منوعات / صحيفة الخليج

«بيت الديناميت».. عالم على حافة الانفجار

مارلين سلوم

هذا جنون.. لا، واقع. هذا التعليق والرد عليه كما ورد في الفيلم، يكفي لوصف الحالة التي يجسدها «بيت الديناميت»، فهو يفترض أزمة سياسية أمنية، ويخلق قصة من الخيال، لكنه الخيال الواقعي والافتراض القابل للتحقق في أي وقت ونتائجه ستكون كارثية وستطال كل البشرية على هذا الكوكب. شديد الواقعية لدرجة أنك تبقى متوتراً تترقب الأحداث وتعيشها بكل حواسك، ولدرجة أنه يقطع أنفاسك ويحملك من اللحظة التي تعيشها إلى قلب البيت الأبيض، و«البنتاغون»، ومجلس الأمن القومي، ومركز إطلاق الصواريخ المضادة حتى تصل إلى لحظة يكون العالم فيها على حافة الانفجار وأنت على حافة الرعب مما نعيشه اليوم والحذر الدائم القابل للانفجار في أي وقت.

«بيت الديناميت» فيلم شديد التميز، لا يشبه الأفلام الخيالية، مخرجته ومنتجته كاثرين بيجلو لها تجارب سابقة وناجحة في أفلام السياسة المعتمدة على التشويق وحبس الأنفاس، هي صاحبة الفيلم الرائع «خزانة الألم» (عام 2008) والذي ترشح لتسع جوائز «أوسكار» وفاز بجائزتي أفضل فيلم وأفضل مخرج بجانب جوائز عالمية أخرى والذي تناولت فيه قصة سياسية اجتماعية عن التدخل في ، في عام 2012 قدمت فيلماً آخر يعتبر من العلامات المميزة «30 دقيقة بعد منتصف الليل» مستعرضة فيه قصة أسامة بن لادن. وفي كل أعمالها، لا سيما السياسية، تتعمد كاثرين بيجلو التركيز على الجانب الإنساني لسببين، الأول لارتباط السياسة وقراراتها بحياة البشر وتأثيرها المباشر فيهم، والثاني بدافع التأثير في الجمهور خلال المشاهدة فيرتبط بالشخصيات ويتعاطف معهم ويصبح واحداً منهم بمشاعره، ويكون الفيلم أقرب إلى التصديق وإلى الواقع.

بذكاء وخبرة صاحب الباع الطويل في عالم السياسة والأخبار والتحليل والتوقعات وقراءة المشهد السياسي، كتب نواه أوبنهايم -رئيس شبكة «إن بي سي نيوز» والمسؤول عن برامجها- قصة «بيت الديناميت»، ولذلك تلمس فعلياً خلال المشاهدة لما يقرب من الساعتين، أنك تعيش في قلب الحدث، وأن التحركات والتحلي وتوقعات الشخصيات منطقية جداً وواقعية، وأن الكاتب لا يفتعل حدثاً غير منطقي بهدف «تجميل صورة أمريكا» كما تجري العادة في كثير من الأفلام السياسية، ولا لشحذ النفوس لتبرير أفعالها وقراراتها السياسية، إنما يكتب المؤلف منطلقاً من حقائق ملموسة يبني عليها افتراضات واحتمالات قابلة للتطبيق على الأرض، ويفتح أمام المشاهدين مجالات واسعة لطرح الأسئلة والتفكير ملياً إلى أين قد تقودنا السياسات الحالية والصراعات بين أمريكا وروسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران؟ وما مصير العالم في ظل اللهاث الكبير للتسلح النووي والتهديدات التي يطلقها «الإخوة الأعداء» بين الحين والآخر بإطلاق تجارب صواريخ بالستية من هنا والرد عليها من هناك؟

حرب عالمية

دقائق قليلة قد تكون كفيلة بإنهاء حياة الملايين، وإشعال حرب عالمية والتسبب في تدمير كل حياة على وجه الأرض، هذا ما يحاول «بيت الديناميت» تنبيهنا إليه، يدق جرس إنذار لواقع خطِر ومخيف، هو يفترض أن صاروخاً باليستياً انطلق من مصدر مجهول متجهاً نحو القارة الأمريكية، لم تتمكن الأجهزة ولا الرادارات من التقاطه لإطلاق أي تنبيه لوجود جسم غريب في الفضاء، وللوهلة الأولى يحسب المراقبون في مجلس الأمن القومي وفي غرفة عمليات البيت الأبيض أن الصاروخ مجرد مناورة وهمية، أو أنه ضل طريقه ولابد أن يسقط في بحر ، وأنها محاولات فاشلة من كوريا الشمالية ولا تشكل أي خطر يستدعي القلق، إلى أن يكتشف الجميع أن الصاروخ حقيقي وأنه يستهدف الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر وأنه سيسقط في شيكاغو التي يسكنها نحو عشرة ملايين إنسان.

حالة الهلع تتسلل رويداً رويداً، وبما أن المعنيين بمراقبة هذا الصاروخ وبحماية الأمن والتصدي لأي هجوم والتنسيق مع أصحاب القرار في الدولة من «البنتاغون»، إلى الرئيس الأمريكي، وقادة الأجهزة الأمنية والمفوضين في العلاقات الدولية، دخلوا في دوامة البحث عن المصدر الحقيقي لهذا الصاروخ وعن الرد الأمثل وكيفية تفادي سقوطه والرد عليه وعلى من أطلقه، كان لا بد من تواصل التصعيد والوصول إلى نقطة اتخاذ القرار الحاسم والنهائي، خصوصاً أن حالة التأهب تبدأ متوسطة ثم تصل إلى الرقم واحد أي أقصى درجة، ومحاولات التصدي بصاروخي الدفاع الجوي باءت إحداهما بالفشل والثانية لن تنجح سوى بنسبة 61%، ما يعني أن الأمر كله «يعتمد على الحظ» كما يقول أحدهم، وما يعني أن المليارات التي كلفتها الولايات المتحدة الأمريكية لحماية أمنها القومي وإعداد صواريخ الدفاع والتصدي لن تقدر فعلياً على مواجهة أي خطر نووي مفاجئ.

بداية واحدة

كاثرين بيجلو، تعاملت مع القصة بحرفية عالية، فقدمت فيلماً لا يمشي بالتسلسل الطبيعي للأحداث، منطلقاً من نقطة بداية واحدة ليصل إلى نهاية محددة وواحدة أيضاً، عبارة تمهيدية كفيلة بإدخالك مباشرة إلى عمق الإثارة والتشويق وحالة الترقب التي لن تفارقك أبداً، «في نهاية الحرب الباردة، القوى العظمى توصلت إلى اتفاق على أن العالم سيكون أفضل من دون استخدام الأسلحة النووية، تلك الحقبة قد انتهت الآن»، هنا تتوقع أن تقودك الأحداث إلى حرب عالمية جديدة، فهل تحدث فعلاً؟ تتعمد المخرجة تقديم الحياة الاجتماعية والأسرية الآمنة والتي تبعث على الارتياح والأمل على كل الأحداث السياسية والأمنية، أوليفيا وولكر (ريبيكا فيرجسن) زوجة وأم تربي ابنها، وتتركه مريضاً برعاية زوجها كي تذهب إلى عملها في البيت الأبيض، لاحقاً نفهم أنها نقيب ومسؤولة في غرفة العمليات في البيت الأبيض، ومعها الأدميرال مارك ميلر (جيسون كلارك)، يتشاركان في اتخاذ القرارات، كل شيء يبدو طبيعياً والحياة خارج هذا المكان تمشي وفق وتيرتها المعتادة، إلى أن يظهر جسد غريب، صاروخ يحلق مجهول المصدر يبدو أنه ضل طريقه وأنه وفق التكهنات يتوجه نحو بحر اليابان، فمن أطلقه؟ وكيف لم يتمكن الرادار من التقاطه ومعرفة مصدره؟

عشرون دقيقة يستغرقها الصاروخ النووي قبل ملامسته الأرض، تكبر التساؤلات، وما تم الاستهانة به باعتباره مجرد إنذار خاطئ وتجربة فاشلة سبق أن شهد مثلها العالم قامت بها كوريا الشمالية، يتحول إلى إعلان صريح لحالة الطوارئ والتأهب والارتباك داخل غرف العمليات العسكرية وفي مراكز المراقبة وفي قاعدة صواريخ أمريكية في ألاسكا، حيث يدخل الجنود في حالة خوف وتوتر، والأمر مشابه لدى الموظفين في غرفة العمليات بالبيت الأبيض، والمسؤولين العسكريين في القيادة المركزية وصولاً أخيراً إلى رئيس الولايات المتحدة. ماذا سيحدث إذا تعرضت الولايات المتحدة لهجوم نووي حقيقي وليس مجرد تهديد أو إنذار خاطئ؟

أسلوب مختلف

نفس الحدث نراه من ثلاث زوايا مختلفة، حيث تعتمد المخرجة أسلوباً مختلفاً ومميزاً في تقديم نفس الرواية من أكثر من موقع، لنعيد اكتشافها وفق معطيات مختلفة وكلها تقود إلى نقطة التقاء واحدة، يمكن اعتبارها النقطة صفر، حيث تنتهي أحداث الفقرتين الأولى والثانية بالسؤال المصيري والأهم: «ما أوامرك سيدي الرئيس؟»، بمعنى أن الأحداث تتصاعد لنصل إلى السؤال الذي يتم طرحه على الرئيس الأمريكي لضرورة اتخاذ القرار النهائي، حيث لم يبق سوى دقيقتين على ارتطام الصاروخ بالأرض في شيكاغو، فهل يتم الرد عليه وفق عدة احتمالات أن يكون العدو يتعمد إطلاقه لا من باب الخطأ بانتظار رد فعل أمريكا، والعدو ربما يكون روسيا أو أو كوريا الشمالية أو ربما إيران؟ وإذا لم يرد الرئيس بضربة نووية مماثلة، هل سيسكت الشعب الأمريكي بعد مقتل 10 ملايين مواطن في شيكاغو؟ وما العمل حين تهتز صورة أمريكا وقوتها في عيون العالم؟ إنها اللحظة الحاسمة التي يجب اتخاذ القرار الصائب فيها، وهنا تقطع المخرجة بشاشة سوداء من دون أن نصل إلى رد من الرئيس، ثم تقدم الأحداث من مواقع قيادية مختلفة حتى نصل في إلى الرئيس الأمريكي (إدريس ألبا) وهو يتجه نحو إحدى المدارس لمشاركة طالبات في مباريات كرة السلة، في تذكير ربما لما حصل حين تلقى الرئيس جورج دبليو بوش خبر هجوم 11 سبتمبر أثناء قيامه بزيارة لروضة أطفال، يتلقى الخبر وينطلق بطائرته ومعه مساعده الذي من المفترض أن يساعده على معرفة تفاصيل كل خيار سيتخذه ونتائجه وفق «الكتاب الأسود» الذي يتضمن تأثير الصواريخ النووية وإمكانية إطلاقها والنتائج المحلية والعالمية.. هنا ينتهي الفيلم بنفس السؤال مع إجابة من الرئيس «أوامري».. ولنا أن نتوقع النهاية، حيث يؤكد الفيلم أن ما تم بناؤه هو «بيت الديناميت» القابل للانفجار في أي وقت.

ضعف الإمكانيات

«بيت الديناميت» يعكس ضعف كل الإمكانيات وهشاشة كل الدول وعجزها الفعلي عن حماية أبنائها وحماية العالم من كوارث حقيقية قد تحدث بلحظة وبقرار متهور وأن ليس هناك من يعيش في أمان بعيداً عن متناول الخطر. الفيلم ناجح بكل ما فيه وبقدرات ممثليه، ريبيكا فيرجسن بدور أوليفيا وولكر، وتريسي ليتس الجنرال المتمكن في قيادة ستراتكوم، وغريتا لي بدور مستشارة في شؤون كوريا الشمالية، أنتوني برادي بدور القائد الذي يدعو إلى ضربة مضادة استباقية فورية، وجاريد هاريس يجسد الدفاع ريد بيكر الذي يرتبك ويتخذ قراراً صعباً، لكنه يرمز إلى الانتحار في القرار السياسي، ويؤدي جابرييل باسو باحترافية دور جيك بيرينجتون مستشار وكالة الأمن القومي.

[email protected]

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا