيرية، إلى جانب ما تحمله من عمقٍ ثقافيٍّ وإحساسٍ بالهوية. وقالت: «أعتقد أننا وصلنا إلى مرحلةٍ تمتلك فيها السينما العربية القدرة على التطور إلى ما هو أبعد من المألوف، لتقدم القصص التاريخية بأسلوبٍ معاصرٍ وجذابٍ بصرياً». وأضافت أن فيلم «الرسالة» مثل لحظةً فارقةً في تاريخ السينما العربية، التقت فيها القيمةُ الفنيةُ مع الاعتزاز الثقافي وجودة الإنتاج.ومن طرفه، لفت الفنان الإماراتي أحمد الجسمي إلى أن المقارنة مع الإنتاجاتِ العالميةِ الضخمة تُعدّ من أبرز التحديات التي تواجه صناعةَ الفيلمِ التاريخيّ الموجَّه للجمهور الشابّ اليوم. وقال: «لا نتنافس فقط على انتباههم، بل على خيالهم أيضاً. فالجمهور اليوم ذكي ومُلمّ، لديه إمكانية الوصول إلى أفضل محتوى في العالم، ويتوقع من السينما العربية أن تقدم المستوى ذاته من الجودة والسرد والإنتاج». وأضاف: «هناك رغبة متزايدة لدى الشباب الإماراتي في مشاهدة مزيدٍ من القصص المحلية على الشاشة الكبيرة، ومتابعة أعمالٍ تُعبر عن هويتهم وثقافتهم وحياتهم اليومية بطريقةٍ أصيلة وقريبة منهم».وأكد الجسمي أن مستقبل السينما العربية والإماراتية يعتمد على رُواة قصص مغامرين يجرؤون على كسر الأنماط، والتجريب في الأنواع السينمائية، وإعادة تخيّل الطريقة التي تُروى بها قصصنا.وأشار الشاعر الإماراتي خالد البدور إلى أن صناعة السينما العربية لا تزال تواجه العديد من القيود الإنتاجية، بدءاً من التمويل والموارد، ووصولاً إلى محدودية التقنيات الحديثة وشبكات التوزيع. وقال: «كل ذلك يُمثّل تحديات تؤثر بطبيعة الحال في نوع القصص التي تُروى. وغالباً ما يكون من الأسهل التوجه نحو السرديات التاريخية»، وأضاف: «بتقديري، سيحدث التطور الحقيقي للسينما العربية عندما نبدأ باستكشاف القصص التي تتجاوز المتوقع. وأميل إلى السرديات التي تربط بين الأجيال، وأكثر ما يثير إعجابي الطريقة التي يعيد بها شباب اليوم تعريف ذواتهم باستمرار، وهم يتنقلون بين التقاليد والحداثة، وبين التراث والتأثير العالمي». الشغف والبدايات استعرضت جلسة «صُنّاع أفلام شباب: قصص عن الشغف والبدايات المبكرة»، التي أدارها رامي زناتي، تجارب عددٍ من المخرجين الشباب، ومن بينهم أنجيلو فيسر الذي قال: «أهم عنصرٍ في صناعة الأفلام هو القدرة على إظهار الهشاشة الإنسانية، فهي ما يجعل القصة والمشاهد تنبض بالصدق. وفي فيلـمي أردتُ التقاط مشاعر المراهقِ الذي ينتقل من المرحلة الثانوية إلى الجامعة، بكل ما يصاحبها من أحاسيس». وأكد مجتبى الحجي أن «الشغف والرغبة يمثلان أهم ما يمكن أن يتحلّى به صانع الأفلام، وأنصحُ أصحابَ المواهب الجدد بأن يكونوا صادقين مع أنفسهم، محافظين على الأصالة التي تمثّل منبع الإبداع والخيال الحقيقي».وتطرّق بويا مفيد إلى فيلمه «العقاب» المستوحى من تجارب واقعية تعكس جزءاً من حياته خلال فترة مراهقته في إيران، قائلاً إنّ شغفه يكمن في رواية القصص التي تحمل معانيَ حقيقية، مؤكداً في الوقت نفسه أهميةَ إصغاء صانع الأفلام إلى قصص الناس والاقتراب من المجتمع، فهناك يبدأ الفنّ الحقيقي.