منوعات / صحيفة الخليج

«عودة الماموث».. تجربة خيال علمي مرتبكة لمخرج جريء


مارلين سلوم
لا بأس أن نحاول، ولا بد من خوض المغامرة وتحمّل تبعاتها بحلوها ومرّها، من يختار خوض غمار الخيال العلمي في السينما، عليه أن يضع في حساباته كل الاحتمالات ولا يكتفي برهاني والخسارة فقط، فأمامه تحديات كثيرة أولها ميزانية ضخمة تسمح له باستخدام معدات حديثة كفيلة بإبراز عمله بما يليق بصناعة السينما المتطورة والحديثة، ثانياً عليه توقع ردود الأفعال وتقبّلها أياً كانت، والمقصود بها الآراء الفنية الحقيقية والمنطقية، دون أن يتكئ على عصا «التعاطف» والأعذار باعتباره يقدم فيلماً من نوعية أفلام «هوليوود» الخيالية، وهو ما ليس مألوفاً في السينما العربية، فهل استطاع صناع «أوسكار: عودة الماموث» تحقيق هذه المعادلة؟ وهل يمكننا القول إننا حققنا خطوة ولو ناقصة في مجال مازال يفوق قدرات السينما العربية؟

المفروض أن تكون مغامرة صناع الفيلم مدروسة، خصوصاً أنهم يخوضون تجربتهم الأولى في مجال الخيال العلمي وبشكل صريح دون أن تطغى الدراما ولا الرومانسية على القصة، وهو ما بقي بعيداً عن السينما العربية رغم تطورها في كافة المجالات التقنية والإبداعية والفنية، بينما أصبح الخيال العلمي أسهل طريق تعبره «هوليوود» لكسب ود الجمهور وكسب الأموال والمبالغ الطائلة منه، لكن بعد مشاهدة «أوسكار: عودة الماموث» نشعر أن صناعه يدخلونه بتردد، يبدون مرتبكين، وكأنهم يشعرون برهبة اختراق هذا النوع من الأفلام، وهذا الإحساس الذي يصل إلى الجمهور نابع من عدم قدرة الفيلم على التميز ولا اكتمال التجربة كما نتمنى، نعم نجح المخرج هشام الرشيدي في تقديم خيال علمي وجعلنا ربما لأول مرة نرى الديناصورات تهجم بشراسة قادمة من قلب البحر إلى قلب الإسكندرية ثم إلى وسط القاهرة، ونرى معركة بين ديناصور وماموث، كائنات انقرضت ولكنها تعود إلى الحياة بتفصيل من خيال المؤلفين حامد الشراب، وكريم هشام، وأحمد حليم، وسيناريو وحوار مصطفى عسكر، فالقصة ورغم تعدد أسماء مؤلفيها وكتابها إلا أنها جاءت ضعيفة وغير مقنعة، فما الذي أتى بالماموث ولماذا هذه المعركة بينه وبين الديناصور في القاهرة؟ وحتى عملية تأمين الماموث وحمايته بدت ساذجة جداً ولا يمكن تطبيقها فعلياً والاكتفاء بحارس أمن له، حتى وإن كان صاحب بنيان بدني متين مثل آدم (أحمد صلاح حسني)، بينما تم وضع الماموث وسط حديقة عامة للحيوانات، والطبيب البيطري المسؤول عنه دكتور سعد الشربيني () لا علاقة له بالطب وكلامه غير علمي كما أن تصرفاته لا تنم عن شخصية واعية ولا مدركة لأهمية هذا الكائن الغريب ولا كيفية التعامل معه ولا حمايته ورعايته. مجرد شخصية أرادوا من خلالها تلطيف الأجواء واستكمال التوليفة الكوميدية لتلتقي مع الجانب الرومانسي والإنساني، والغاية طبعاً جعله فيلماً عائلياً يحبه الصغار والكبار.

لم يكن الفيلم بحاجة إلى السذاجة في الكتابة لكي يصبح محبوباً ومرغوباً من قبل الأطفال، فوجود الطفلة ليلى (ليا سويدان) وعلاقتها بالماموث وإطلاقها اسم أوسكار عليه كان كفيلاً بجذب الأطفال وجعلهم جزءاً من قضية الفيلم، خصوصاً أن ليلى تجسد نموذجاً من الأطفال الذين يعانون انفصال الأبوين والصراع بسبب المشاكل المستمرة بينهما ومحاولات الأم تشويه صورة الأب، كما تعاني تنمر زملائها بسبب ضعف نظرها واضطرارها إلى وضع النظارة باستمرار.

حيوان استثنائي

القصة بسيطة، عن «ماموث» يتم وضعه في حديقة للحيوانات ثم تلاحظ الدكتورة أروى () أنه حيوان استثنائي يجب نقله إلى مكان عملها في مركز للأبحاث العلمية وتحت حماية الجهات الأمنية الرسمية، والتي أوفدت آدم ليشرف على حماية الماموث، في المقابل هناك جهات أجنبية تقوم بالتلاعب بجينات ال«دي إن إيه» وتعيد إحياء مخلوقات انقرضت وتتحكم بمسارها وتوجهها لتشن من خلالها حروباً، هذا ما فعلته في ومنها انطلقت باتجاه ، من يتصدى لهذه المؤامرة؟ آدم والدكتورة أروى والجهات الأمنية التي يبدو دورها ضعيفاً وهزيلاً، بل يبدو تأخرها في الوصول إلى وسط القاهرة إفساحاً في المجال كي يتمكن البطل آدم من القضاء بمفرده على العصابة الأجنبية المتسللة بهدف الحصول على الماموث أو قتله، كما دور الممثل محمود عبد المغني كمسؤول عن العملية الأمنية هامشي وغير فاعل.

بجانب القصة الخيالية ومعركة الديناصور والماموث، لا بد أن تنشأ قصة حب بين أروى وآدم، وأن نشهد بعضاً من صراعات آدم مع طليقته (مي القاضي) وصراع ليلى بينهما بينما يمنحها جدها (عزت زين) الحنان والأمان اللازمين.

معركة شرسة

يحق للمخرج هشام الرشيدي أن يتباهى بهذه الخطوة لأنها جريئة، ومغامرة تضعه في مواجهة الجمهور مباشرة، فإما أن تحسب له أو عليه، وقد يراهن على التماس الجمهور والنقاد العذر له كونه يقدم نوعاً مازال غير مألوف في السينما العربية، جرأة تُحسب له ولصناع الفيلم جميعاً، لكن المؤسف أن تأتي القصة بهذه الهشاشة وكأن فريق التأليف والكتابة اعتمد على براعة المخرج في تغطية كل فراغ ونقص والتعويض عن العمق في القصة والمنطق في الحبكة بمشاهد يكون البطل فيها التقنيات الحديثة والقدرة على إقناع الجمهور بأن ما يراه حقيقي وأن المعركة الشرسة التي دارت بين الماموث والديناصور كانت في قلب القاهرة وفي الشوارع التي يعرفها الجمهور جيداً.

في أحد الحوارات التي أجريت معه قال المخرج: «ان العمل استغرق ثلاث سنوات بسبب كثرة مشاهد الجرافيك التي تتطلب وقتاً طويلاً»، وعن كيفية التعامل مع شخصية أوسكار الماموث أكد الرشيدي أن مشاهد تصويره كانت الأصعب لأنها اعتمدت على الخيال بشكل كبير وتم تنفيذها بتقنية خاصة. وهو ما يبدو واضحاً ويمكن للجمهور أن يلاحظه، كما يبدو واضحاً أن الانشغال بالتقنيات والتركيز على الصورة جاء على حساب القصة وبناء الشخصيات، فلا شخصية البطل ودوره في سياق الأحداث يكفيان لإبرازه كشخصية قوية بارعة في القتال وحماية الماموث، ولا يعتبر وجوده أساسياً قادراً على التحكم بمسار الأحداث، لذلك من الظلم الحكم على أداء أحمد صلاح حسني، خصوصاً وأنها تجربته الأولى في البطولة السينمائية، فهو أدى المطلوب منه وضمن المساحة التي اعتدنا رؤيته فيها في الدراما التلفزيونية، والتي يؤديها بإتقان، البطل القوي وصاحب القلب الطيب في آن واحد، بينما هنادي مهنا أدت هي الأخرى المطلوب منها لكنها حافظت على نفس جمودها وبرود ملامحها، لغة جسدها لا تساعدها في الخروج من إطار «المؤدية» لا الممثلة، تتحرك وتتكلم وكأنها آلة تفتقد إلى المشاعر وبالتالي تبدو غير مقنعة، محمود عبد المغني ضيف شرف ليس أكثر، ومحمد ثروت يقدم كوميديا لا حاجة لها، بل نزلت بمستوى الفيلم بسبب بروز السذاجة وعدم التناسق بين التطور التقني الذي يستخدمه المخرج وركاكة المعالجة.

«أوسكار: عودة الماموث» الجرافيك وحده لا يكفي، فالخيال العلمي لا يعني أن يعتمد المؤلف على قشور في القصة ومرور سريع على القضايا الإنسانية والاجتماعية مثل قضية الطفلة التي تعاني التنمر وانفصال والديها، والأب الذي يحاول إرضاء ابنته والالتزام بعمله.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا