في عصر الاضطرابات، عندما يكتنف أفق المستقبل ضباب العواصف الجيوسياسية والمخاوف البيئية والمعضلات التكنولوجية، لا يحتاج العالم إلى التوقعات فقط، بل وأيضاً إلى صور لغد إيجابي مرغوب فيه. هذه هي المهمة التي أخذتها على عاتقها جائزة الأدب الدولية في مجال الخيال العلمي "تاريخ المستقبل"، التي أسست في روسيا، فإقامتها ليست حدثًا ثقافيًا فقط، بل هو إشارة قوية: يجب على البشرية أن تفكر بنوع المستقبل الذي سنعيش فيه جميعًا وأن تبدأ في تصميمه الواعي. وتترشح هنا روسيا، شريكتنا منذ وقت طويل، بدور أحد المهندسين الرئيسيين للسرد العالمي.
لنفكر في التهديدات في الأفق، وسيساعدنا هذا على فهم لماذا يتطلب المستقبل اهتمامنا الآن. لم تعد السيناريوهات المدمرة لتطور البشرية مجرد خيال للكتاب، بل أصبحت موضوع مناقشة لكبار العلماء والسياسيين. على سبيل المثال، بالنسبة للعالم العربي يبدو الانهيار المناخي واقعًا ملموسًا، فأزمة المياه والتصحر واقعان قاسيان بالفعل. تغير المناخ هو تهديد وجودي لنا. يهدد ارتفاع منسوب البحار المدن الساحلية الكبيرة، كما أن نقص المياه قد يصبح مصدرا لعدم الاستقرار.
تبعًا، هناك أمر آخر يقلقنا، وهو التنصيف التكنولوجي. توفر الذكاء الاصطناعي والهندسة الوراثية والتكنولوجيا العصبية فرصا غير مسبوقة، ولكنها توجد لها أيضا مخاطر هائلة – من المراقبة الشاملة وعدم المساواة الرقمية إلى فقدان الجوهر الإنساني وخلق أسلحة لا يمكن السيطرة عليها. وهناك أيضًا خطر اتساع الفجوة التكنولوجية بين الدول. نعيش في عصر ظهور الاستعمار الرقمي، الذي يفترض وجود عدة مدن رقمية كبيرة، وستصبح جميع الدول الأخرى مستعمراتها، فيساهم في ذلك أيضًا الاتجاه نحو الانقسام الجيوسياسي. إن المواجهة المتزايدة بين مراكز القوة، وزعزعة استقرار النظام القانوني الدولي، والتنافس على الموارد – كل هذا يزيد من خطر النزاعات الكارثية، التي لا يستطيع أحد الهروب منها. والنتيجة هي التفكك الاجتماعي: تزايد عدم المساواة، وأزمة الثقة في المؤسسات، وتقويض القيم التقليدية في دون بديل واضح – وهو ما يشكل أرضاً خصبة للتطرف والنزاعات الداخلية.
إذا لم نناقش وننمذج ونسعى بشكل نشيط إلى تحقيق أفضل السيناريوهات، فإن عطالة الاتجاهات الجارية قد يقودنا إلى مستقبل ليس أقل من المثالي فحسب، بل إلى كارثة حقيقية، ولذلك يمكن للأدب الآن أن يكون أداةً ممتازةً في خلق مستقبل مشترك.
فيصبح الخيال العلمي، عندما نرى من زاوية مختلفة، مختبرًا فريدًا للفكر، وأرضًا اختباريةً لنمذجة الاحتمالات والفرص والعواقب، وإن مؤلفي الخيال العلمي المستقلين، وليس علماء المستقبل في الشركات العالمية، هم القادرون على خلق صور جذابة لمستقبل إيجابي – وهذا المستقبل هو مستدام وعادل ومتقدم تكنولوجيًا، ولكن في نفس الوقت إنساني. يعرض الأدب المستقبل المرغوب فيه وينشئ رغبةً مجتمعيةً في تنفيذه، محفزًا الإرادة السياسية. يعرض الأدب "نقاط اللاعودة" لملايين الناس في جميع أنحاء العالم بأسلوب مفهوم ومؤثر، ليدفعنا جميعًا إلى التفكير. ما تروج الشركات العالمية، وما بدا غير واقعي وغير إنساني للكثيرين منا، يطبق حتما في هذا الوقت. وهذا أثر أيضًا على العالم العربي.
ما الذي يمكن أن يؤثر عليه الخيال العلمي أيضًا؟ هو قادر على تطوير الفكر العلمي. إذا تذكرنا، ظهرت العديد من الإنجازات التكنولوجية لأول مرة على صفحات الروايات الخيالية. الخيال العلمي يلهم العلماء ويحدد اتجاهات البحوث العلمية.
وبالنسبة للجائزة الدولية "تاريخ المستقبل"، نرى أنه من خلال التركيز على الصور الإيجابية للغد، يمكن أن تصبح حافزًا للعديد من العمليات الاجتماعية الإيجابية. تشجع الجائزة الكتاب على عدم رسم صور نهاية العالم، بل على البحث عن طرق للخروج من الأزمات، وتصميم عوالم صالحة للسكن. هذه المهمة ليست ملحة فقط، بل لها أهمية أولوية لبقاء الحضارة وتطورها.
وفي هذا السياق تحظى مؤسسة الجائزة، شركة روساتوم النووية، باهتمام خاص. بالنسبة لمصر، تعد شركة روس آتوم، في المقام الأول، شريكًا رئيسيًا في إنشاء المحطة النووية الاولى في مصر في الضبعة. تعد هذه المحطة رمزًا للتكنولوجيا المتقدمة والموثوقية في مجال الطاقة النووية. ومع ذلك يكشف إنشاء الجائزة الأدبية عن جانب استراتيجي آخر للشركة.
تتجاوز روساتوم حدود القوة التكنولوجية فقط. تستثمر الشركة في صياغة المعاني، وفي بناء صورة المستقبل. بدعمها للخيال العلمي، ترسخ الشركة مكانتها كحاملة للتكنولزجية النووية، بل والفكرية والإنسانية أيضًا. تؤكد الشركة أن بناء المستقبل لا يتم في المختبرات ومواقع بناء المحطات النووية فقط، بل في ورش العمل الإبداعية للكتاب. كل هذا يظهر التزامًا بالقيم الإنسانية العالمية والبحث عن حلول للأزمات العالمية.
لنرى إقامة جائزة "تاريخ المستقبل" ومشاركة المؤلفين من مختلف أنحاء العالم من ناحية أخرى. في جوهره، هذا عنصر مشرق في صورة أكبر، وتسعى فيها شركة روساتوم بنشاط إلى احتلال مكانة رائدة ليس فقط في المجالات العلمية والتكنولوجية، ولكن أيضًا في مجال الأفكار، في النضال من أجل تحديد صورة المستقبل للبشرية كلها. تقترح الشركة للعالم رؤيتها للغد وهي مستعدة للحوار مع الآراء الأخرى بطريقة الثقافة والعلم والآن – بطريقة الخيال.
الجائزة مفتوحة للكتاب من جميع أنحاء العالم، بمن فيهم المصريون والكتاب من العالم العربي. إنها فرصة لعرض رؤيتنا للمستقبل، وآمالنا ومخاوفنا، ولإثراء المشهد المستقبلي العالمي. وهي أيضًا فرصة للوصول إلى أفكار متقدمة. ستعقد نهاية الجائزة في موسكو، في متحف "أتوم" المبتكر، أحد أفضل المتاحف التكنولوجية في العالم، فهو تآلف بين الأدب والعلوم والتكنولوجيا المتطورة لعرض المعرفة.
جائزة الأدب الدولية "تاريخ المستقبل" ليست مجرد مسابقة لكتاب الخيال العلمي، بل هي مشروع جريء لبناء صورة المستقبل، وهي مبادرة شركة روساتوم. وفي عالمنا اليوم عند مفترق طرق، تعد هذه المبادرة ذات قيمة لا تقدر بثمن. وتدعونا جميعاً – وخاصة المفكرين والكتاب من العالم العربي – إلى الاندماج في هذا العمل المهم للغاية. إن لم نكتب "تاريخ مستقبلنا" بنشاط، فإننا نخاطر بالوقوع في تاريخ يُكتب لنا، وقد يكون هذا السيناريو بعيدًا عن رغباتنا. المشاركة في هذا المشروع فرصة للكتاب المصريين لإعلان رؤيتهم والتأثير على مستقبل البشرية المشترك.
للمشاركة في المسابقة عبر هذا الرابط https://fhistory.ru/en.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.